cover

الحفاظ على كرامة الإنسان هو جوهر الإسلام

عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصفُّ الصحابة استعداداً لغزوة أحد وكز بعصاه أحد الصحابة وكزاً مؤلماً فتقدم ذلك الصحابي من الرسول وعبَّر عن ضيقه من هذه الوكزة وطلب من الرسول القصاص، أعطاه الرسول العصا وطلب منه أن يكزه بها كما فعل الرسول معه وهنا طلب الصحابي من الرسول أن يكشف ثوبه لأن العصا مست جلد ذلك الصحابي عندما وكزه الرسول بها، استجاب الرسول لطلب الصحابي وكشف عن جسده ليكون القصاص عادلاً فانكب الصحابي يقبل جلد الرسول وقال إنه ما أراد القصاص لكنه شعر أنه سيستشهد في المعركة وأراد أن يكون آخر عهده بالحياة مسَّ جلد الرسول الكريم! قصة مذهلة تعبر عن مدى حب الصحابة لقائدهم الرسول صلى الله عليه وسلم وغالباً ما يُستشهد بها للدلالة على هذا الحب ولكن القصة تحمل دلالة أخرى بالغة الأهمية لم أسمع أحداً يشير إليها. لقد كان الرسول يحترم كرامة أصحابه وكان يربيهم على الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم لذلك كان تصرف ذلك الصحابي الذي تقدم وطالب بحقه في القصاص من الرسول تصرفاً طبيعياً ولو لم يكن كذلك لما تجرأ الصحابي على هذا التصرف أو لسمعنا أن الرسول عاقب هذا الصحابي  أو لسمعنا أن الصحابة اعترضوا عليه أو وبخوه لكن أياً من ذلك لم يحدث مما يدل على أن الحفاظ على الكرامة والحقوق والمطالبة بها والوقوف في وجه من يعتدي عليها – حتى ولو كان الرسول هو المعتدي! - كانت ثقافة سائدة بين الصحابة  رضوان الله عليهم، لقد كان الرسول في تلك القصة يقف أمام رجال أعزَّاء يحملون تقديراً عالياً لذواتهم ويرفضون الظلم والضيم ولو جاء من أحب الناس إليهم

لقد حافظ الصحابة على هذا الفهم لقيمة الإنسان وكرامته بعد وفاة الرسول لذلك وقف عمر عند توليه الخلافة بين المسلمين وقال لهم (إن ملتُ عن الحقِّ هكذا فقوموني بالسيف هكذا..) لقد كان يتابع نهج الرسول في تربية المجتمع على رفض الظلم والضيم وعدم الخنوع للباطل ولو اقتضى الأمر استعمال السيف

ثم بدأت الأمة بالانحراف عن نهج النبوة عندما وقف ذلك (الحاكم) بين المسلمين وقال لهم (من لم يرضَ بهذا – وأشار إلى نفسه – فليس له إلا هذا – وأشار إلى السيف -) لم يعترض المسلمون على ذلك الحاكم، ليس لأنهم جبناء، بل لأن الحاكم أحاط نفسه بثلة من علماء السلاطين الذين أوجدوا المبررات (الشرعية) لهذا الاعتداء الصارخ على كرامة الأمة. منذ ذلك الحين دخلت الأمة في نفق الاستبداد السياسي ولم تستطع أن تخرج من ذلك النفق المظلم حتى اليوم

لم تنقص المسلمين الشجاعة في يوم من الأيام ليثوروا على ظالميهم لكن ما كان يقيدهم هو فتاوى تلك الثلة من علماء السلاطين. وهكذا عاد الاستبداد، الذي جاء الإسلام ليخلِّص البشرية منه، عاد مرة أخرى ولكنه عاد هذه المرة مرتدياً العمامة وأصبح المستبد يحكم (باسم الله) ويقتل الناس (باسم الله) ويدمر البلاد والعباد (باسم الله

واليوم بدلاً من أن تنال الدول الإسلامية أعلى الأرقام في الإنتاج والاقتصاد والمخترعات على مستوى العالم إذا بها تتقدم دول الأرض في كبت الحريات والاعتقال السياسي والفساد وممارسة فنون القمع والقهر

الأمة الإسلامية اليوم مكشوفة تماماً أمام أعدائها، وهي تنتقل من هزيمة إلى هزيمة ومن تمزق إلى تمزق ومن حضيض إلى حضيض وواضح تماماً أن الحكام المستبدين هم الذين أوصلونا إلى هذا الوضع البائس

بعد كل ما حدث ويحدث ألم يأن الأوان لنا جميعاً أن نعيد النظر في ثقافة الخنوع التي نربي عليها أنفسنا وطلابنا وأولادنا!؟ ألم يأن الأوان لعلماء المسلمين أن يجعلوا المطالبة بالحرية واحترام الكرامة الإنسانية وسيادة منطق الدولة والقانون في صلب أحاديثهم ومواعظهم وخطبهم!؟ ألم يأن الأوان لعلماء المسلمين أن يجعلوا أوَّلَ أولوياتهم تربية الناس على التقدم بهدوء والمطالبة بحقوقهم تماماً كما تقدَّم ذلك الصحابي وطالب الرسول بحقه !؟

2007 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share