الثقافة والتنمية البشرية و..الحرية
جرِّب أن تضغط دواسة البنزين في سيارتك قبل أن ترخي مكبحها اليدوي ما الذي سيحدث؟ ستهتز السيارة وتئن لكنها لن تخطو خطوة واحدة إلى الأمام. كذلك المجتمع مهما كثرت فيه الجمعيات والدورات والمجلات التي تدعو إلى إطلاق قدرات الإنسان تحت عناوين نشر الثقافة والتنمية البشرية فهي لن تخطو بالمجتمع خطوة واحدة إلى الأمام ما دام يخضع لسلطة تكبح قدرات الناس بحرمانهم حريتهم. وكما أن الهواء حاجة لأجساد الناس لا يستطيعون العيش إلا به كذلك الحرية هي حاجة لقدراتهم لا تنطلق هذه القدرات إلا بها، ومن يحرم الناس حريتهم ثم يسمح لهم بنشاطات تهدف إلى إطلاق قدراتهم فهو يسخر من الناس ومثله كمن يحجب الهواء عن الآخرين فإذا ظهرت عليهم أعراض الاختناق سمح لهم بإنشاء جمعيات وإقامة دورات ونشر مجلات تعلمهم فن التنفس
كيف تنطلق قدرات الإنسان إذا لم يكن واثقاً بنفسه؟ وكيف يثق الإنسان بنفسه وهو يخضع لسلطة تجند كل أجهزتها الأمنية والقضائية والإعلامية والثقافية لتوجه لهذا الإنسان – منذ أن يفتح عينيه على الدنيا وحتى آخر لحظة في حياته – رسالة واحدة مفادها: أنت لست أهلاً لكي تكون حراً! إن الحرية السياسية التي تحترم إرادة الناس وحقوقهم وكراماتهم هي التي تطلق قدرات الإنسان في المجتمع وتمضي به نحو الأمام وما لم يهدف النشاط الثقافي والتنموي إلى رفع وعي الناس إلى درجة تجعلهم يطالبون بحريتهم فإن هذا النشاط لن يكون إلا هدراً للوقت والجهد والمال، إذ ما الفائدة في أن أصطحب طفلي إلى نادٍ معدٍ لإطلاق قدرات الأطفال ومجهزٍ بأحدث التقنيات فيلعب الطفل ويعزف ويغني ويرسم ويلون ويصغي ويحاور وتنطلق قدراته ثم يكبر حاملاً معه هذه القدرات مؤمناً أنه يملك منها ما يملكه الناس في بقية أنحاء العالم وبالتالي فهو يستحق ممارسة الحقوق التي يمارسها الناس في بقية أنحاء العالم فيطالب بهذه الحقوق فيجد نفسه -كما وجدت نفسي في فرع أمن الدولة- في أحد أقبية الأمن معصوب العينين مقيد اليدين ينهال عليه الشتم والضرب من كل جانب
لا يعني ما سبق أنني أدعو الناشطين في مجال الثقافة والتنمية البشرية في مجتمع تقيَّد فيه الحريات إلى وقف نشاطاتهم أو تضمينها دعوة صريحة إلى إطلاق الحريات – وذلك سيؤدي إلى وقفها بطبيعة الحال – لكنني أطلع هؤلاء الناشطين على فهمي للعلاقة بين الحرية السياسية وما يسعون إليه من إطلاق لقدرات الإنسان لثقتي بأنهم إذا شاركوني هذا الفهم فلديهم القدرة على الاستفادة من نشاطاتهم في رفع وعي الناس بقدراتهم وتشجيعهم على المطالبة بحقوقهم – بطرق ذكية تمكنهم من الاستمرار في هذه النشاطات- وذلك لكي يؤدي النشاط الثقافي والتنموي إلى تغيير الواقع ولا يكون -كما يريده البعض- مجرد مكياج يحاول إخفاء قبح هذا الواقع وبريستيج اجتماعي يوهم أن في المجتمع ثقافة وتنمية واهتماماً بشأن الإنسان بينما هذا الإنسان يرزح تحت ألف قيد وقيد
الدكتور ياسر تيسير العيتي
4.7.2010