cover

مواجهة المستبدين لا قتل المدنيين

حزنتُ لمقتل البريطانيين في لندن حزناً لا يقل عن حزني لمقتل العراقيين أو الفلسطينيين أو أي إنسان في أي مكان على وجه الأرض مهما كان دين هذا الإنسان أو عرقه أو لونه

إن حياة الإنسان في الإسلام مقدسة لا يجوز الاعتداء عليها أبداً ( ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ) إن من بين الذين قُتلوا في تفجيرات لندن رجال ونساء وطلاب أبرياء لم يقتلوا أحداً و لم يعتدوا على أحد ولا علاقة لهم بسياسة بريطانيا العدوانية ضد العرب و المسلمين ، بل قد يكون من بينهم بعض من خرجوا في مسيرة المليون التي شهدتها لندن ضد الغزو الأمريكي للعراق والتي لم تشهد مثلها أي عاصمة عربية

إذا كان الذين قاموا بهذه العمليات يعتقدون أنهم يضغطون على حكومة بلير لتكف عدوانها عن المسلمين فهم خاطئون جداً لعدة أسباب

أولاً : إن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة ، وإذا كان قتل الجنود البريطانيين للمدنيين الأبرياء في العراق وأفغانستان جريمة فمن قاموا بهذا العمل ارتكبوا جريمة مماثلة

ثانياً : لا يصح هنا القول بالمعاملة بالمثل، فالفرق بين المسلمين وغير المسلمين هو أن هناك ضوابط شرعية تضبط تصرفات المسلمين في كل شؤونهم بما في ذلك في الحرب مع أعدائهم. وقد ذكّر الخليفة الأول أبو بكر جيش المسلمين بهذه الضوابط في وصيته الشهيرة ( ولا تقتلوا امرأة ولا طفلاً .. إلى آخر الوصية ) بل إن الرسول محمد صلى الله عليه و سلم عندما أراد أن ينتقم لمقتل عمه حمزة الذي مثَّل المشركون بجثته ، جاء النهي عن التمثيل بجثث المشركين حتى ولو فعلوا ذلك بالمسلمين لأن في التمثيل بالجثث اعتداء على الكرامة الإنسانية التي جعل الإسلامُ الحفاظَ عليها محورَ رسالته الحضارية. إن الالتزام بهذه الضوابط هو الذي جعل المسلمين يتفوقون أخلاقياً على أعدائهم وهذا التفوق الأخلاقي هو الذي مكّن لدين الله في الأرض و أتاح للمسلمين أن يقيموا في فترة قياسية دولةً عظيمة لا تغيب عنها الشمس نعمَ جميع الناس بعدالتها مسلمون وغير مسلمين

ثالثاً: لقد ثبت بالتجربة أن مثل هذه العمليات لا تكف العداء الموجه ضد المسلمين بل تزيد من هذا العداء وتؤمن له دعم الرأي العام في البلاد التي تحدث فيها هذه العمليات، و لا يستطيع أحد أن يدعي أن الاعتداء على المسلمين في أفغانستان والعراق وفلسطين وفي كل أنحاء العالم قد انخفضت وتيرته  بعد أحداث 11 سبتمبر! قد يقول البعض إن عداء هذه الدول لم يبدأ بعد 11 سبتمبر و إنما كان موجوداً قبل ذلك ، و هذا كلام صحيح لكن هذا العداء ازداد بعد 11 سبتمبر متخذاً من أحداث ذلك اليوم ذريعة لقتل المسلمين واحتلال بلادهم ولا يجوز لنا أن نعطي أعداءنا مثل هذه الذرائع

إن السبب الأساسي الذي يغري أعداء هذه الأمة بالعدوان عليها هو حالة الضعف التي تعيشها، فالأرقام تشير إلى أن الأمة العربية و الإسلامية تأتي في ذيل الأمم من حيث الجهل والفقر والمرض والتخلف وبالتالي فإن الخطوة الأولى لدفع هذا العدوان هو نقل الأمة من حال الضعف إلى حال القوة

إنني لا أستطيع أن أتخيل أمتنا وقد تحولت إلى أمة قوية ما دامت تحكمها أنظمة شمولية تشل طاقاتها وتبدد ثرواتها وتعطل إمكانياتها وتدفع بخيرة عقولها وشبابها إلى الهجرة منها و تنشر فيها روح الخوف واليأس والاستسلام وبالتالي فإن دفع العدوان عن هذه الأمة يبدأ في رأيي بخروجها من نفق الاستبداد المظلم وحصولها على حريتها ففي أجواء الحرية و العدالة والتعددية تبدأ عملية البناء في بلادنا وتتفجر طاقاتنا الكامنة ونصبح أمة جديرة بالاحترام لا يستطيع أحد الاعتداء عليها

2006 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share