cover

احتياجات خاصة

 إن الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير الظروف والنشاطات التي تتيح لهم ممارسة حقوقهم وإطلاق إمكانياتهم هو عمل إنساني نبيل يستحق كل تشجيع وتقدير. كنت أتابع وقائع افتتاح الأولمبياد الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة الذي يُقام في سورية برعاية مميزة من الدولة، وكنت أشاهد الفرح والثقة تنبعان من عيون المشاركين وأقول في نفسي: لو لم يتوفر لهؤلاء الأشخاص من ينظر إليهم على أنهم بشر يستحقون من الفرص ما يستحقه البشر الآخرون لكانوا اليوم معزولين منبوذين ولماتت الإمكانيات والطاقات المدهشة التي يظهرونها في هذا الأولمبياد في زوايا التجاهل والإهمال. يأتي الإنسان إلى هذه الحياة وقد أودع الله فيه إمكانيات هائلة ويمنحه الخالق  الاستعداد للنمو والارتقاء سواء كان  طبيعياً أو من ذوي الاحتياجات الخاصة لكن نمو الإنسان وارتقاءه يرتبط بشرطين: الشرط الأول والأهم؛ إيمانه بما لديه من إمكانيات وبحقه في إطلاق هذه الإمكانيات واستعداده للدفاع عن هذا الحق في وجه من ينكرونه، والشرط الثاني؛ إيمان من يحيطون بهذا الإنسان أشخاصاً ومؤسسات (الأسرة – المدرسة – الدولة) بإمكانياته وبحقه في إطلاقها والتعبير عنها وتوفير الفرص التي تتيح له ذلك. أليس ما ينطبق على ذوي الاحتياجات الخاصة ينطبق على البشر العاديين؟ أليس ما ينطبق على شخص واحد ينطبق على المجتمع بأسره؟ ألم يعد واضحاً بشكل لا لبس فيه أن المجتمعات المتقدمة في هذا العالم هي المجتمعات التي تحكمها أنظمة سياسية تعترف بحقوق الناس وتمنحهم فرصاً متساوية في ممارسة هذه الحقوق بينما المجتمعات المتخلفة هي المجتمعات التي تختنق فيها إمكانيات الناس في أجواء الوصاية على الآخرين وإنكار حقوقهم؟

في صيف عام 2007 كنت ألقي محاضرة عن التنمية البشرية في الدار البيضاء، وفي أثناء النقاش الذي دار بعد انتهاء المحاضرة تحدث شخص كفيف عما يعانيه المكفوفون من الإجحاف في حقوقهم والتمييز في معاملتهم فقلت له مواسياً: لا تحزن كثيراً يا أخي فكلنا كعرب نعاني من الإجحاف في حقوقنا والتمييز في معاملتنا لأن حكامنا ينظرون إلينا جميعاً على أننا ذوي احتياجات خاصة فضجت القاعة بالتصفيق الحار مما يدل على شعور الإنسان العربي بالظلم والإجحاف من الخليج إلى المحيط. سيرد البعض على هذا الكلام بالقول إن للشعوب العربية خصوصية تجعلها غير مستحقة لممارسة الحقوق التي تمارسها الشعوب الأخرى وإن الحرية والديمقراطية ستأتي على منطقتنا بالتطرف والفوضى ويحق لنا بعد كل هذه العقود من تجربة حرمان الشعوب من حقوقها بحجة تجنيبها التطرف والفوضى أن نرد على هؤلاء بالدليل الملموس ونقول إن هذا الحرمان لم يأت بالاعتدال والنظام إلى منطقتنا ولم يحقق التنمية لمجتمعاتنا ولم يحارب الفساد في حكوماتنا ولم يبن أوطاننا ولم يحم دولنا من التفكك ولم يهزم أعداءنا  بل حقق عكس ذلك كله لأن حرمان الناس حقوقهم إما أن يدفعهم إلى السلبية والانكفاء أو أن يدفعهم إلى التطرف واللجوء إلى  الطرق العنفية للحصول على هذه الحقوق. يتحجج البعض بأن الدين هو الذي يمنع انتشار الديمقراطية في العالم العربي والحقيقة أن الدين بريء من هذه التهمة بل الخوف من الدين هو الذين يمنع انتشار الديمقراطية، هذا الخوف المرضي هو الذين يدفع  البعض إلى فرض أنظمة شمولية تحد من حرية الناس وخياراتهم بحجة الخوف من الدين الذي يخوفون الناس منه لأنه بزعمهم يحد من حرية الناس وخياراتهم!!  صحيح أن الحرية في مجتمعاتنا ستفسح للمتطرفين هامشاً أوسع للتحرك والتعبير عن أنفسهم ولكنها ستفسح المجال نفسه للمعتدلين وبما أن الاعتدال لا التطرف يشكل السمة الغالبة في مجتمعاتنا فإن مزيداً من الحرية سيؤدي إلى أخذ هذه المجتمعات إلى أجواء الاعتدال والانفتاح والتسامح وأكبر دليل على ذلك أن المجتمع التركي لم يزدد تطرفاً وانغلاقاً تحت حكم حركة العدالة والتنمية بل على العكس من ذلك مما دفع الدول الأوربية إلى الترحيب بالإصلاحات الدستورية الأخيرة التي تمنح الشعب التركي مزيداً من الحريات وتخفف من قبضة العسكر على الحكم

في الدار البيضاء قلت محتجاً: إن حكامنا ينظرون إلينا على أننا ذوي احتياجات خاصة واليوم بعد ما رأيته في افتتاح الأولمبياد الخاص في سورية غيرت رأيي وصرت أقول: بل يا ليت حكامنا ينظرون إلينا على أننا ذوي احتياجات خاصة

الدكتور ياسر تيسير العيتي

28/9/2010

Share