cover

نحن من يقتل الفلسطينيين

عندما تحرك الشارع العربي على نحو غير مسبوق يوم حاصرت القوات الإسرائيلية مقر الرئيس ياسر عرفات في رام الله كبر البعض وهللوا معلنين بداية يقظة الأمة العربية .. كتبت يومها محذراً من المبالغة في التفاؤل بحركة الشارع العربي وقلت أنها حركة عاطفية مؤقتة لن تلبث أن تنطفئ وقلت يومها أن الإنسان العربي مسحوق من الداخل سلبي مستسلم لا تزال قضية الحرية والكرامة عنده قضية ثانوية وأن الإنسان العربي الذي لا يستطيع أن ينصر قضية الحرية والكرامة في وطنه لن يستطيع أن ينصر قضية الحرية والكرامة في فلسطين

إن الشعب الذي يعجز عن الدفاع عن نفسه لن يستطيع الدفاع عن غيره، الشعوب التي تعجز عن الدفاع عن نفسها في وجه حكامها الذين صادروا قرارها وفرضوا الوصاية عليها وعطلوا الحياة السياسية فيها وداسوا على حريتها وكرامتها وحقوقها الإنسانية الأساسية، هذه الشعوب المخدَّرة لن تستطيع أن تقدم شيئاً للشعب الفلسطيني البطل المجاهد

إن إسرائيل تستفرد اليوم بالفلسطينين بعد أن كُبل الشعب العربي وأُهدرت طاقاته وجُعل نهباً للاستبداد والفساد

أقول لكل مواطن عربي صادق يتألم لما يحدث لإخوانه في فلسطين: الطريق إلى القدس لا يمر من عواصم عربية أسيرة مكبلة يحكمها المستبدون الذين قيدوا شعوبهم وحيّدوهم عن المعركة مع العدو الصهيوني، الطريق إلى القدس يمر من عواصم عربية حرّة تحكمها أنظمة تعبر عن إرادة شعوبها، أنظمة عربية وصلت إلى الكراسي عن طريق صناديق الاقتراع وليس بسطوة الأمن وبطش المخابرات

إن أنظمة عربية أفرزتها انتخابات حرة نزيهة ستعرف كيف تطلق طاقات شعوبها وكيف توحد قوى هذه الشعوب في مواجهة الصلف الصهيوني وكيف تدير معركتها معه حضارياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً وعسكرياً، أما الأنظمة العربية اليوم فلا يرجى منها شيء ولن تقدم للفلسطينيين أكثر مما قدمته لهم في الستين سنة الماضية، الأنظمة العربية اليوم لا يرجى منها شيء فأول أولوياتها البقاء في الحكم وليس الدفاع عن فلسطين، وبدلاً من أن تملك زمام المبادرة في صراعها مع العدو الصهيوني مدعومة بتأييد شعوبها الحقيقي الناجم عن صدقها وعدلها مع هذه الشعوب، نراها تتعامل بردات الأفعال مع هذا العدو وقد أصبحت خياراتها محدودة جداً لأنها تعيش محصورة بين خوفين، خوفها من أمريكا لأنها تعرف أن بقاءها مرهون  برضا أمريكا وليس برضا شعوبها عنها، وخوفها من شعوبها لأنها تعرف التجاوزات التي ترتكبها بحق هذه الشعوب

عندما يرتفع شعورنا بقيمتنا وكرامتنا إلى درجة تدفعنا إلى الدفاع عن هذه الكرامة ولو دفعنا أرواحنا ثمناً لذلك، عندها سنصبح قادرين على تحرير أنفسنا وإرادتنا من بطش الطغاة وظلمهم

عندها وعندها فقط سنصبح قادرين على مساعدة الفلسطينيين على تحرير أرضهم

2005 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share