دمشق .. حاصري حصارك
علم النظام منذ بداية الثورة أن دمشق هي الجائزة الكبرى التي إن خرجت عن سيطرته فسيتداعى هرم قوته المقلوب رأساً على عقب، لذلك بذل كل ما يستطيع منذ أيام السلمية ليقمع مظاهراتها بأشد ما يكون القمع ونشر الألوف من شبيحته ورجال أمنه في كل حي وزاوية – مع أن دمشق مكبّلة أصلاً بشبكة من فروع الأمن تغطي كل مناطقها – وذلك ليمنع دمشق من أن تقول كلمتها الفاصلة
لكن مدينة الياسمين الذي يعرف كيف يشق طريقه إلى الشمس في كل الفصول والظروف، لم تستسلم وعرفت كيف تقض مضجع النظام وكيف تضيق الخناق عليه كلما ضيق الخناق عليها وبطريقتها الخاصة. فكان الثائرون يشقون ليل دمشق الطويل بصيحات الحرية كلما سنحت لهم الفرصة، من المظاهرات الحاشدة التي خرجت من مساجد الميدان وكفرسوسة والمزة وجوبر وبرزة والقابون والأحياء الجنوبية، إلى المظاهرات الطيارة في حارات وزواريب الصالحية والعفيف والمهاجرين على بعد أمتار من قصر الطاغية، إلى قطع الشوارع الرئيسية بالنار، إلى مسيرات التشييع الضخمة التي خرج الناس فيها بالآلاف، كانت دمشق تتحدى صمتها وخوفها الطويل. وبعيداً عن المظاهرات وتغطيتها الإعلامية عمل كثير من شباب دمشق وفتياتها في إسعاف الجرحى ودعم أسر الشهداء والمعتقلين والملاحقين ومن فقدوا مورد رزقهم، وفتح الطاغية سجونه لتلتهم ألوفاً من خيرة شباب دمشق وأصبح الكثيرون منهم ملاحقون مطاردون واضطر آخرون إلى مغادرة البلد بعد أن ضيّق النظام عليهم وشلّ حركتهم
وعندما تحولت الثورة بسبب بطش النظام وعنفه إلى مقاومة شعبية مسلحة، ومع حاجة النظام إلى استخدام كل قوته العسكرية للمحافظة على الأراضي التي أخذ الثوار يحررونها في الشرق والشمال والوسط والجنوب، أبقى النظام خيرة كتائبه العسكرية وجزءاً مهماً من قوته الضاربة حول دمشق تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم فهو يعرف أنه لن يسقط إلا بسقوط العاصمة، ومع ذلك استطاع الثوار أن يطردوا النظام من الغوطة ومن أحياء دمشق الشرقية والجنوبية، ليحصروا وجوده في قلب العاصمة وشمالها، ولتتحول تلك المناطق الثائرة إلى ساحة استنزاف تستنزف قوة النظام وتضعف قوّته وتمهّد ليوم التحرير الذي ستتخلص فيه دمشق من قبضة الظالمين وجورهم ولولا أن النظام فقد معظم قوته وأصبح على شفا الانهيار لما استعان بحزب الله وغيره من المرتزقة من العراق وكل أنحاء الأرض متوهماً أنهم سينقذون عرشه ويمنعون سقوطه. لكن الكلفة البشرية كانت عالية جدّاً فالنظام صب جام غضبه ونيرانه على تلك المناطق وحاصرها وضيّق على أهلها، فهاجر منهم من هاجر وبقي منهم من بقي في أوضاع معيشية بالغة السوء، ولم تنج الأحياء التي تقع تحت سيطرة النظام من تفجيرات هدفها بث الرعب في قلوب ما تبقى من سكان المدينة وإلصاق التهمة بالثوار لتقليص الحاضنة الشعبية التي ترعى الثورة وتمدّها بأسباب الاستمرار. إن الأولوية اليوم التي يجب أن يركّز عليها ثوار دمشق ممن لم يلتحقوا بإخوانهم في المناطق والأحياء الثائرة هي (الإغاثة) فإغاثة ودعم المناطق الثائرة هو الذي سيضمن ثبات هذه المناطق ويفشل خطة النظام في إركاعها، كما إن محافظة أصحاب الأعمال على أعمالهم ومصانعهم ومزارعهم وورشهم يعتبر شكلاً من أشكال الصمود والدعم للمدينة وغوطتها المحاصرة، فهذه الأعمال تؤمن مورد رزق للكثيرين وتمنعهم من مغادرة البلد وخسارة الطاقات والإمكانيات، كما إنها تؤمن للناس الحاجات الأساسية من غذاء ودواء، لا بد من توسيع أعمال الإغاثة والتنسيق بين الهيئات العاملة فالحاجة تزداد والمتضررون يكثرون وهناك من لا يصله الدعم الكافي، إن الأرض تنقص من أطرافها تحت أقدام النظام، فاصمدي يا دمشق، إن الفجر موعده قريب
عبد الله الدمشقي
21/6/2013