نجاح الثورة وبناء الدولة
منذ يومها الأول قوبلت ثورتنا بصمت عربي وعالمي مريب، فمجلس الجامعة العربية لم يناقش الوضع السوري إلا بعد مضي خمسة شهور على بداية الثورة رغم سقوط ثلاثة آلاف شهيد برصاص الأمن مع إن الثورة كانت سلمية خالصة، ومجلس الأمن الدولي لم يجتمع من أجل سورية إلا بعد عام من بداية الثورة عندما جاوز عدد الشهداء العشرة آلاف، ومع ذلك فشل في ثلاث مرات متتالية حتى في إدانة النظام وهي سابقة في تاريخ المجلس، وكلنا يعلم أن وعود الزعماء الغربيين (الداعمين للثورة السورية) لم تتجاوز التصريحات والتهديدات الجوفاء، مما جعل النظام يتمادى في عدوانه يوماً بعد يوم إلى أن وصل الأمر إلى دك المدن والقرى بالطائرات الحربية وقتل العشرات يومياً دون أن يحرك العالم ساكناً. يجب أن نفهم أيها الأخوة أن الكثير من الدول صمتت في بداية الثورة ظناً منها أن النظام يستطيع سحقها لكن ثبات الثورة وتقدمها لم يترك مجالاً لصامت، وعندما بدأت الدول تناقش الشأن السوري كانت المبادرات تركز على إيجاد مخرج للنظام وليس على نصرة الشعب السوري، وعندما أدرك الجميع تعذر هذا المخرج، وقفوا يتفرجون على الشعب السوري وهو يُذبح دون أن يقدموا له شيئاً غير الكلام. لماذا لا يريدون للثورة السورية أن تنتصر، وللدمار النازل بسورية أن يستمر لأطول فترة ممكنة؟ لكي نجيب على هذا السؤال علينا أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي: من له مصلحة في انتصار الثورة السورية وقيام سورية الواحدة الحرة المستقلة؟ أهي اسرائيل التي ستجد بجوارها شعباً حراً من أكثر شعوب المنطقة طاقة وحيوية وهو يبني دولته ويتقدم في مجالات التجارة والزراعة والعلوم والتصنيع المدني والعسكري وكل ماله علاقة ببناء الإنسان السوي والوطن القوي؟ أم إنها الديكتاتوريات العربية التي ستجد شعوبها في نجاح التجربة الديمقراطية في سورية نموذجاً يغريها برفع صوتها في وجه الطغيان وسلوك طريق العزة والكرامة الذي سلكه الشعب السوري؟ أم إنها دول الغرب والشرق التي لها مطامع في سورية والتي اعتادت على التعامل مع مستبدين لا يهمهم إلا البقاء على الكرسي ولو على حساب مصالح شعوبهم، والتي ستجد نفسها في حال نجاح الديمقراطية في سورية أمام شعب واعٍ يملؤه الشعور الوطني ويرفض الدوران في فلك الآخرين ولا يستطيع الحكام تجاهل إرادته؟ لقد فشل كل هؤلاء في وأد الثورة السورية سواء بصمتهم في بداية الثورة، أم بإعطاء الفرص للنظام لوأدها بمبادراتهم العلنية وصفقاتهم السرية، أم بمنع السلاح النوعي الفعال من الوصول إلى يد الثوار مما يعجل انتصار الثورة ورحيل النظام، كل ذلك لم يمنع الثورة من التقدم والنظام من التراجع يوماً بعد يوم، لذلك لم يعد هدفهم اليوم حماية النظام من السقوط فقد أصبح سقوطه حتمية لا مناص منها فتوجه كيدهم ومكرهم إلى تأخير هذا السقوط لإيقاع أكبر قدر من الدمار في البلاد وفي نسيج المجتمع السوري بحيث ينخرط السوريون بعد سقوط النظام في صراعات لا نهاية لها، وفي ذلك مصلحة لإسرائيل التي لا تريد دولة موحدة قوية بجوارها، وفيه مصلحة للديكتاتوريات العربية التي تريد أن تقول لشعوبها انظروا ما الذي سينزل بكم من فوضى ودمار إذا آثرتم الحرية على (الاستقرار)، وفيه أيضاً مصلحة لدول الغرب والشرق التي لها مطامع في سورية وتريد أن تتخذ من النزاع بين السوريين فرصة للنفوذ في سورية ووضع اليد على مقدراتها، نستنتج من كل ذلك أيها الإخوة، أن من أول أولوياتنا في مرحلة قبل السقوط وفي المرحلة التي تلي سقوط النظام، هي أن نحمي الثورة من الانزلاق إلى قتال داخلي، ولا يكون ذلك إلا بالحفاظ على المبادئ والأهداف السامية التي قامت الثورة السورية على أساسها وهي الحرية والكرامة لكل السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم، والابتعاد عن الانتقام الأعمى واستبداله بالقصاص العادل المضبوط بمعايير الشرع والعدل، والعمل على كل ما يعيد إلى السوريين الثقة ببعضهم البعض، ففشلنا في العيش معاً بعد سقوط النظام وفي الحفاظ على سورية موحدة قوية مستقلة هو فشل للثورة وهو فشل ينتظره الكثيرون ويحقق مصلحة الكثيرين لكن أوهامهم هذه ستتحطم على صخرة وعي السوريين وإرادتهم وقد أبدى السوريون في هذه الثورة من الوعي والإرادة ما يجعلنا نطمئن إلى أن مستقبل سورية سيكون بيد أبنائها بإذن الله .. ولو كره المرجفون
25/8/2012