cover

الحزب السياسي ضرورة أم ترف

يحمل التيار السياسي الطابع الشعبي وهو يحشّد للقيم التي تتبناها الشريحة التي يعبر عنها من خلال التظاهرات والاعتصامات والبيانات وغيرها من أشكال التعبير والاحتجاج. التيار لا يتطلب من المنضمين إليه تفرغاً ويعتمد على العمل التطوعي، وهو يدافع عن مبادئ عامة ولا يقدم برامج تفصيلية أو رؤى محددة،  وبطبيعة الحال هو لا يدخل في العملية السياسية بشكل مباشر فلا يسعى للسلطة أو لحجز مقعد على طاولة المفاوضات لكنه يشكل الرقيب والمحاسب للسياسيين الذين يشاركون في العملية السياسية

أما الحزب فهو مؤسسة تحتاج إلى التفرغ والتخصص والانضباط، مؤسسة تقدم برامج ورؤى محددة، و تسعى إلى السلطة وإلى تمثيل الشريحة التي تعبر عن مصالحها على طاولة المفاوضات

ما زالت الثورة بحاجة إلى التيار الثوري الشعبي لكن ذلك لم يعد كافياً في هذه المرحلة التي تطرح أسئلة سياسية تحتاج إلى إجابات تفصيلية يضعها المختصون. صحيح أنه لا توجد في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام برلمان يرشح له الحزب ممثليه وليست هناك حكومة منتخبة ينفذ من خلالها الحزب برامجه، لكن هناك تغيير سياسي على الأبواب – بغض النظر عن السيناريو الذي سيتم من خلاله التغيير – وهناك مرحلة انتقالية بحاجة إلى رؤية وبرامج، وهناك سورية القادمة التي يحتاج تحديد شكلها إلى عملية تفاوضية طويلة بين مكونات المجتمع السوري، وهناك مشروع الثورة في التخلص من الاستبداد الذي لم ينته بعد والذي مايزال مهدداً بالاختطاف والثورة المضادة، وهناك تحدي بناء الأمة و صناعة الشعور الوطني بعد أن مزقت حرب الأسد أوصال المجتمع، وهناك تحدي التخلص من الاحتلالات والتدخلات الخارجية، وهناك تحدي العدالة الانتقالية واللاجئين وإعادة الإعمار، كل ما سبق ملفات كبيرة تحتاج إلى برامج تفصيلية يضعها مختصون متفرغون وإلى عمل مؤسساتي لا تنهض به إلا الأحزاب

نحن بحاجة إلى حزب سياسي ينطلق من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ليكتسب القاعدة الشعبية ويحظى بالشرعية اللازمة للفعل السياسي، حزب قاعدته الشباب  ورأسه المدبر المختصون أصحاب الكفاءة، حزب يجعل مبادئ الثورة بوصلته الأخلاقية ويعرف كيف يكسب ثقة الداخل والخارج ليتمكن من المناورة اللازمة لتحقيق هذه المبادئ، حزب ينشر الوعي السياسي بين شباب الثورة وشاباتها ليعرفوا أدوارهم في هذه المرحلة ويشكل المنصة التي تطلق مواهبهم وتصنع منهم قادة المستقبل، حزب يوظف الموارد البشرية والمادية في الداخل والخارج من أجل إعداد البرامج والكوادر القادرة على تنفيذها، نحن بحاجة إلى هذا الحزب وإلا فالأحزاب المصنعة في الخارج التي يحركها المال السياسي ستتولى دفة المرحلة القادمة ولن يكون باستطاعتنا أكثر من الاحتجاج

Share