cover

الثلاثي المدمِّر: الشيخ - التاجر - رجل الدولة

إن مجتمعنا يتحكم فيه الثلاثي المدمر (الشيخ – التاجر – رجل الدولة) الذي حوله إلى كتلة من الخوف والكذب والنفاق والرياء تجعل الصادقين يشعرون بالحزن والغضب والقرف معاً! الشيخ يعتقد أنه بتحالفه مع رجل الدولة يحمي جماعته وبتحالفه مع التاجر يؤمّن المال اللازم للأعمال الخيرية التي يرعاها. رجل الدولة يعتقد أنه بتحالفه مع الشيخ يبقي الأمور تحت السيطرة وبتحالفه مع التاجر يؤمّن (النصيب) الذي يتقاضاه مقابل مساهمته في تمرير الأمور غير القانونية التي يقوم بها التاجر. التاجر يعتقد أنه بتحالفه مع رجل الدولة يؤمّن (الدعم) اللازم لتجاوزاته القانونية وبتحالفه مع الشيخ يؤمّن (آخرته) ولأن عقلية الراشي تسيطر عليه فهو يعتقد أنه كما استطاع أن يرشي رجل الدولة ليغضي عن تجاوزاته القانونية باستطاعته أن (يرشي) الله بالتبرعات التي يقدمها للشيخ ليغضي الله  عن الحرام الذي يأكله بدفع الرشاوى!!  قبل أن أتابع الحديث أريد أن أذكر القارئ بأن التعميم يخالف الموضوعية وبالتالي فليس كل المشايخ والتجار ورجال الدولة ينطبق عليهم هذا الكلام وإن كنت أزعم أن هذا الثلاثي موجود على أرض الواقع وأن كلاً من الشيخ والتاجر ورجل الدولة يقودون المجتمع إلى الهاوية بفضل هذا التحالف البغيض وسأشرح ذلك

الشيخ عندما يرتضي السقف الذي يضعه رجل الدولة في خطبه وأحاديثه فإنه يحول نفسه وجماعته إلى مطية للظالمين ويصبح الإسلام الذي جاء (ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد) يصبح هذا الدين العظيم أداة لاستعباد الإنسان وأفيوناً لتخدير الشعب لكي لا يشعر بالألم مهما داس الظالمون عليه ورقصوا فوق حريته وكرامته، وهكذا يتسطح الدين ويفقد جوهره ويصبح مجرد شعارات ومظاهر لا تنعكس على أرض الواقع عدلاً وصدقاً وتكريماً للإنسان وتغيب المقاصد الشرعية الأساسية التي جاء الإسلام لتحقيقها في واقع الناس (العدل والصدق وتكريم الإنسان) وتحل محلَّها أضدادها (الظلم والكذب وإهانة الإنسان). ولا مجال هنا للقول بأن الشيخ يفعل ذلك حفاظاً على المجتمع من الفوضى والفتنة! فنحن لا نطلب من الشيخ أن يدفع الناس إلى الثورة في الشارع وإنما نطلب منه أن يدفعهم إلى الالتزام بالقانون فلا يخالفوه وأن يفضحوا من يخالف ذلك القانون و لاسيما أنه القانون الذي وضعه الحاكم الذي يدّعي الشيخ أنه الحاكم الشرعي الذي لا تجوز مخالفة القوانين التي يضعها!! نعم إن قدم الاستبداد الثقيلة عندما تدوس على مجتمع ما تسطّح كل شيء فيه بما في ذلك فهمه للإسلام وهكذا يتم التعويض عن السطحية وفقدان الجوهر بالمبالغة في المظهر فتكثر الاحتفالات الدينية وتكثر فيها المظاهر البراقة فيما حقيقة الإسلام (الصدق والعدل وتكريم الإنسان) تتراجع يوماً بعد يوم في حياة الناس وواقعهم إلى أن يصل المجتمع إلى درجة ينطبق فيها عليه قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) الإسراء: 16

أما التاجر فهو يقدّم بدفعه للرشاوى الوقود لآلة الفساد الرهيبة التي يشكو من تغوُّلها (أي سيطرتها)، هذه الرشاوى لم تعد حراماً وإنما (دفعاً للأذى) أو (شطارةً) واختر ما شئت من التسميات التي تشبه ما كان يقوم به بنو إسرائيل من تحريف للكلم عن مواضعه انتهى بهم إلى لعنة الله وغضبه وإلى حالة من الذلة والمسكنة لا تختلف عن الحالة التي ضربها الله على كثير من التجار الذين يعيشون عالة على موائد المسئولين يلتقطون ما يرمون إليهم من فتات الصفقات والوكالات ويقيمون في خوف دائم من أن يغضب عليهم هذا المسئول أو ذاك فيرفع عنهم الغطاء ويقدمهم إلى المحاكمة بتهمة التهرب من دفع الضريبة أو غير ذلك من التهم الجاهزة وما عليهم إلا أن يدفعوا مزيداً من المال والكرامة ليتقوا شره ويضمنوا صمته! ما الحل!؟ الحل يكمن في الصدق، الصدق مع الله قبل كل شيء عندها يلعب الشيخ دور المدافع عن حقوق الناس وحريتهم وكرامتهم بدلاً من دور المداهن للظالمين ويلعب التاجر دور المدافع عن نظافة المجتمع من الفساد بدلاً من دور المعزز للفساد والمطية التي يركبها الفاسدون. ولله الأمر من قبل ومن بعد

2007 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share