cover

محنة الأمة بين حماية (نفسيتها) ومراعاة (خصوصيتها)

قضيت عامين ونصف في السجن بسبب اتهامي بإضعاف نفسية الأمة بالموافقة على بيان يدعو إلى الإفراج عن معتقلي الرأي وإطلاق الحريات والسماح بالعمل السياسي لجميع المواطنين بلا تمييز

تنص المادة 286 من قانون العقوبات السوري على عقوبة الاعتقال لكل من (نقل أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة) واضح أن الغاية من هذه المادة حماية نفسية الأمة، لكنها تؤدي إلى عكس ذلك تماماً لسببين: أولاً: إن هذه المادة تشكل بحد ذاتها إهانة للأمة وسبباً لإضعاف نفسيتها إذ أنها تلقي في روع الأمة أن نفسيتها من الضعف والهشاشة بحيث أن مقالةً أو خبراً أو بياناً يمكن أن يؤثر فيها ويوهنها وكأن أفراد هذه الأمة يستمدون المعلومات من مصدر واحد فقط، وكأن مئات القنوات الفضائية ومواقع الانترنت لم تدخل إلى كل منزل، وكأن الناس لا عقول لهم يفكرون بها ويميزون ويحاكمون! وثانياً: لأن حماية نفسية الأمة لا تكون بقوانين من هذا النوع وإنما بنشر ثقافة تُشعر كل فرد من أفراد الأمة بمسؤوليته عن حمايتها، ولا يكون ذلك إلا في أجواء الحرية حيث يشعر أفراد الأمة بالأمان إذا أرادوا التعبير عن آرائهم – و إذا كانت هذه الآراء لا تعجب البعض فليواجهوها بالحجة والمنطق – فلا شيء يقوّي نفسية الأمة أكثر من احترام حق أفرادها في التعبير ولا شيء يضعف نفسيتها أكثر من مصادرة هذا الحق

إن الحالة النفسية للأمة تُعرف بالنظر إلى سلوك أفرادها، فإذا انتشرت في الأمة مظاهر الصدق والإخلاص والشجاعة في قول الحق وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية وتحمل المسؤولية والتحلي بروح المبادرة فذلك يدل على قوة نفسية الأمة، أما إذا انتشرت في الأمة مظاهر الكذب والنفاق والسكوت على الخطأ وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة والتهرب من المسؤولية وانعدام روح المبادرة فذلك يدل على ضعف نفسية الأمة

إن الله لم يخلق أمة قوية وأخرى ضعيفة بل خلق الأمم كلها متساوية في استعدادها للقوة أو الضعف فالأمم العربية  والتركية والصينية واليابانية والفرنسية والألمانية تتساوى في إمكانيات أفرادها واستعداداتهم وما يقوّي أمة ويضعف أخرى هي الطريقة التي يُعامَل بها الإنسان في هذه الأمة أو تلك

فعندما يُعامَل الإنسان في الأمة على أنه إنسان سوي يستحق ممارسة حقوقه كاملة – بما في ذلك حقه في التعبير والتجمع والنشاط السياسي -  فسيتصرف كإنسان سوي وسينطلق في دروب الحياة منتجاً ومبدعاً. أما عندما يُعامل الإنسان في الأمة على أنه إنسان ناقص  لا يستحق ممارسة حقوقه كاملة فسيتصرف كإنسان ناقص فيكذب وينافق ويركن إلى الظلم ويتهرب من المسؤولية ويقصر في أداء واجباته

إن الأمة العربية تحمل في داخلها بذور القوة والتقدم لكنَّ البعض من هذه الأمة يحرمون تلك البذور فرص النمو بحجة (الخصوصية) التي يفترضون فيها أن للأمة وضعاً خاصاً يجعلها قاصرة عاجزة متخلفة تحتاج إلى الوصاية الدائمة ولا تستطيع ممارسة حياة سياسية طبيعية تختار فيها حكامها وتحاسبهم. هؤلاء البعض لا يرتاحون للمساءلة والمحاسبة التي تقتضيها تلك الحياة السياسية الطبيعية التعددية التداولية وهم يمارسون دور الوصاية على الأمة مستثنين أنفسهم من (الخصوصية) التي افترضوها وكأنهم ليسوا جزءاً من الأمة وكأن الله خصَّهم وحدهم من بين أفرادها بالقدرة على التفكير السليم

الدكتور ياسر تيسير العيتي

30.6.2010

Share