حياتنا تصنعها كلماتنا
من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت
حديث شريف
يذكر الدكتور صلاح الراشد في إحدى محاضراته أن إحدى الدراسات أثبتت أن الإنسان يتحدث إلى نفسه في اليوم بحوالي 5000 كلمة. يا ترى ما هذه الكلمات التي نرددها بيننا و بين أنفسنا؟ إذا قمت بمقابلة للحصول على عمل في مؤسسة ما و لم تؤدِّ هذه المقابلة إلى حصولك على هذا العمل، هل تقول لنفسك: أنا إنسان فاشل، أم تقول هي تجربة تعلمت منها و ما تزال أمامي الكثير من الفرص؟ ما النتيجة التي سيصل إليها الشاب الذي يبحث عن عمل عندما يتحدث مع نفسه بالطريقة الأولى؟ و ما النتيجة التي سيصل إليها عندما يتحدث مع نفسه بالطريقة الثانية؟
إذا توترت العلاقة بينك و بين ابنك هل تقول لنفسك: هو ولد عاق و تسب هذا الجيل السيئ و هذا الزمان الرديء ، أم تقول: أنا المسؤول عن إصلاح العلاقة مع ولدي و عليَّ أن أغير طريقة تعاملي معه و أن أبذل جهداً أكبر لكي أفهمه؟ ما النتيجة التي سيصل إليها الأب عندما يحدث نفسه بالطريقة الأولى؟ و ما النتيجة التي سيصل إليها عندما يحدث نفسه بالطريقة الثانية؟
إن عبارات اللوم و التقريع و جلد الذات تحبط الإنسان و تعطل طاقاته و إمكانياته أما عبارات الأمل و تحمل المسؤولية و الثقة بالنفس و التوكل على الله فهي ترفع معنويات الإنسان و تدفع به في طرق النجاح و التفوق
قال تعالى: ( و مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها). إن أفكار الإنسان هي التي تسعده أو تشقيه. و عادة ما يصوغ الإنسان أفكاره بعبارات معينة يرددها بينه و بين نفسه. إذا أردتِ أختي القارئة و إذا أردتَ أخي القارئ أن تعرف طبيعة الأفكار التي تحملها في رأسك و العبارات التي ترددها بينك و بين نفسك أنصحك أن تقوم بتمرين بسيط بعد الاستيقاظ مباشرة و قبل الانخراط في أي نشاط: اجلس في مكان هادئ و امسك و رقة و قلماً و اكتب كل ما يخطر ببالك لمدة عشرة دقائق، اكتب ما تفكر به و لا تفكر بما تكتبه، قد تكتب جملاً غير مترابطة و قد تقفز من موضوع إلى آخر، قد تكتب عن أمور هامة أو عن أمور تافهة، المهم ألا تتوقف عن الكتابة و لو شعرت أن الأفكار لا تسعفك لا ترفع قلمك عن الورقة بل استمر في تحريكه حتى تأتيك فكرة جديدة. إن ما كتبته يمثل نموذجاً عن اللغة التي تستخدمها مع نفسك. إذا كنت تمر بالكثير من المشاكل و الإحباطات ستجد كثيراً من العبارات السلبية، ستجد كثيراً من لوم الآخرين و جلد الذات، و هنا قد تقول لنفسك: إن المشاكل التي تمر بها و الإحباطات التي تعاني منها هي التي دفعتك إلى كتابة هذه العبارات، لكنني سأفاجئك و أقول لك: إن العكس هو الصحيح تماماً فهذه اللغة و هذه العبارات و هذا الأسلوب في التفكير هو الذي جرَّ عليك هذه المشاكل و الإحباطات
و الآن ضع خطاً تحت العبارات السلبية و استبدلها بعبارات إيجابية. مثلاً، إذا كتبت عبارة ( أبي دمر حياتي) استبدلها بعبارة ( أنا قادر بإذن الله على بناء حياتي و تحقيق أهدافي ) اكتب العبارات الإيجابية على ورقة أو على كروت تحتفظ بها في جيبك أو في درج مكتبك أو تعلقها في مكان ما بحيث تراها دائماً. راجع هذه العبارات كل يوم عدة مرات و استخدمها في حديثك مع نفسك، ستجد بعد عدة أيام ارتفاعاً في معنوياتك و تحولاً إيجابياً في مشاعرك و أفكارك و من ثم تحولاً إيجابياً في علاقاتك مع الآخرين و في الظروف المحيطة بك. ستلمس بشكل عملي معنى قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
2006 - الدكتور ياسر تيسير العيتي