cover

المجالس المحلية: تمكين المجتمع وإطلاق طاقاته

في فجر أول أيام رمضان الماضي غادر عناصر النظام مدينة منبج في حلب بشكل مفاجئ، استطاع أبناء المدينة بحنكتهم وحسهم الحضاري أن يحافظوا على مؤسسات الدولة ويديروها فاستمرت الحياة في المدينة كما كانت مع فارق واحد، هو أن الناس أصبحوا أحراراً، وفي فضاء الحرية الرحب هذا انطلقت طاقات الأهالي فأسس مجموعة من الشباب (حوالي 50 شخصاً) حركة أطلقوا عليها "حركة التغيير والبناء في منبج" مهمتها خدمة المجتمع عن طريق مبادرات ومشاريع كان منها: تجميل شوراع المدينة، ومشروع الأضاحي، وتوزيع الألبسة الشتوية، والضمان الصحي التطوعي. وفي بلدة معدان المحررة في الرقة أدار المجلس المحلي المنطقة وقام بحماية وإدارة المؤسسات الحكومية بما فيها صوامع الحبوب الضخمة التي (لم يُسحب منها حبة قمح واحدة) حسب مصطفى العلي عضو المجلس المحلي في البلدة، واستمرت المدارس في العمل رغم عدم وجود رواتب للموظفين والمعلمين. هذان مثالان من عشرات الأمثلة التي أثبت فيها السوريون قدرتهم على إدارة شؤونهم، وأبطلوا خرافة طالما روج لها النظام، وهي التخويف من الفوضى في المناطق التي ينسحب منها. هناك بلا شك أمثلة على مظاهر سلبية برزت في المناطق المحررة، فنحن لا نعيش في مجتمع فاضل، لكن الصورة الكلية توحي بأن السوريين قادرين على تنظيم شؤونهم من غير  أن يُسلّط سيف الاستبداد فوق رؤوسهم

تشكل المجالس المحلية بديلاً من الدولة في المرحلة التي تسبق سقوط النظام وفي المرحلة الانتقالية التي تمتد من سقوطه وحتى قيام الدولة القادرة على تلبية حاجات المواطنين. تفاوتت ظروف تشكيل المجالس المحلية في الثورة السورية من منطقة إلى أخرى، ففي بعض المناطق تحولت التنسيقية التي كانت تنظم الحراك الثوري السلمي إلى مجلس محلي، في مناطق أخرى تشكل المجلس المحلي من اجتماع المنظمات المدنية التي تشكلت في ظل الثورة والتي عملت في الإغاثة والإعلام والدفاع المدني وغيرها من المجالات، في بعض المناطق قامت الكتائب المسلحة بتشكيل المجلس المحلي، في مناطق أخرى كان المجلس المحلي استمراراً للمجلس الذي كان قائماً قبل الثورة، وأخيراً تشكلت المجالس المحلية في بعض المناطق عن طريق الانتخابات كالمجلس المحلي في محافظة حلب. إن الطريقة الطبيعية لتشكيل المجلس المحلي هي الانتخابات وبما إن ظروف الثورة لا تسمح بإجراء الانتخابات في كل المناطق، فقد وجدت بعض المجالس بحكم الأمر الواقع بالطرق التي ذكرناها سابقاً، ورغم إنها غير منتخَبة فإن الكثير من هذه المجالس كسبت شرعيتها وقبولها من الناس بفضل كفاءة أعضائها وقدرتهم على تلبية حاجات السكان

بما إن المجلس المحلي هو البديل عن الدولة في المرحلة الانتقالية فلا بد أن تكون هيكليته متضمنة للسلطات الثلاث التي تتكون منها الدولة وهي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. تمثل السلطة التشريعية في المجلس المحلي (هيئة الأمناء) وتتشكل من الوجاهات وعلماء الدين وأصحاب المصداقية والكلمة المسموعة في المنطقة، أما السلطة التنفيذية فهي (المكتب التنفيذي) الذي يدير المكاتب التخصصية كالمكتب الإغاثي والمكتب الإعلامي ومكتب الدفاع المدني ومكتب حل النزاعات وغيرها من المكاتب التي تلبي حاجات الناس، وتشكل (الهيئة القضائية) السلطة التشريعية التي تفصل في النزاعات وتصدر أحكاماً بحق المجرمين. يفضل أن تختار هيئةُ الأمناء رئيسَ المكتب التنفيذي وهو شخص يجب أن يتمتع بكفاءات إدارية عالية ثم يقوم بدوره باختيار رؤساء المكاتب التخصصية من أصحاب الخبرة والكفاءة الذين سيشكلون معه أعضاء المكتب التنفيذي، توافق هيئة الأمناء على الأشخاص الذين اختارهم رئيس المكتب التنفيذي (بما يشبه الموافقة على الحكومة من قبل البرلمان)، ويقوم المكتب التنفيذي برفع تقارير دورية بعمله إلى هيئة الأمناء التي من مهامها مراقبة عمل المكتب التنفيذي وإقرار الميزانية ومشاريع القوانين التي يقترحها هذا المكتب، أما (الهيئة القضائية) فيمكن أن يشكلها (رئيس قضاة) تختاره هيئة الأمناء لهذه المهمة، دون أن تتدخل في عمله أو عمل الهيئة القضائية تحقيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات

لا بد من وجود تنسيق عالي بين الكتائب المسلحة والمجلس المحلي في المنطقة، فالكتائب هي التي تكفل حفظ الأمن وتنفيذ قرارات المجلس المحلي وفي الوقت نفسه فإن هذا المجلس يعطيها الشرعية والقبول من قبل الحاضنة الشعبية التي لا تستطيع الكتائب الاستغناء عن دعمها

إن تجربة المجالس المحلية تطلق طاقات المجتمع لأنها تدرب أهالي كل منطقة  على تحمل مسؤولية إدارة شؤونهم والمشاركة في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم، وهي تمكنهم من التعبير عن خصوصياتهم وسن التشريعات المحلية التي تناسبهم وتلبي احتياجاتهم، إن المجالس المحلية تمنع  عودة الاستبداد وتركيز السلطات في يد الدولة المركزية وهي تشكل بذور الديمقراطية والتعددية والمشاركة الشعبية  في سورية الحرة القادمة قريباً بإذن الله

12/4/2013

Share