cover

خواطر 2017 – 3

(أرأيت هذا المنزل أهو منزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟) هكذا سأل الصحابة عليهم رضوان الله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اختار مكان نزول الجيش في غزوة بدر. لم يعلمهم الرسول أن ولي الأمر لا يخطئ ولا يجوز إبداء رأي مخالف له. حرية الرأي حق منحنا الله إياه ولا يحق لمخلوق أن يسلبه.


وفي بدر نغز الرسول صلى الله عليه وسلم بعصاه أحد الصحابة وهو يسوّي الصفوف للمعركة فقال له الصحابي: (يا رسول الله أوجعتني فأقدني) أي أريد القصاص منك، فما كان من الرسول إلا أن كشف بطنه ليقتص منه، فانكب عليه الصحابي مقبّلاً وهو يقول: (إنما أتوقع الشهادة وأردت أن يكون آخر عهدي بالحياة أن يمس جلدي جلدك) تجرؤ الصحابي على هذا الطلب وعدم اعتراض أحد من الصحابة عليه يدل على أن الرسول ربى رجالاً لا يسكتون على ضيم ويرفضون الظلم ولو جاء من ولي الأمر ولم يربّ متملقين يقبلون الأيدي والأقدام


المصلحة الروسية التي من أجلها تقصفنا الطائرات الروسية والمصلحة الأمريكية التي من أجلها تبني أمريكا قواعدها في بلادنا والمصلحة الإيرانية التي من أجلها تعيث الميليشيات الإيرانية قتلاً في شعبنا كل هذه المصالح كان يؤمّنها النظام الذي أسسه الهالك الأب منذ ستين عاماً من دون تدخل روسي مباشر أو قواعد أمريكية أو ميليشيات إيرانية. بنى النظام وجوده على تقاطع مصلحته الضيقة مع مصالح هؤلاء فلعب دور الوكيل الحصري الذي يؤمّن مصالحهم على حساب مصلحة السوريين الذين سحق إرادتهم وجردهم من حقوقهم وحرياتهم دون أن يفكر أن هذا سيؤدي إلى ثورتهم يوماً لأنهم في نظره عبيد والعبيد خلقوا ليخنعوا لا ليثوروا. اليوم عندما هددت الثورة وجود الوكيل جاء الأصيل بنفسه لحماية مصالحه. الثورة لم تجلب نفوذ الآخرين إلى بلادنا فنفوذهم كان موجوداً على الدوام وعلى حساب كرامتنا ومصلحتنا ولكن من دون مقاومة لأن الإرادة الشعبية التي أطلقتها الثورة كانت مغيبة. الثورة وضعت السوريين اليوم أمام أعدائهم وجهاً لوجه ومنحتهم الخيار الوجودي الذي حرمهم النظام منه: أن يكونوا أولا يكونوا، بالمعنى الحضاري للوجود.


الاقتصار على الأبيض والأسود في توصيف الواقع واتخاذ المواقف منه لا يقل في تشويه فهمنا لهذا الواقع وتقليص خياراتنا في التعامل معه عن استبعاد هذين اللونين نهائياً. في السياسة كما في الحياة كل الألوان موجودة بما فيها الأبيض والأسود!


اعتبار موارد البلاد ملك خاص للحاكم يأخذ وحاشيته منها ما يريدون واعتبار المواطنيين رعايا يفعل الحاكم بهم ما يشاء واعتبار تلبية حاجات الناس منح يمن بها الحاكم عليهم لا حقوق يؤديها لهم وبقاء الحاكم وحاشيته فوق الدستور والقانون لا تحتهما وانعدام المحاسبة والشفافية وكم أفواه المعارضين وتثبيت العروش بالحرص على رضا الدول الكبرى لا على رضا الشعوب وإدخال البلاد في صراعات وتوترات خارجية كي تشغل الناس عن الفشل الداخلي وتبرر قمع كل صوت معارض وما يؤدي إليه كل ما سبق من فساد وانعدام فرص التنمية وانتشار البطالة والمخدرات بين الشباب وتكديس الثروة في أيدي أشخاص معدودين وتفاقم الشعور بالغضب والإحباط هذه هي أسباب الانفجار المجتمعي الذي عبر عن نفسه بالثورات العربية وهذه الأسباب لم تزل موجودة في بقايا النظام العربي القديم الذي يظن حكامه أنهم يحمون عروشهم بمحاربة الربيع العربي ورفع كلفة المطالبة بالتغيير لتخويف شعوبهم منه. كل ما يفعلونه قد يؤخر الانفجار، ما يحميهم منه هو معالجة أسبابه.


بعد ستين عاماً من الاغتصاب بصمت استجمعت قواها وأنشبت أظافرها في عنقه لتدفعه عن جسدها مرة واحدة وإلى الأبد وهو بدوره أنشب أظافره في عنقها ليعيدها إلى الصمت مرة أخرى ومذ ذاك ودم الطرفين يسيل. هناك من ينصحها بأن تتوقف عن المقاومة حتى (تحقن الدم). هي لن تفعل حتى تتخلص من مغتصبها إلى الأبد فلذَّةُ إبعاده عن روحها المعذَبة تنسيها ألمَ الأظافر الناشبة.


انتزع المجتمع السوري هامش حرية لم يكن متاحاً وأصبح الناس يهتمون بالشأن العام ويقولون كلمتهم وهذا إنجاز لا عودة عنه. توسيع هذا الهامش وتطويره هو الهدف الاستراتيجي الذي يجب أن نعمل عليه وهذا ما يعتمد عليه مستقبل بلدنا على المدى البعيد بغض النظر عما يحمله المدى القريب من سيناريوهات. صحيح أن الكثير من الأوراق السياسية والعسكرية ليست في أيدينا حالياً لكن العمل مع الناس ومن أجلهم مستفيدين من هامش الحرية ذاك هو أهم ورقة نمتلكها ولا أحد يستطيع انتزاعها منا إلا بموافقتنا.


تتعدد خطوط الصراع في سورية وتتداخل غير أن خطاً واحداً هو الذي حرك الخطوط كلها وحسمه هو الذي سيحسمها جميعاً في نهاية المطاف. إنه الصراع بين من يريدون سورية بلد قانون وحريات وعدالة وكرامة يحكمها بشر كبقية البشر يخضعون للمساءلة والمحاسبة تأتي وتذهب بهم صناديق الاقتراع ومن يريدونها مزرعة يملكها أنصاف ألهة يحكمونها إلى أخر لحظة في حياتهم ويعيشون فوق أي مساءلة أو محاسبة.


نحن و(الإرهاب) 1- الطريقة التي تُدمر بها مدننا بحجة محاربة الارهاب تشبه من يرى حشرة سامة حطت على يد إنسان فيتناول مطرقة عملاقة ويهوي بها على الحشرة فيقضي عليها لكنه يحوّل اليد إلى كتلة ممزقة من لحم ودم 2- بطلبه الانضمام إلى قوات النظام لمحاربة (الإرهاب) يريد العالم من الجيش الحر أن يعطي الشرعية للإرهاب الأكبر الذي قتل أهالي مقاتليه ودمر مدنهم وشرد سكانها وذلك بالانضمام إليه لمحاربة الإرهاب الأصغر الذي نشأ كردة فعل على إرهاب الأخير 3- الإرهاب الذي يرتكبه بحق الشعب نظام حكم يعامله العالم على أنه (شرعي) أدعى إلى الإدانة والتدخل لحماية ضحاياه من الإرهاب الذي يُرتكب من قبل أفراد أو جماعات لا يحملون صفة (الشرعية). لأن الإرهابي هنا يجرم في حق من هو مسؤول عن حمايتهم قانوناً، تماماً كالأب الذي يعتدي على ابنه الضعيف، جريمته أكبر والسكوت عليها وعدم التدخل لحماية الابن خطأ أخلاقي أكبر من السكوت على عدوان يرتكبه أي شخص أخر غير مسؤول عن حماية الابن 4- لا نستطيع أن نقاطع العالم بحجة عدم إنصافه ولكن يجب أن نرمي في وجهه الحقائق السابقة مرة بعد مرة عبر وسائل الإعلام وفي المحافل السياسية كلما أراد أن يعطينا دروساً في حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب


(أنا خير منه) التي أخرجت إبليس من الجنة إلى النار هي ذاتها التي تخرجنا اليوم من جنة التكاتف إلى نار التشرذم.


صمود شبابنا الأسطوري في ساح المعارك يظهر أننا شعب لا تنقصه صفات الشجاعة أو الصبر أو الإيمان، ينقصنا أن نوجه هذه الصفات إلى دواخلنا كما نوجهها إلى الخارج. ندرك النصر عندما نملك من الشجاعة في مواجهة أنفسنا وخلافاتنا ومن الصبر على بعضنا البعض في أثناء تلك المواجهة ومن الإيمان بأن فينا خيراً كامناً يستحق كل هذا الصبر مثل ما نملكه من شجاعة وصبر وإيمان في مواجهة العدو.


ما من أمة تبوّأ أرذل من فيها الكراسي إلا وتبوأ أطهرمن فيها السجون والمنافي (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون). الأيدي المرتعشة لا تبني أوطاناً والقلوب الخائفة لا تردع عدواناً. وويل لمن لا يتعظ من مصائر المجتمعات التي تفرد بحكمها الظالمون


تعلموا من ثورتنا كيف يربون شعوبهم بمآسينا كي لا تثور. ليتهم تعلموا منها كيف يربون أنفسهم على احترام شعوبهم كي لا تثور.


يقول أحد خبراء القيادة: في العلاقات الإنسانية السريع بطئ والبطئ سريع. أي أن التسرع في اتخاذ القرار قبل التواصل مع المعنيين به وفهم حاجاتهم وكسب ثقتهم يؤدي إلى فشل يبطئ التقدم باتجاه الأهداف، والعكس صحيح. التواصل يعني المواجهة، وعندما نهرب من المواجهة نقع في الفوضى وتنعدم لدينا الرؤيا والقيادة. المواجهة مع النفس أولاً – وهي المواجهة الأهم - ليعرف أحدنا من هو وماذا يريد وما هي نقاط ضعفه ونقاط قوته، ومع الأخرين ثانياً ليكمّلوه وليصنع معهم حالة الثقة والتعاون التي توصل إلى أفضل الخيارات.


لدي 24 مليون سبب لرفض نظام الأسد مليون سبب من الشهداء والمفقودين والمعتقلين والمعوقين عشرة مليون سبب من النازحين والمهجرين عشرة مليون سبب من الحياديين الذين شوههم النظام وأضعف ثقتهم بأهلية السوريين للعيش الحر الكريم إلى درجة أنهم أصبحوا لا يرون عنه بديلا 3 مليون سبب من المؤيدين الذين حولهم النظام إلى وحوش يعتبرون كل من يرفض بشار إرهابياً يجب القضاء عليه


عندما نغضب لمئات الشهداء الذين قتلهم الطاغية في ساعة واحدة لأنهم اعتصموا ضده سلمياً، ونحزن لآلاف المعتقلين الأبرياء الذين تلتهمهم ظلمات سجونه منذ سنوات، ونسخط على المجرمين الذي يقفون وراء كل ذلك، بنفس القدر الذي نفرح فيه لفوزنا في مباراة، عندها نكون أمة سليمة يحمل أفرادها عقولاً وقلوباً ومشاعر سليمة، وعندها يكون فرحنا ظاهرة سليمة!


في منطقتنا مشاريع شتى تقتضي حروباً واصطفافات تتبدل باستمرار. نحن نريد أن نعيش فوق أرضنا بكرامة. هذا هو مشروعنا الوحيد الذي لن نحيد عنه ولن نتوقف عن تطوير أنفسنا حتى نتمكن من تحقيقه وهو الراية التي سنسلمها لأبنائنا من بعدنا


أعظم السرقات سرقة حق الأمة في اختيار حكامها ومحاسبتهم


لكي لا ننسى البوصلة. هدفنا أوطان مستقرة يعيش الناس فيها بكرامة. لا يحدث ذلك بجرة قلم من حاكم ولا بمخطط يضعه أجنبي. الطريق هو عمل مستمر لإسقاط الطغيان وبناء الإنسان وإعمار الأوطان. التركيز على هذا العمل أجدى من الجدال العقيم حول هل كانت ثورة أم أم لا وهل هي مستمرة أم انتهت فالصفائح تزحزحت والزلزال حدث والقديم تداعى والجديد لما يأتي بعد. إسقاط الطغيان وبناء الإنسان وإعمار الأوطان ليست مراحل متتالية تمضي باتجاه واحد وإنما مراحل متداخلة تمضي باتجاهين، فلا يُبنى إنسان تحت حذاء طاغية ولا تعمر أوطان بإنسان مدمّر. بالمقابل كل مدماك نضعه في بناء المؤسسات التي تبني أوطاننا يساهم في بناء إنساننا وفي تحصينه من الخضوع للطغيان. يحتاج كل ذلك إلى إيمان عظيم وصبر جميل


أكثرُ ما يخاف منه أهلُ الفساد إعلامٌ حر وقضاءٌ مستقل