cover

الحراك السلمي: هل انتهى دوره؟

أصبح من البديهيات القول إن هذه الثورة لم يدع إليها شخص، ولم تفجرها جماعة، ولم يقدها حزب، بل هي حركة شعبية واسعة، انطلقت في عشرات المدن والبلدات والقرى السورية، بشكل متزامن، ومن دون سابق تخطيط، ثم أخذت تنظم نفسها وتجمع تنسيقياتها وتوحد قواها يوماً بعد يوم حتى أخذت شكل ثورة الشعب الراسخة التي تجري منه مجرى الروح في البدن وامتدت في ربوع الوطن كما يمتد النسغ في عروق الأغصان فيمنحها الحياة والنمو. وقد جاءت هذه الثورة نتيجة لظلم سياسي واجتماعي طويل عانى الناس تحت وطأته عقوداً من الزمن، وسدت في وجوههم كل طرق الإصلاح والتغيير، في ظل حكم شمولي لم يترك أي هامشٍ للتعبير أو العمل السياسي، فانفجر الشعب بعد احتقان مديد، كما حدث في كل الثورات الشعبية العظيمة التي غيرت وجه التاريخ

قد يقول قائل، وما الداعي إلى هذا الكلام البديهي الذي يعرفه القاصي والداني، وما علاقته بعنوان المقال حول الحراك السلمي؟ أردت أن أذكر بهذه البديهيات أيها الإخوة، لأن النظام عمل منذ لجوئه إلى العنف اللامحدود في تعامله مع الثورة - الذي ألجأ الناس إلى حمل السلاح بعد أن هدمت مدنهم وقراهم وقتل أهليهم واعتدي على أعراضهم – على أن يُظهر أن ما يحدث في سورية هو صراع مسلح بين الدولة وعصابات خارجة عليها، وقد نجح للأسف الشديد في تسويق هذه النظرة عالمياً، فجميع دول العالم تركز اليوم على (الصراع المسلح) الذي يجري في سورية، صحيح أن حلفاء النظام يتماهون معه في رواية العصابات، لكن من يسمون أنفسهم (أصدقاء الشعب السوري)، يركزون أيضاً في خطابهم على (القتال) بين النظام والمعارضة، وكاد يغيب تماماً الحديث عن (ثورة شعب) يطالب بحقوقه المشروعة، ويواجهه نظام لا شرعي بالدبابات والطائرات، ومن هناك كانت أهمية الاستمرار في المظاهر غير العسكرية لثورتنا العظيمة، من أجل إبطال رواية النظام حول العصابات المسلحة، وإحباط ما يريده من تغييب لوجه الثورة الشعبي، وللمطالب التي انطلقت الثورة من أجلها وهي الحرية والعدالة والكرامة. إن العصابات المسلحة لا تخاطر بنفسها بالخروج في المظاهرات، ولا ترفع اللافتات المطالبة بالحرية، ولا تبخ على الجدران الشعارات المنددة بالنظام، العصابات المسلحة لا تطبع المنشورات وليس لها مجلات ثورية، تضج صفحاتها بالفكر الواعي، والفن الهادف، والكلمة المؤثرة، هذه المظاهر والنشاطات أيها الإخوة رغم محدوديتها في العاصمة وغيرها من الأماكن التي ما زالت تحت سيطرة النظام، بسبب القبضة الأمنية الشديدة، إلا إنها تعبر عن روح الثورة السورية وجوهرها، ثورة شعب مظلوم خرج يطالب بحقوقه وحريته وكرامته، ويجب أن تستمر وتتوسع حتى سقوط النظام بإذن الله، واستمرارها يفتّ في عضد النظام ويهز أركانه ويلقي اليأس والإحباط في صفوف أتباعه ويحرج حلفاءه الخارجيين ويصعّب عليهم مهمة الدفاع عنه، الحراك السلمي يفت في عضد النظام كما تفعل الكتائب المقاتلة ولذلك يحاربه النظام كما يحارب الكتائب المقاتلة فيطلق الرصاص على المتظاهرين ويعتقل الناشطين السلميين بل ويصفيهم لما يشكلون من خطورة عليه

في الختام علينا ألا ننسى أيها الإخوة أن الجناح العسكري في الثورة يجب أن يكون في خدمة الجناح المدني، فثورتنا لم تقم لننتقل من حكم عسكري إلى حكم عسكري آخر، وإذا كان النظام سيسقط بإذن الله بفضل شجاعة أبطالنا في الجيش الحر، فإن استمرار الحراك السلمي بعد السقوط هو الذي سيضمن حماية الثورة ممن سيحاولون سرقتها وهو الذي سيكون العين الساهرة على الحكام الجدد تراقبهم وتصوب خطأهم وتحتج عليهم في الشارع إذا تمادوا في الخطأ وهذه هي الضمانة الوحيدة لوصول الثورة إلى غاياتها وبناء دولة العدل والأمان والقانون

29/10/2012.

Share