كيف تجعل طلابك يحبون درسك
التعليم هو أسمى مهنة يمارسها الإنسان في هذه الحياة . فالمعلم يبني عقول وقلوب طلابه ويرسخ فيهم من المعاني والأخلاق ما سيحملونه معهم طوال حياتهم . إن الذين اختاروا مهنة التعليم عن حب وقناعة يعتبرون الساعات التي يقضونها بين طلابهم من أجمل ساعات حياتهم . بل أعرف معلمين و معلمات يقومون بعملهم في حالة من العشق والوله وصفها أحدهم لي قائلاً إنه يشعر عندما يدخل إلى الصف وكأنه داخل إلى محراب يتعبد الله فيه ! وأي قربة إلى الله أفضل من أن تبني إنساناً سوياً يفكر ويحاور ويقدر قيمة العلم والأخلاق في هذه الحياة .. ولكن ما علاقة هذه المقدمة بعنوان الموضوع الذي نتحدث عنه ( كيف تجعل طلابك يحبون درسك ) ؟ إن الخطوة الأولى لجعل طلابك يحبون درسك هو أن يكون التعليم بالنسبة إليك رسالة تؤديها في هذه الحياة وليس مجرد مهنة تجلب لك المال . فالمعلم الذي يعتبر التعليم رسالته في الحياة سيؤثر في طلابه وسيبدع ويتمتع بعمله وينجح فيه بدرجة أكبر بكثير من ذلك المعلم الذي لا يهمه إلا راتب يتقاضاه في آخر الشهر
قد يقول البعض هذا كلام شاعري جميل ولكن لا وجود له على أرض الواقع فطلاب اليوم لا يحبون العلم وهم غير مؤدبين ولا يجدي فيهم غير النهر والزجر والتأنيب . إن عقلية اللوم هذه التي يحملها بعض المعلمين تجعلهم يعزون سبب كل فشل في تواصلهم مع طلابهم إلى الطلاب أنفسهم وهكذا بدلاً من أن يطور هؤلاء المعلمون أنفسهم ومهاراتهم في التواصل مع الطلاب و التأثير فيهم ينشغلون بلوم طلابهم ونعتهم بالصفات السلبية . هناك تجربة شهيرة تم فيها اختيار مجموعة من الطلاب ثم اختيرت مجموعة من الأساتذة لتدريس هؤلاء الطلاب وأُخبروا أن الطلاب أذكياء ومبدعون ومهذبون وما إلى ذلك من الصفات الإيجابية بعد ذلك جاءوا بمجموعة أخرى من الأساتذة وأخبروهم أن هؤلاء الطلاب كسالى وأغبياء ومشاغبون وما إلى ذلك من الصفات السلبية فكانت النتيجة أن تفاعل الطلاب مع الأساتذة في الحالة الأولى كان أفضل بكثير من تفاعلهم معهم في الحالة الثانية . إذن الطلاب لم يتغيروا والذي تغير هو الصورة النمطية الموجودة في أذهان الأساتذة . أذكر عندما كنت طالباً في المدرسة أستاذاً لنا لم نره مبتسماً في يوم من الأيام وكان يخبرنا دائماً كم نحن سيئون وأنه لا تجدي معنا إلا العصا وفي كل درس كان يطرد من الصف طالباً أو طالبين ( كنت أحد المطرودين ذات مرة ) لذلك لم نكن نحب درسه ولم نكن نحب المادة التي يعطينا إياها وكان درسه تجربة مؤلمة لنا وله
بعد ثلاثة شهور من بدء العام الدراسي استُبدل ذلك الأستاذ بأستاذ آخر . أتذكر تماماً كيف دخل
علينا الأستاذ الجديد لأول مرة بوجهه المبتسم وكيف حيّانا وعرّفنا على نفسه ثم أخذ يتعرف علينا واحداً واحداً . كان لطيفاً و حازماً في الوقت ذاته . كان الأستاذ الجديد يشجعنا دائماً و يتحدث عن قدراتنا اللامحدودة فأصبحنا نحب درسه ونحب المادة التي كان يعطينا إياها. لقد عاملنا بإنسانية و كان المرآة التي تعكس أفضل صفاتنا و هكذا غيَّر من نظرتنا إلى أنفسنا فاكتشفنا فجأة أننا لسنا أغبياء ولسنا سيئين ! إذن الشرط الثاني لكي تجعل طلابك يحبون درسك هو أن تتحرر من التنميط السلبي للطلاب وأن تنظر إليهم كبشر يحملون الكثير من الصفات الجيدة والطاقات الكامنة وأن تعتبر نفسك مسؤولاً عن إطلاق تلك الطاقات من نفوسهم وأن تطور مهاراتك وأدواتك باستمرار لتقوم بهذه المهمة على أفضل وجه
ألخص ما قلته بما يلي ، لكي تجعل طلابك يحبون درسك يجب
أولاً : أن يكون التعليم بالنسبة إليك رسالة تؤديها في هذه الحياة ، رسالة تؤديها بحب وإخلاص عندما ستبدع وتنجح في مهنتك
ثانياً : أن تتحرر من الصورة النمطية السلبية عن الطلاب وأن تؤمن بهم وبطاقاتهم وأن تعتبر نفسك مسؤولاً عن تفجير هذه الطاقات
2006 - الدكتور ياسر تيسير العيتي