المرأة السورية: أم الثورة
لطالما تغنى البعض بحقوق المرأة وعُقدت المؤتمرات والندوات لهذا الغرض، لكنني أعتقد أن أعظم نقلة نوعية في النظر إلى المرأة وقيمتها وحقوقها، هي تلك التي حققتها المرأة السورية بمشاركتها الجوهرية في ثورة الحرية ومنذ اليوم الأول. نزلت المرأة السورية إلى ساحة النزال إلى جانب الرجل لتنتزع حرية الرجال والنساء فوق أرض سورية الحبيبة، نزلت المرأة السورية إلى ساحة الجهاد بكل صدقها وعاطفتها وأمومتها ورقّتها وقسوتها وحنانها وشراستها، نزلت لتثبت أن وظيفة الخصوبة التي خص الله بها المرأة لا تعني ولادة الأطفال وحسب وإنما تعني ولادة الحرية والكرامة والبطولة والصدق والشجاعة وكل القيم العظيمة التي تبني المجتمعات الحرة القوية العزيزة، نزلت المرأة السورية إلى الساحة لا لتكون خلف الرجل بل لتكون خلفه وأمامه وعن يمينه وعن شماله مكوناً أصيلاً من مكونات الثورة السورية لا يمكن للمنصف أن يتخيل نجاح الثورة وصمودها لولا وجوده
إن مشاركة المرأة في الثورة السورية شجعت كثيراً من الرجال على المشاركة، فلا شيء يقتلع الخوف والتردد من قلب الرجل أكثر من أن يرى (المرأة) وقد داست على خوفها وتقدمت الصفوف وأقسمت ألا تعود إلى بيتها إلا وقد انتزعت لنفسها وشعبها حرية اغتصبها الظالمون.
بمشاركتها في الثورة لم تهز المرأة السورية عرش الطاغية وحسب، وإنما هزت عرش الظلم والتحامل الذي مارسه البعض على قيمتها ودورها، فأثبتت مكانتها إلى جانب الرجل، وأصبحت أيقونة للتحدّي وتحمّل المسؤولية والمبادرة، فهي المسعفة التي تضمد الجراح وتعالج المصابين في أخطر الأماكن والأوقات، وهي الإعلامية التي تنقل صورة الثورة وتفضح بطش النظام وإجرامه أمام العالم، وهي المتظاهرة التي تدك جدار الخوف في قلوب الرجال، وهي المتطوعة التي تطهو الطعام وتنقله للمجاهدين والنازحين، وهي المواسية التي ترعى وتواسي الأيتام والثكالى والأرامل، وهي المخاطرة بسلامتها تنقل المواد الطبية والإغاثية عبر الحواجز وفي المناطق الأشد خطراً، وهي الزوجة تخلف زوجها المجاهد في أهله، وهي الأم تدعو لابنها الثائر في ظلمات الليل، وهي الناشطة والإدارية والكاتبة والفنانة والمفكرة والمدربة، وهي – لهفي عليها - الشهيدة والمعتقلة والجريحة، وقبل كل شيء هي (الإنسانة) التي تفيض على الوجود خصوبةً وعطاءً وحباً وصدقاً وإخلاصاً
لقد قيل وكُتب الكثير عن المرأة وحقوقها في مجتمعنا، لكن ما تكتبه المرأة السورية اليوم بجهادها وتعبها وسهرها ودموعها وألمها ودمها هو الذي سيثبت في صفحات التاريخ. إن كثيراً من الإشكاليات النظرية التي تمتلئ بها آلاف الصفحات، تحترق أمام حرارة الواقع، وعندما تحين ساعة الحقيقة ينكشف الزيف وتظهر المعادن وتتبين الحقائق من الادعاءات، وقد كشفت مشاركة المرأة السورية النوعية والواسعة في الثورة السورية عن حجم الطاقات الهائلة التي يكتنزها مجتمعنا برجاله ونسائه
بعد انتهاء الثورة سيكون للمرأة السورية دورٌ كبيرٌ في بناء مجتمع مؤمنٍ حرٍّ كريم، يعلي من شأن الإنسان وكرامة الإنسان رجلاً كان أم امرأة، ولتحقيق ذلك ما زال أمامنا طريق طويل، المهم أن هذه الثورة أخرجتنا بفضل الله من مستنقع الاستبداد النتن الخانق، لنبدأ المسير في هواء الحرية النقي
11/11/2012