cover

الوعي السياسي لحقن الدماء

أعتقد أنه ما من أمرٍ يقصِّر فترة تخلفنا نحن العرب و يخفف من عذاباتنا و آلامنا و يحقن دماءنا و يدفع عنا إجرام المستعمرين و المستبدين أكثر من رفع سوية الوعي السياسي عند الشعوب العربية

لماذا لا يحدث انقلاب عسكري في فرنسا أو ألمانيا أو بلجيكا؟

لماذا لا تبايع الشعوب الأوربية حكامها إلى الأبد؟ و لماذا تحتج و تنزل إلى الشوارع عندما تشعر بأي تجاوز تمارسه السلطات على حريتها و حقوقها؟

لأن التجربة التاريخية الدامية و الحروب الأهلية الطاحنة التي عاشتها أوربا خلال قرون من الزمن و الحربين العالميتين الأولى و الثانية قد زرعت في مكان عميق في وجدان كل إنسان أوربي رفضاً مطلقاً لأي استبداد سياسي إذا أن هذه الشعوب دفعت غالياً جداً ثمن هذا الاستبداد

يجب أن يدرك الناس في منطقتنا العربية خطورة الانسحاب من الحياة السياسية و الرضا بأوضاع سياسية جائرة يحتكر فيها الحكم فرد أو حزب أو فئة ما. صحيح أن الهجمة الأمريكية على المنطقة و تفشي الفساد في جسد النظام العربي الرسمي و انتشار الفضائيات و الانترنت قد رفع من سوية الوعي السياسي عند الشعوب العربية في العشر سنوات الأخيرة إلا أن هذا الوعي ما زال دون الحد الأدنى اللازم لإحداث تغيير نوعي في شكل النظام السياسي العربي

يجب أن تدرك الشعوب العربية أنه يستحيل حدوث أي تقدم أو نهضة في منطقتنا العربية في ظل الاستبداد و أن هذا الاستبداد لا ينحسر عنا إلا بمقدار ما ينحسر في نفوسنا الاستعداد له و القبول و الرضا به، فالقول بأن بطش الحكام و قسوتهم هو السبب في أوضاعنا السيئة هو في رأيي قول باطل لأن الحاضر و الماضي القريب و البعيد يبين لنا كيف أن الشعوب إذا أرادت الحرية و الحياة الكريمة فلا يمكن لأي قوة على وجه الأرض مهما بلغت من القوة و البطش أن تقف في وجه هذه الإرادة

إذا الشعب يوماً أراد الحياة    فلا بد أن يستجيب القدر

إن أولوية الأولويات اليوم هي تعميق و تفعيل إرادة الشعوب العربية في الحرية و الحياة الكريمة ثم قيادة هذه الإرادة و توجيهها لإقامة أنظمة سياسية تعبر عنها

هذه هي مهمة المثقفين و المفكرين و العلماء و السياسيين الشجعان و الشرفاء

مهمة يجب أن ننجزها اليوم و أن ننجزها بسرعة حقناً لدماء هذه الأمة و حماية لها من الدمار و الهلاك

مهمة لا تُنجز بالكلام فقط و إنما بالمواقف الشجاعة و العمل المستمر و التضحيات الكبيرة

لقد طال ليل هذه الأمة و آن للفجر أن يتقدم

2005 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share