cover

تفتيت المنطقة .. هل يمكن إيقاف المخطط؟

دولة عظمى مثل أمريكا تضع سياساتها من خلال دراسات معمَّقة تدرس جميع العوامل الإقليمية والدولية المتشابكة وترسم الخطط لعشرات السنيين القادمة وتضع البدائل والسيناريوهات المختلفة بحيث تكون جاهزة لكل الاحتمالات ثم عند التنفيذ تظل عقول المخططين الاستراتيجيين منفتحة لإجراء التعديلات اللازمة التي تقتضيها المستجدات في هذه المنطقة أو تلك

هذه الخطط تعتمد على مصلحة أمريكا وحلفائها (وأولهم إسرائيل) ولاشيء غير المصلحة وهي تتخذ ذرائع أخلاقية (الحرب على الإرهاب – نشر الديمقراطية والحرية) ويصاحبها الكثير من الخداع لغسل دماغ الشعوب التي تنفَّذ عليها هذه الخطط ولصرفها عن معرفة حقيقة ما يدبر لها لأن تخدير الشعوب وتجهيلها هو من أقوى الأسلحة التي تضمن تنفيذ تلك الخطط من دون أي مقاومة

الذين يخططون وينفذون بشر مثلنا تماماً يخطئون ويصيبون ومهما عظمت إمكانيات أمريكا وملكت من قوة علمية واقتصادية وعسكرية هائلة فهي لن تصل إلى درجة القدرة على تحقيق كل ما تريد لأن الله وحده هو القادر على ذلك. إن من أهم الوسائل التي يتم بها إحباط مخططات أمريكا وإسرائيل هي توعية شعوبنا بحقيقة مخططاتها والاستفادة مما يناسبنا منها (من ِمنَ شعوب منطقتنا لا يريد الحرية والديمقراطية ومحاربة الإرهاب؟!) واستخدامه لإحباط ما لا يناسبنا وكل هذا ممكن في السياسة إذا هيئ لهذه الأمة قادة سياسيون مخلصون وماهرون يستمدون شرعيتهم وقوتهم من رضا شعوبهم عنهم لا من رضا أمريكا، قادة مخلصون يؤمنون بشعوبهم فلا يصادرون قرارها ولا يفرضون الوصاية عليها تحت أي ذريعة من الذرائع

ولكي ندرك ما يُخطط لمنطقتنا لنقرأ ما نقله الدكتور محمد عمارة في كتابه "الأقليات الدينية والقومية تنوع ووحدة؟ .. أم تفتيت واختراق؟؟" عن مقال نشرته مجلة Kivunim المجلة الفصلية للمنظمة الصهيونية العالمية في عددها الرابع عشر الصادر في شباط عام 1982 تحت عنوان "استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات": ( إن العراق، الغني بالنفط من جهة، والذي يكثر فيه الانشقاق والأحقاد في الداخل من جهة أخرى، هو المرشح المضمون لتحقيق أهداف إسرائيل، إن تفتيت العراق هو أكثر أهمية من تفتيت سورية، وقوته تشكل في المدى القصير خطراً على إسرائيل أكثر من أي خطر آخر ) وتقول الدراسة نفسها في مكان آخر: (وسوف تتفتت سوريا وفق التركيب الإثني و الطائفي إلى عدة دول مثل لبنان حالياً - الإشارة إلى لبنان في أثناء الحرب الطائفية - بحيث تقوم على ساحلها دولة علوية-شيعية، وفي منطقة حلب دولة سنية، وفي منطقة دمشق دولة سنية أخرى معادية للدولة الشمالية، والدروز سيشكلون دولة، ربما أيضاً في الجولان عندنا وطبعاً في حوران وشمال الأردن وستكون هذه ضمانة الأمن والسلام في المنطقة بأسرها على المدى الطويل) وينقل الدكتور محمد عمارة في الكتاب نفسه عن محاضرة لوزير الدفاع الإسرائيلي آريل شارون تحدث فيها عن آمال التفتيت في الثمانينات قال شارون: (إن إسرائيل تصل بمجالها  الحيوي إلى أطراف الاتحاد السوفيتي شمالاً، والصين شرقاً، وأفريقيا الوسطى جنوباً، والمغرب العربي غرباً – أي العالم الإسلامي كله- فهذا المجال عبارة عن مجموعات قومية وإثنية ومذهبية متناحرة. ففي الباكستان شعب البلوش، وفي إيران يتنازع على السلطة كل من الشيعة والأكراد، في حين أن سورية تواجه مشكلات الصراع السني العلوي، ولبنان مقسوم على عدد من الطوائف المتناحرة، والأردن مجال خصب لصراع من نوع فلسطيني-بدوي، كذلك في الإمارات العربية وسواحل المملكة العربية السعودية الشرقية، حيث يكثر الشيعة ذوي الأصول الإيرانية، وفي مصر جو من العداء بين المسلمين والأقباط، وفي السودان حالة مستمرة من الصراع بين الشمال والجنوب المسيحي- الوثني، أما في المغرب فالهوة بين العرب و البربر قابلة للاتساع) إلى هنا انتهى كلام شارون! وللأسف الشديد يوجد في منطقتنا كل بذور الفتنة الطائفية الكفيلة بتحقيق المخطط السابق وليس الغاية من هذا الاستقراء للأحداث الاستسلام لها وإنما التحضير لمواجهتها. إن أقصر طريق لتنفيذ هذا المخطط هو ما تقوم به الأنظمة الاستبدادية من قمع للناس واعتداء على حقوقهم وإلغاء لمنطق الدولة والقانون مما يدفع الناس للالتجاء إلى غرائز وعصبيات ما قبل الدولة (الطائفة والمنطقة والعشيرة والعائلة). أما الصخرة التي يمكن أن يتحطم عليها هذا المخطط التفتيتي فهو بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي يشعر الجميع في ظلها بالعدالة والمساواة واحترام كرامتهم الإنسانية في سياق مشروع حضاري سياسي متكامل يراعي خصوصية مجتمعاتنا ويولد من رحم هذه المجتمعات بشكل طبيعي مما سيحافظ على وحدة أوطاننا.  هذا هو الجواب على المشروع الصهيوني التفتيتي الذي يريد إجهاض هذه الولادة الطبيعية وتوليد الديمقراطية في منطقتنا مسخاً مشوهاً كما حدث في أفغانستان والعراق

2005 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share