أيها التاجر الدمشقي أجب داعي الله وأضرب، وادفع البلاء عن نفسك وعن أهلك
أضرب تجار دمشق .. وأغلقت أسواق الحميدية والحريقة ومدحت باشا وغيرها من الأسواق الدمشقية الرئيسية أبواب محلاتها .. وجن جنون النظام، لأن روايته التي يرددها داعموه في الداخل والخارج انهارت دفعة واحدة، كان يقول إن الأكثرية الصامتة التي لا تشارك في الحراك تقف في صفه وتؤيده، فجاء الإضراب ليقول إن الأكثرية الصامتة في دمشق، وهي جبل الجليد الذي يشكل تجار الأسواق الرئيسية ذروته فقط، لم تكن معه في يوم من الأيام لكنها كانت تتحين الفرصة المناسبة لتقول كلمتها، وقد قالتها الآن: لن نصمت بعد اليوم، ولن تستمر الحياة طبيعية في دمشق وأسواقها، في الوقت الذي تدمر فيه القرى والمدن السورية الأخرى على رؤوس الأبرياء، تجار الشام قالوها بوضوح: لن تخفي العاصمة بعد اليوم رفضها لهذا النظام المجرم الذي يذبح الأطفال بدم بارد، جدار الخوف الذي بناه النظام في النفوس قد انهدم، والصمت أصبح شكلاً من أشكال الخيانة للدين والوطن
إن أرواح الأطفال المذبوحين في الحولة، كانت ترفرف فرحة في أسواق دمشق القديمة وهي ترى دماءهم وقد سقت شجرة الإباء والكرامة في نفوس التجار فأينعت إضراباً يتحدون به النظام. إن دمشق التي يعتبرها النظام حصنه المنيع بدأت تنقلب عليه، والتجار الذين ذاقت نفوسهم طعم العزة والكرامة في هذا الإضراب لن يعودوا إلى ما كانوا عليه من صمت وحياد، فقد أدركوا أن لا شيء يجرّئ النظام على القتل أكثر من صمت الأكثرية وحيادها
لقد أدرك التجار خطورة إضرابهم من خلال ردة فعل النظام عليه، فشرار الغضب والفزع الذي كان يتطاير من عيون الشبيحة ورجال الأمن وهم ينتشرون في الأسواق ويحطمون الأقفال، يدل على مدى خوفهم من هذا الإضراب، يعلم النظام أن الإضراب هو كلمة السر التي ستسرّع سقوطه، وأنه إن استمر فسيكون الضربة القاضية التي نجا منها والده في الثمانينات يوم أقنع رئيس غرفة التجارة في دمشق بدر الدين الشلاح التجار بعدم المشاركة في الإضراب ضد المذابح التي ارتكبها حافظ الأسد بحق السوريين، وهكذا نجا نظام الأسد وقتها ودخلنا في نفق الذل والخنوع ثلاثين عاماً إلى أن قامت ثورتنا العظيمة
يا تجار الشام ليكن إضرابكم الناجح مقدمة و(بروفة) للإضراب الكبير المستمر الذي سيشمل أسواق دمشق كلها والذي لن ينتهي إلا بسقوط النظام بإذن الله. يا تجار الشام، ها قد أدركتم قوتكم وعظم تأثيركم، فأجمعوا أمركم، وشاركوا في شرف إسقاط هذا النظام الراحل إلى مزابل التاريخ، لقد دفع أهلنا في درعا وحمص وإدلب وحماة ودير الزور وريف دمشق وغيرها من المناطق السورية الثائرة حصتهم من القتل
والدمار والحصار والتشريد وأدوا قسطهم للعلى، وآن الأوان لتشارك دمشق في هذه الملحمة التاريخية، ملحمة تطهير بلاد الشام والعالم من أكثر الأنظمة تخلفاً ووحشية في تاريخ البشرية. إن إضراب دمشق يسرّع في إسقاط النظام لأنه يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأكثرية ليست معه وأن الرهان على بقائه رهان خاسر وهذا يشجع داعميه في الداخل والخارج على التخلي عنه ويزيد من فرص تصدعه وانفراط عقده
يا تجار الشام، لقد وصف الحجاج أهل الشام بقوله «لايغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه، فانتصر بهم فهم خير أجناد الارض .. واتقِ فيهم ثلاثاً : 1- نساءهم فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها 2- أرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم 3- دينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك» . إن هذا النظام قد انتهك هذه الحرمات الثلاث مجتمعة؛ فاعتدى على حرائرنا ومنهم الحرة الدمشقية الميدانية الأم الفاضلة لينا المهايني التي تقبع منذ عشرة أيام في سجون النظام لأنها شاركت في اعتصام صامت احتجاجاً على ذبح أطفال الحولة، واعتدى على مدننا وقرانا فأهلك الحرث والنسل، واعتدى على مقدساتنا فشتم ربنا وقصف مساجدنا ودنسها وضرب علماءنا
يا تجار الشام، إن دمشق اليوم لن تكون أقل شهامة ونخوة ومروءة من دمشق التي هزمت الفرنسيين يوم أضرب تجارها ستين يوماً احتجاجاً على جرائم الفرنسيين فصبر الدمشقيون يومها وصابروا ولم يرتفع صوت أحد منهم بالشكوى كما وصفهم علي الطنطاوي رحمه الله «وعاش هذا الشعب الفقير على الخبز وطوى ليله جائعاً من لم يجد الخبز، ثم لم يرتفع صوت واحد بالشكوى، ولم يفكر رجل أو امرأة أو طفل بالتذمر والضجر، بل كانوا جميعاً من العالم إلى الجاهل ومن الكبير إلى الصغير ومن الرجل إلى المرأة ومن الشيوخ إلى الأطفال، كانوا جميعاً راضين مبتهجين، يمشون ورؤوسهم مرفوعة وجباههم عالية اعتزازاً وفخراً .. ولم يُسمع أن لصاً قد مد يده إلى مال، حتى اللصوص قد شملهم الإضراب فانقطعوا عن صناعتهم
يا تجار دمشق حيّ على الإضراب، حيّ على إسقاط النظام، فوالله إذا عقدتم العزم واتخذتم القرار لن تقوم للنظام قائمة بعد اليوم ولن تنفعه جيوشه وأسلحته
أصون عرضي بمالي لا أضيعه
لا بارك الله بعد العرض بالمال