cover

رؤيتان تتنافسان في سورية

تعرف الرؤية  أنها النظر إلى المستقبل بعين العقل. فالإنسان الذي لديه رؤية هو ذلك الإنسان الذي ترتسم في ذهنه صورةتع واضحة عن المستقبل الذي يريد صناعته سواء لنفسه أو لأسرته أو لمؤسسته أو لأمته. الناس الذين ليست لديهم رؤية يتخبطون في هذه الحياة ويقفزون من فكرة إلى فكرة ومن مشروع إلى مشروع وهم في نهاية المطاف لا ينجزون إلا القليل. أما أصحاب الرؤية، سواء كانوا على حق أو على باطل، فإنهم يسخِّرون حياتهم وكل ما لديهم من إمكانيات من أجل تحقيق رؤيتهم وبمقدار ما يؤمنون بهذه الرؤية يستطيعون جذب الظروف الكفيلة بإنجاحها وتحقيقها. إن من سنن الله في هذه الحياة أن احتمال تحقيق الإنسان لرؤيته يتناسب طرداً مع مدى وضوح هذه الرؤية لديه ومدى إيمانه بها وصدقه وإخلاصه وجده في السعي إلى تحقيقها ومرة أخرى أقول ينطبق ذلك على أي صاحب رؤية سواء كان على حق أو على باطل {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} (النجم: 39- 40) بعد ذلك يتوقف استمرار النجاح في تحقيق الرؤية على مدى انسجام هذه الرؤية مع السنن الإلهية (أي مع القوانين الثابتة التي وضعها الله في هذا الوجود والتي تنطبق على كل الناس في كل مكان وفي كل زمان) وعندما تتنافس رؤيتان إحداهما تناقض السنن الإلهية والأخرى منسجمة معها فإن الرؤية المنسجمة مع السنن الإلهية هي التي ستنتصر في نهاية المطاف. بعد هذه المقدمة أريد أن أقول يوجد في سورية اليوم رؤيتان سياسيَّتان أساسيتان: الرؤية الأولى لا تؤمن بالإنسان السوري وقدرته على تحديد مصيره وخياراته وبالتالي تعتقد أنه لا بد من فرض الوصاية عليه وأصحاب هذه الرؤية نصَّبوا أنفسهم أوصياء على الشعب السوري يحددون مصيره وخياراته وتعبر هذه الرؤية عن نفسها في مشروعين: (مشروع استبدادي) يمارس الاستبداد تحت شعار المقاومة والممانعة و(مشروع استعماري) يريد ممارسة الاستعمار والهيمنة تحت شعار نشر الحرية والديمقراطية وكلا المشروعين ينطلق من كفره بقيمة الإنسان السوري وأهليته للعيش الحر الكريم، هذه الرؤية تتناقض مع سنة إلهية ثابتة وهي أن الله لم يخلق البشر ناقصين قاصرين بحاجة إلى من يفرض وصايته عليهم ويحدد لهم خياراتهم بل خلقهم كاملين قادرين {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} (التين: 4) وإذا كان أصحاب (المشروع الاستبدادي) يعتقدون أن مشروعهم يمكن أن ينهض بسورية أو أن يجعلها قوية في وجه أعدائها فهم مخطئون جداً لأن السنن الإلهية والواقع والتاريخ كلها تقول: إن الاستبداد لا ينتج إلا تخلفاً وفساداً وضعفاً ثم انهياراً، وإذا كان أصحاب (المشروع الاستعماري) يعتقدون أن مشروعهم يمكن أن يحفظ مصالحهم في المنطقة فهم مخطئون جداً لأن السنن الإلهية والواقع والتاريخ كلها تقول: إن الاستعمار والهيمنة لا يجلبان إلا المقاومة والحروب والفوضى والدول تحقق مصالحها عندما تقيم علاقاتها مع الدول الأخرى  على أساس الاحترام المتبادل لا على أساس  الهيمنة والاستعمار، والهزيمة والانسحاب هي نهاية كل المحتلين والمغتصبين

أما الرؤية السياسية الثانية المتعلقة بسورية (وأنا ممن يحملون هذه الرؤية) فهي تقوم على الإيمان بالإنسان السوري وبأهليته للعيش الحر الكريم وبقدرته على ذلك وهي ترى أن مستقبل سورية يكمن في إقامة نظام سياسي تعددي يكفل للناس حقوقهم الأساسية في التنظيم والتعبير السياسي ويتم فيه الاحتكام إلى صندوق الاقتراع فلا يصل إلى الحكم ولا يبقى فيه إلا من يثبت أنه الأصدق والأجدر، أصحاب هذه الرؤية يعتقدون أن الإنسان السوري يستحق الحرية التي تنعم بها شعوب الأرض وأن الاستقرار والتنمية لا يتحققان في سورية إلا في ظل نظام سياسي تعددي تكون القيمة الأولى فيه هي احترام كرامة الإنسان وأن لا شيء يحفِّز الإنسان ويدفعه إلى الإبداع والعطاء أكثر من إحساسه بكرامته وقيمته. إن على أصحاب هذه الرؤية أن يعملوا ليل نهار على إقناع أكبر شريحة من الشعب السوري بها حتى يولد الأمل في قلوب الناس وحتى يعلموا  أن لديهم خياراً آخر غير الخضوع للاستبداد أو الاستعمار

2006 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share