كفّيتم ووفّيتم ياشباب
لأن نفوسهم تأبى الركون إلى الأرض، ولأن حياة الجهاد زرعت في نفوسهم معاني يعز عليهم التخلي عنها كثير من شباب داريا والغوطة وأحياء دمشق المجاهدة وغيرها من المناطق الثائرة الذين جاءوا إلى تركيا بعد أن صمدوا سنين طويلة في وجه نظام الأسد ثم هُجّروا بالقوة، يشعرون بالإحباط وهم يجدّون في طلب العيش أو العلم منخرطين في حياة جديدة تستهلك الكثير من وقت الإنسان وجهده فلا يجد متسعاً من الوقت للتفكير في دور جديد يخدم الثورة من خلاله، فضلاً عن القيام بهذا الدور. يزيد من الإحباط استدعاء ذكريات الخلاف بين الفصائل وما يروج له نظام الأسد من ادعاء الانتصار وأن الأمور تسير لصالحه في القضاء على الثورة وإعادة الشعب إلى حظيرة طاعته. وهنا أريد أن أذكر ببعض الأمور
- على جدران درايا والغوطة الشرقية وجوبر وغيرها من المناطق الثائرة سقط عشرات الألوف من أكفأ مقاتلي النظام وضباطه، هذا الاستنزاف المادي والمعنوي هو الذي جعل النظام يستعين بحزب الله والإيرانيين وقطعانهم الطائفية ثم بالروس في نهاية المطاف مما أوصله إلى الوضع الحالي الذي فقد فيه قراره ولم يعد أمره بيده. إن المواجهة الأسطورية لعصابات الأسد وداعميه لسنوات طويلة، حولته من نظام متماسك قادر على الاستمرار، إلى نظام مهلهل متآكل مليء بالتناقضات، يعيش على أجهزة الإنعاش العسكرية والسياسية التي توفرها له قوى خارجية تحقيقاً لمصالحها، ولن يطول الوقت قبل أن يبلغ النظام من التآكل والتناقض بين مكوناته ما ستعجز أجهزة الإنعاش عن دعمه. نعم لقد حقق النظام بفضل قوى خارجية انتصاراً عسكرياً مؤقتاً لكن ذلك كان على حساب تغير بنيوي في تركيبته وضعه على سكة الزوال مهما ادعى وتبجح
- صمود المناطق المحاصرة لسنوات طويلة وعجز نظام الأسد عن اقتحامها دفعه إلى استخدام الكيماوي وارتكاب جرائم حرب قوضت شرعيته وجعلت (إعادة تأهيله) في المجتمع الدولي مهمة شبه مستحيلة، وما يحاول النظام وأصحاب الثورة المضادة الإيحاء به من انتصار ليس إلا بروباغاندا لن تصمد طويلاً أمام حقائق قانونية وسياسية لا يستطيع أحد تجاوزها (نفى مسؤولون بريطانيون وفرنسيون وسعوديون وقطريون وأمريكيون في مناسبات شتى ما أشيع مؤخراً عن فتح سفارات وإعادة علاقات)
- نجاح نظام الأسد في مرحلة الحرب لا يعني قدرته على النجاح بعد انتهاء القتال، على العكس تماماً ما مكنه من النجاح في القتال هو الذي سيقوض أسباب وجوده في مرحلة السلم. فالراتب الشهري والسلب والنهب التي كانت تحفّز المنضوين في المجاميع التي قاتلت معه لم تعد متاحة اليوم بعد أن توقف القتال وأجبر الروس النظام على حل الكثير من هذه المجاميع وتسريح العاملين فيها، بل إن الوضع الجديد الذي يعجز فيه النظام عن تأمين حاجات مقاتلي الأمس في الوقت الذي يتمتع فيه قادتهم السابقون بامتيازات هائلة قد أفرز سخطاً متصاعداً بين مناصري النظام، من ناحية أخرى فإن النظام في مرحلة الحرب استخدم عامل الخوف من انتصار المعارضة لتخدير حاضنته كي لا تشعر بالألم، هذا المخدر اليوم لم يعد موجوداً بعد (انتصار) النظام وطرد المعارضة إلى الشمال، ولم يعد أمام حاضنة النظام سوى ألم الخسارة لعشرات الألوف من أبنائها بين قتلى ومعاقين إضافة إلى ألم الفقر والبطالة والإهمال ورؤية المتنفذين يستأثرون بخيرات البلاد
- لكي لا يجلد الشباب المهجّرون أنفسهم عليهم أن يدركوا أنهم صمدوا سبع سنوات تحت الحصار في وجه ثلاثة جيوش خطوط إمدادها مفتوحة أحدها جيش دولة عظمى، هذا بحد ذاته انتصار أسطوري يكفي ليملأ ما بقي من أعمارهم بالمجد والفخار ولو لم يفعلوا شيئاً بعد ذلك.
- لا يعني ما سبق أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان وأن قادة الفصائل لم يرتكبوا أخطاء فادحة، لكن هذه الأخطاء وليدة ثقافة مناطقية ودينية متخلفة (التخلف ليس من الوحي حاشا لله وإنما من سوء فهمه وتطبيقه) وهذا التخلف ما كان لسنوات معدودة أن تعالجه فالتغيرات الثقافية تستغرق وقتاً طويلاً – وإن كانت الثورات تعجل التغيير - وصمود الشباب في المناطق المحاصرة طوال هذه السنوات كشف عوار هذا التخلف ووضعه على نار المراجعة والتقويم الحامية مما سيسرع معالجته بإذن الله
أيها الشباب المهجرون (ذكورا وإناثاً) لقد كفيتم ووفيتم، التفتوا اليوم إلى تقوية أنفسكم وتثبيت أقدامكم في الحياة مادياً وعلمياً دون أن تنسوا ثورتكم فهي ما تزال بحاجة لكم وطرق المساهمة في الثورة في المهجر تختلف عن طرق المساهمة فيها تحت الحصار ولن يطول الوقت قبل أن تكتشفوا بأنفسكم ألف طريقة وطريقة ولكن أعطوا أنفسكم الوقت وارفقوا بها فما مررتم به تنوء بحمله الجبال العظام