cover

فشل منظومة الإخضاع

هناك قانون إلهي يقول: عندما تقوم علاقة ما بين طرفين أو أكثر على المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة بحيث يشعر جميع أطراف هذه العلاقة أنهم رابحون ومنصَفون فإن هذه العلاقة ستكون أكثر دواماً وأكثر فائدة لكل أطرافها من العلاقات التي يوجد فيها ظالم ومظلوم ورابح وخاسر

 وهناك قانون إلهي آخر يقول إن العلاقات التي تقوم على الإخضاع والاستغلال والطغيان أي تلك العلاقات التي يكون فيها ظالم ومظلوم ورابح وخاسر لا تتوقف عند مستوى واحد من الظلم بل تتحول إلى لولب نازل يزداد فيه الظالم ظلماً ويزداد المظلوم شعوراً بالغضب والإحباط إلى أن يصل هذا الشعور درجة تدفع المظلوم إلى محاولة تصحيح الأوضاع عن طريق الثورات والانقلابات والحروب التي قد ينتج عنها أيضاً ظالم ومظلوم وخاسر ورابح وتعود الدورة من جديد وقد عاشت أوربة في هذه الدائرة الجهنمية قروناً من الزمن انتهت بحربين عالميتين خلّفتا عشرات الملايين من القتلى

العقل الغربي يعمل اليوم بمقتضى القانون الأول في علاقة الدول الغربية مع بعضها البعض، فهي علاقات قائمة على الاحترام والمصلحة المتبادلين، لكنه يعمل بمقتضى القانون الثاني في علاقاته مع كثير من الدول العربية والإسلامية، تلك العلاقات التي تقوم على الظلم والاستغلال. لقد خرج المستعمر الغربي من أرضنا منذ عشرات السنين لكنه لم يخرج من أسلوبه القديم في التعامل معنا أي أسلوب الاستعلاء والاستغلال والبحث عن مصالحه ولو على حساب مصالحنا، واستمر في تطبيق إرادة الغلبة والإخضاع على شعوب منطقتنا؛ أولاً: من خلال إسرائيل ذلك الوحش الذي يعيث في منطقتنا احتلالاً وقتلاً وعدواناً بدعمٍ غير مشروط من الغرب، وثانياً: من خلال الاحتلال والتدخل العسكري المباشر في منطقتنا كما يحدث في العراق وأفغانستان، وثالثاً: من خلال حكام أطلق الغرب أيديهم في قهر شعوبهم وإذلالها معتقداً أن منح هذه الشعوب حريتها سيفرز أنظمة سياسية تعادي مصالحه، وهكذا انتهى الأمر بمنطقة محتقنة تصدر العنف واللاستقرار، منطقة تسود فيها شريعة الغاب بدلاً من منطق الدولة والقانون، منطقة مرشحة دائماً لانفجارات تدمر بها نفسها والآخرين معها، ولا يمكن للعالم أن ينجو من تداعيات هذه الحالة ولاسيما أننا نعيش اليوم في عصر تطورت فيه وسائل الفتك والتدمير وتشابكت فيه مصالح الدول بشكل معقد وارتبطت فيه السياسة بالاقتصاد بالأمن بشكل وثيق بحيث أصبح العالم أمام خيارين: إما النظام الشامل أو الفوضى الشاملة

ما أفترضه هنا هو أن الغرب سيظل يعمل ضد مصالحه في منطقتنا العربية ما دام لا يحترم شعوب هذه المنطقة ولا يحترم خياراتها وقد بدأت اليوم أصوات خجولة في العالم الغربي (لم تصل بعد إلى درجة تغيير الاستراتجيات)  مصادرها على الأرجح بعض مراكز البحث، والمنظمات المدنية، والمجموعات البرلمانية في الغرب تنادي بضرورة التعامل مع الحركات السياسية التي تعبر عن إرادة الشعوب. بدءوا يشكّون في قدرة منظومة (الإخضاع) هذه التي يطلق فيها الغرب للحكام العرب الحرية في (إخضاع) شعوبهم مقابل أن يكونوا هم (خاضعين) للغرب وإملاءاته، بدءوا يشكّون في قدرة هذه المنظومة على تحقيق مصالح الغرب وبدءوا يبحثون تجريب منظومة علاقات جديدة قائمة على الاحترام المتبادل مع حركات سياسية تحترم نفسها وشعوبها بالدرجة الأولى. ليس هدفي من هذا التحليل إقناع الغرب بتغيير نظرته إلينا وإنما هدفي أن أقول أن الخضوع والاستكانة للظلم سواءً في علاقة الدول فيما بينها أو في علاقة الحكام بشعوبهم لا يجلب أمناً واستقراراً لا للظالم ولا للمظلوم. هدفي أن أقول لمن يظنون أن المناداة بالحرية والديمقراطية تنظيرٌ لا حاجة لنا به وأن المطالبة بالحقوق مخاطرة لا طائل من ورائها، أقول لهؤلاء: لا أمان ولا استقرار إلا بدولة النظام والقانون، لا أمان ولا استقرار إلا بوطن لا يوجد فيه (سيد) وعبيد وإنما رئيس تنتهي ولايته فيذهب إلى بيته ليرتاح، لا أمان ولا استقرار إلا بوطن لا يوجد فيه حزب وصي على المجتمع وإنما أحزاب تتداول السلطة؛ أحزاب تأتي وتذهب وتعلو وتهبط بحسب  قدرتها على إرضاء الناخبين، هذا هو الوطن الذي يجب أن نعمل للوصول إليه، وهذه هي الرؤية الواضحة التي يجب أن ترتسم في أذهاننا جميعاً ثم يعمل كل واحد منا للوصول إليها بحسب ظروفه وإمكانياته.  والبديل عن ذلك هو الجحيم الذي تزداد المؤشرات يوماً بعد يوم على أن أبوابه في منطقتنا توشك على الانفتاح

2006 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share