cover

السوريون في حالة حب

خلق الله عاطفة الخوف لحماية الإنسان من الأخطار وذلك لضمان بقائه على وجه الأرض، وبما إن الغاية من الخلق ليست البقاء فقط وإنما الارتقاء أيضاً خلق الله إلى جانب الخوف عاطفة أخرى هي عاطفة الحب، فحب الحياة وحب الحرية وحب الناس وحب المعرفة وحب الجمال هو الذي يبني الدول ويصنع الحضارات ويرتقي بالإنسان

علم الطغاة منذ بدء الخليقة أن وجودهم قائمٌ على الخوف فبنوا دولهم وممالكهم على هذا الأساس، وهذا ما يبرر لجوءهم إلى التخويف كلما شعروا أن منسوب الخوف بدأ ينخفض في نفوس الناس وأنهم بدءوا يرفعون أصواتهم مطالبين بحقوقهم، فيقتل الطغاة ويعتقلون  ويعذبون كل من رفع صوته وتمرّد عليهم واهمين أن منسوب الخوف سيعود إلى ما كان عليه وأنهم سيتمكّنون من المضيّ في طغيانهم إلى الأبد من غير حسيب ولا رقيب

لكن الخطأ الأزلي الذي يرتكبه الطغاة كل مرة، والذي يؤدي إلى سقوطهم في كل مرة، هو أنهم يتجاهلون وجود العاطفة الأخرى التي خلقها الله للارتقاء بالنوع البشري وهي عاطفة الحب، وكما إن عاطفة الخوف تحمي الوجود المادي للإنسان فتتحرك لحماية هذا الوجود عندما يُهدّد الإنسان بالقتل أو الإيذاء فإن عاطفة الحب تحمي وجوده المعنوي فتتحرك لحماية هذا الوجود عندما يسيطر الخوف على حياته فيشل قدرته على الارتقاء وينتزع منه المعنى الإنساني ويحوّله إلى كائن آخر غير الكائن الذي أراده الله وهذا ما يدفع الإنسان إلى التضحية في سبيل حريته وكرامته لأن الألم النفسي الناجم عن فقد وجوده المعنوي بوصفه إنساناً أشد بكثير من الألم الجسدي الناجم عن تعرضه للسجن أو الضرب

السوريون تحركهم اليوم عاطفة الحب، حب الحياة الكريمة، حب الحرية، حب الوطن، حب إخوتهم السوريين الذي يتعرضون للقتل والتنكيل، هذا الحب هو الذي يدفعهم إلى التضحية بأرواحهم والاستمرار في الخروج على الرغم مما يتعرضون له من قمع وعنف. هذا الحب هو الوقود الذي يغذّي اليوم ما يسمى (المعجزة السورية) إذ لم يكن أحد من المراقبين والمحللين السياسيين يعتقد أن الشعب السوري الذي لفّه الصمت كل هذه العقود سيكسر قيده ويقدّم على مذبح الحرية مئات الشهداء وآلاف الجرحى خلال أسابيع قليلة، لكن الحب يصنع المعجزات، وله كيمياء خاصة تغيّر علاقة الإنسان بنفسه وبمن حوله، وهذا ما يفسر الشعور الذي وصفه أحد المتظاهرين الهاتفين للحرية (أشعر أن خطواتي على الأرض مختلفة وأن الصوت الذي ينطلق من حنجرتي مختلف، أشعر أن للهواء ملمساً آخر وللشجر رائحة أخرى وللسماء منظراً آخر)، نعم السوريون اليوم في حالة حب

12/5/2011

Share