cover

كلام "طائفي"

نظرة سريعة على المدن والقرى التي سويت بالأرض والتي شملت نصف العمران في سورية تقريباً وعلى الانتماء الديني والعرقي لما يقرب من مليوني شهيد وجريح ومعاق بسبب آلة الحرب الأسدية ولأكثر من  ربع مليون من المعتقلين في السجون الأسدية ولأكثر من 12 مليون من المهاجرين والنازحين في المهاجر وتحت الخيام. نظرة سريعة على كل ما سبق تأخذنا إلى الاستنتاج التالي: إن الأكثرية العربية السنية في سورية هي التي دفعت ثمن هذه الحرب التي شنها الأسد على السوريين منذ أن طالبوا بحريتهم وكرامتهم ولم يجد وزير الخارجية الروسي لافروف أي حرج عندما صرح في الأيام الأولى للثورة أن سقوط الأسد يعني وصول الأكثرية السنية للحكم في سوريا.

المنطق الشيطاني الذي أقام عليه المقبور حافظ حكمه هو سحق الأكثرية العربية السنية بحجة حماية العلويين وغيرهم من الأقليات من الأكثرية التي ستنتقم إذا استلمت الحكم لأنه تم سحقها! أخذ هذا السحق في سنوات الثورة السبع شكل المذبحة الحقيقية باستخدام المنطق الشيطاني ذاته: نذبحهم لكي لا ينتقموا بذبحنا لأننا ذبحناهم! مع أن التاريخ لم يسجل للأكثرية العربية السنية في منطقة بلاد الشام أنها ارتكبت أي مذابح أو تطهير عرقي بحق الآخرين بل كانت مثالاً للاعتدال والتعايش، ليس سيف الاستبداد ما يردع العربي السني عن ظلم غيره بل قيمه و أخلاقه المستمدة من دينه وتجربته الحضارية عبر مئات السنين ولا يخلو الأمر طبعاً من وجود قلة من المتطرفين كما الحال في أي دين.

إن حرمان الأكثرية العربية السنية من حقوقها  وشعورها بالقهر هو المفجر الرئيسي للثورة السورية. ولئن توهمت الأقلية الحاكمة في سوريا أن ستين عاماً من القمع الرهيب تنسي هذه الأكثرية معنى الكرامة الإنسانية وتحولها إلى قطيع لا يعرف إلا الهتاف بحياة الزعيم، فإن الثورة أثبتت بطلان هذا الوهم،  انتفضت الكرامة المجروحة وطالبت الأكثرية بحقوقها وأحرقت سفن العودة إلى حياة الذل وهاهي تدفع في سبيل ذلك أفدح الأثمان.

إن أي تفكير بالعودة إلى وهم أن سحق الأكثرية العربية السنية وحرمانها من حقوقها يحقق الاستقرار والأمن والازدهار في هذه المنطقة من العالم يعني استمرار السبب الذي أدى إلى اشتعال الحريق الحالي وبالتالي يعني استمرار هذه الحريق ولكن بأشكال أشد وأنكى تتناسب مع عمق الجرح الذي أصاب الأكثرية في كرامتها وأول من يلتهمه الحريق هم العلويون الذين يضحي بهم بشار على مذبح شهوته في البقاء على الكرسي لأطول فترة ممكنة.

الأكثرية العربية السنية هي الحامل الأساسي لأي مشروع وطني يحفظ حقوق جميع السوريين  بشرط أن تنجح في تنظيم نفسها سياسياً. لن تنقذ  بذلك نفسها من المحرقة الحالية وحسب  وإنما ستنقذ غيرها من المكونات السورية.

Share