إن العبيد لا يستطيعون تخيل أنفسهم بدون سيد. سيد يملك أمرهم كله، سيد يفكر بدلاً منهم، سيد يتخذ القرارات نيابة عنهم، سيد يأمر و ينهى فيسمعوه و يطيعوه. هذه هي ثقافة العبيد، يرضعها العبيد مع الحليب منذ ولادتهم، يرثونها من آبائهم و أمهاتهم، و يورثونها لأبنائهم من بعدهم. أتذكر ثقافة العبيد تلك كلما سمعت أو قرأت لأولئك الذين يحذرون الشعوب العربية من الانسياق وراء دعاوى الإصلاح في الوطن العربي لأن أمريكا تقف وراء هذه الدعاوى و يطلبون من الشعوب العربية أن تلتف حول حكامها في مواجهة التدخل الأمريكي دون أن يربطوا هذا الالتفاف بأي شرط! أنا أول من يطالب الشعوب العربية أن تلتف حول حكامها في مواجهة التدخل الأجنبي و لكن هذا الالتفاف يجب أن لا يكون لسواد عيون الحكام و إنما يجب أن يكون مشروطاً بمدى جدية هؤلاء الحكام في إفساح المجال لشعوبهم لكي تتحرك و تتنفس و تعبر عن رأيها يجب أن يكون هذا الالتفاف مشروطاً بمدى استعداد الحكام للتنازل عن الحكم الاستبدادي المطلق و القبول بالتعددية و التداول السلمي للسلطة. و الشعوب التي تلتف حول حكامها بغض النظر عن تحقيقهم لهذه الشروط هي ليست شعوباً بل قطعاناً من الغنم
هناك طبقة من ( السياسيين ) و ( المثقفين ) و ( رجال الدين ) تعتقد أن الشعوب العربية لا تستحق مكاناً أفضل من مكانين : إما أن تكون تحت حذاء المستبد الداخلي أو تحت حذاء المحتل الخارجي! إنها الطبقة التي تروج لثقافة العبيد التي تخيِّر الناس بين سيدين لأنها لا تتخيلهم بدون سيد! إنها الطبقة الكاذبة التي تكذب على الشعوب العربية منذ أكثر من نصف قرن و توهمها بأنها غير قادرة على ممارسة حريتها و هي بحاجة إلى الوصاية الدائمة
لقد بدأت الشعوب العربية تستيقظ و تكتشف تلك الكذبة الكبرى و بدأت تستعيد ثقتها بنفسها و إيمانها بقدرتها على ممارسة حريتها بمسؤولية و هي ستخرج قريباً من نفق الاستبداد المظلم و عندما تصافح عيونها النور ستنظر باحتقار إلى كل من احتقرها و أهانها و حاول أن يدفعها إلى الكفر بنفسها و إنسانيتها و حقها في العيش الحر الكريم
2005 - الدكتور ياسر تيسير العيتي