cover

خواطر 2020-4

عندما تعجز عن التقدم في  مسار سياسي بسبب عدم توافر شروط التقدم فإن واجبك أن تثبت في مكانك وتوفّر هذه الشروط لا أن تتراجع إلى الخلف.

عندما يضغط عليك الآخرون لتقدم تنازلاً ما فهذا يعني أنهم  بحاجة إلى هذا التنازل وبالتالي عندما تقدمه لهم دون مقابل تكون ضيّعت وقصّرت وفرّطت.

وأخيراً، عندما تعجز عن الضغط على عدوك الذي يناور في مساحة ضيقة فإن تنازلاً يعطيه مساحة مناورة أوسع يضعف قدرتك على الضغط ولا يزيدها.


التفاؤل ليس نظارة مشوّهة تضعها على عينيك لتريك الإيجابي فيما حولك وتحجب عنك السلبي، ولا إبرة مخدرة تحميك من الشعور بألم الواقع، ولا شعور جميل تحصّله بالأحلام الوردية.

التفاؤل حركة مستمرة تبحث فيها عن الفرص مهما كانت صغيرة لاستثمارها، وعن مساحات الخير مهما كانت ضيقة لتوسيعها، وهو أسلوب في التفكير يجعلك ترى العيوب والمساوئ لا لتنكسر أمامها وإنما لتفكر في إصلاحها، ويدفعك إلى توقع الاحتمالات السيئة والعواقب الوخيمة لا لتردعك عن الإقدام وإنما لتفكر في  تجنبها وتخفيف أثرها.

التفاؤل من صفات القادة الذين يسلكون بالناس دروب الخلاص في الأوقات الصعبة حين تبلغ القلوب الحناجر، والمتفائل إنسان كغيره يتألم ويحزن ويُحبط وينكسر لكنه لا يستسلم لهذه المشاعر ولا يمكّنها من شل تفكيره وحركته، بل يتجاوزها مستعيناً بالله، متكلاً عليه، مؤمناً بوعده، واثقاً من نصره.


أمام السوريين الأحرار اليوم تحديان أساسيان: إنجاز عملية انتقال سياسي حقيقي تمنع تعويم النظام، وإيجاد منظومة سياسية عسكرية إدارية واحدة تحقق الأمن والتنمية في المناطق المحررة.

مواجهة هذين التحدين يحتاجان إلى رؤى وبرامج يضعها أصحاب الخبرة والكفاءة ويتم التحشيد لها بين السوريين وعند الدول الفاعلة في الملف السوري لتأخذ طريقها إلى التطبيق.

استقطاب الخبرات والكفاءات التي تضع هذه البرامج والرؤى وتحشّد لها داخلياً وخارجياً يحتاج إلى كيانات سياسية منظمة تتحالف فيما بينها لقيادة المرحلة. البديل عن ذلك مزيد من التيه والخراب.


لا شيء يشجع السارق أكثر من مال داشر، ولا شيء يجرّيء الظالم أكثر من قلوب لا تعرف كره الظالمين. نحن لا نجبر أحداً على قبول ثورتنا لكن أحداً لن يجبرنا على عدم التعبير عن كرهنا للأرض التي يطؤها كل مؤيد لهذا النظام  كرهاً يساوي عدد ما قتل واعتقل وعذب واغتصب من شبابنا ونسائنا وأطفالنا.


مواجهة الأفكار بتوصيفها، مثل "هذا تنازل أو هذا تشدد"، دون أن تشرح لماذا تعتبره تنازلاً أو تشدداً، أو مواجهة الأفكار بالحكم على نوايا أصحابها، مثل اتهام المخالف بأنه يخالف الآخرين لأنه يغار منهم أو يريد استعادة دور فقده، هي أساليب بدائية تدل على عجز أصحابها عن الرد بالحجة والمنطق.


السوريون أرض خصبة جداً وصعبة جداً في الوقت نفسه، من يصبر على استنباتها ويعطيها حقها من الاحترام والرعاية والثقة تفاجئه بثمار نادرة لا تنبتها أي أرض أخرى.


عندما لا نتنازل لبعضنا البعض في القضايا الصغيرة نجد أنفسنا مرغمين على التنازل للعدو في القضايا الكبيرة.


نخوض ثلاث معارك في آن واحد:

 معركة لإخراج الاستبداد من حياتنا السياسية حتى لا يحكمنا أراذلنا..

 ومعركة لإخراج المستعمر من أرضنا حتى نملك قرارنا ومواردنا..

 ومعركة لإخراج الفرقة والتشرذم من صفوفنا حتى نوحد بلادنا تحت علم واحد يصون كرامتنا ودماءنا..

 لسنا أول شعب في تاريخ البشرية يخوض هذا النوع من المعارك فمن كان يؤمن أن السوريين أهلٌ للحياة الحرة الكريمة فهذه فرصته ليشق لهم الطريق ويساهم في كتابة التاريخ.


تتصادم في سورية اليوم مصالح دول كبرى، تحويل هذا التصادم إلى فرصة لتحقيق مصلحة السوريين يحتاج إلى قيادة ورؤية لا إلى محللين سياسيين!


من يطع دون تفكير يتحول إلى خروف أو آلة قتل. بناء الشخصية المستقلة التي تملك تقديراً عالياً للذات وتمارس التفكير الناقد هو أقوى لقاح للوقاية من الاستبداد والتطرف.


البحارة الرواد الذي اكشتفوا قارات جديدة عملوا بالقاعدة التالية "لا بد أن تغيب اليابسة عن عينيك فترة من الزمن حتى تكتشف أرضاً جديدة"

التخطيط ضرورة لكن الكثير من تفاصيل الإنجاز تتوضح عند التنفيذ، ومن يريد العبور إلى أرض جديدة  دون أن يمخر عباباً ويعايش توتراً وقلقاً وغموضاً  لن يبتعد كثيراً عن أرضه القديمة.

أولئك الذين يملكون الشجاعة لطرق الدروب العذراء هم من يأخذون الآخرين إلى أماكن أرحب لم يتخيل أحد وجودها من قبل.


"بل الإنسان على نفسه بصيرة"                                                         

عقل الإنسان مصمم بحيث تترك فيه أثراً كل التجارب التي تمر به. كل ما نمر به يقبع في مكان ما في عقولنا ويؤثر في مشاعرنا وأفكارنا وسلوكنا أدركنا هذا التأثير أم لم ندركه.

 أن يدرك الإنسان الأثر الذي تتركه التجارب في نفسه وكيف سيؤثر هذا الأثر عليه لاحقاً هو ما يسمى (إدراك الذات) وهو يأتي من الفضول والسؤال: كيف أثرت فيّ هذه التجربة؟ ولماذا أفكر أو أشعر أو أتصرف بهذا الشكل؟

 كلما ازدادت مساحة إدراك الذات ازدادت قدرة الإنسان على فهم نفسه وفهم الآخرين وانخفضت وتيرة صراعاته الداخلية ومع الآخرين.


الدستور الذي يعبر عن إرادة السوريين يجب أن تكتبه يد سورية تتمتع بالإرادة الحرة وأن تصوت عليه يد سورية تتمتع بالإرادة الحرة. وكما نقول: نريد بيئة آمنة ومحايدة للاستفتاء على الدستور نقول وبالمنطق نفسه:  نريد بيئة آمنة ومحايدة لكتابة الدستور وهذه غير متوفرة اليوم لأن نصف أعضاء اللجنة الدستورية قادمون من مناطق النظام وهؤلاء لا يستطيعون أن يكتبوا حرفاً واحداً في الدستور خارج إرادة النظام ولو كان السوريون القاطنون في مناطق النظام يتمتعون بالإرادة الحرة لما قمنا بثورة ولما كنا مشتتين في بقاع الأرض. إن نصف أعضاء اللجنة الدستورية على الأقل لا يتمتعون بالإرادة الحرة وبالتالي الدستور الذي يكتبونه لا يعبر عن إرادة السوريين وبالتالي ليس له أي مشروعية.


سقوط الآخرين لا يؤدي تلقائياً إلى نهوضنا، والعيوب في أنظمتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تؤدي تلقائياً إلى تخليصنا من عيوبنا، وغرقهم في المشاكل لا يؤدي تلقائياً إلى إنقاذنا من مشاكلنا. من دون أن نلتفت بشكل جدي إلى عيوبنا ومشاكلنا ونمارس بشجاعة التجديد الفكري والإقدام العملي اللازمين لمعالجة هذه المشاكل لن نعود كأمة إلى الفاعلية الحضارية. الاكتفاء   بالتغني بسقوط وعيوب ومشاكل الآخرين هو تخدير  يقلل ألم الهزيمة وحسب!


منع قيام دول ديمقراطية ذات قرار مستقل والإبقاء على التفوق العسكري الإسرائيلي واحتواء تركيا وإيران هي ثوابت استراتيجية للسياسة الأمريكية في منطقتنا وما يختلف بين رئيس وآخر هي طريقة تطبيق هذه الاستراتيجية. لا يعني ذلك أننا خلقنا لنظل عبيداً للسياسة الأمريكية إلى الأبد فأمريكا التي كانت مستعمرة بريطانية قبل قرنين ونصف وخاضت حرباً أهلية طاحنة قبل قرن ونصف ليست إلهاً كلي القدرة! والتناقضات بين الفاعلين الإقليميين والدوليين في منطقتنا تفسح لنا كشعوب تسعى إلى نيل حريتها واستقلالها هوامش حركة نستطيع استثمارها وتوسيعها باستمرار إذا أدركنا هذه الهوامش ونجحنا في تنظيم أنفسنا وتجميع إمكانياتنا. يحتاج ذلك قبل كل شيء إلى الإيمان بأنفسنا وبروح الرسالة الحضارية التي  نحملها للعالم، تلك الروح التي ما إن تدرك ذاتها والعالم الذي تعيش فيه وتتعامل معه  بلغته وأدواته حتى يُطوى أمامها الزمان والمكان تماماً كما طُويا أمام أجدادنا من قبل، خصوصاً أن التطور الهائل في وسائل التواصل والتأثير والتنظيم يتيح لنا أن ننجز في أعوام ما كان يحتاج إلى مئات السنين.


واذا ما خلا الجبان بأرضٍ *** طلب الطعن وحده والنزالا (المتنبي)

لا يظهر معنى الشجاعة إلا في الميدان كذلك الفضائل كلها لا تظهر وتتوهج وتفعل فعلها في إصلاح الأرض إلا في  ميدان  تقارع فيه نقائضها. لذلك خلق الله  أصحاب الكذب والنفاق والضعف والانهزام والإحباط لتتوهج بمقارعتهم معاني الصدق والقوة والإقدام وعلو الهمة.


التنوع حالة صحية في أي مجتمع والساحة أوسع من أن يملأها مشروع واحد والحاجة أكبر من أن تسدها جهة واحدة والتنافس الشريف يفيد الجميع ويفيد القضية التي يعملون من أجلها وهذه عقلية الوفرة التي عبرت عنها الآية الكريمة (وإذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح  الله لكم) فالمجلس يتسع عندما يفسح فيه العاملون المجال لبعضهم البعض بدل أن يتنازعوا.

أسوأ ما يمكن أن تُبتلى به الساحة  هم أصحاب عقلية الندرة الذين يرون في نجاح الآخرين فشلاُ لهم فيبتغون البروز بالحط من شأن منافسيهم، وتحصين الساحة من هؤلاء يكون بتوعية الناس وتزويدهم بالمعلومات الصادقة وآليات المحاكمة السليمة ليتمكنوا بأنفسهم من الحكم على ما يُعرض عليهم من مشاريع وأفكار، فالناس في النهاية يحترمون من يصدق معهم ويحترم عقولهم.


ترسخ القناعات كل ما غادرها العقل إلى ما يخالفها ثم عاد، ثم غادر ثم عاد، متقصياً البراهين في كل مرة، ومراكماً خِبرتَه بطرق الذهاب والإياب.

البعض يعتبر تغيير قناعاته دليل جسارة عقلية، غير مدرك أن  عقله خار بعد أول رحلة بعيداً عن قناعاته الأولى!


أن تسامح من آذاك فضيلة ولكن ألا تسامحه ليس رذيلة، هذا حقك!


مح يخلونا!

كنت أكتب مقالات جريئة من دمشق قبل الثورة، كثيرون كانوا يظنون أن  لدي ضوءاً أخضر من النظام  لأنهم لا يتخيلون أن هناك من يملك الجرأة للكتابة بهذا الشكل. الأمر ببساطة أنني كنت أختبر قدرة النظام على تحمل هذه المقالات وفي اللحظة التي ستزعجه سيستدعيني ويطلب مني الكف عن الكتابة وعندها سأقرر إن كنت سأستمر أم لا حسب الجدوى والثمن المتوقع وقدرتي على دفع هذا الثمن. طبعاً كان هناك احتمال أن أعتقل من دون تنبيه لكنني قررت أن أخاطر.  ما أريد قوله أنه توجد دائماً هوامش للحركة نحتاج إلى استثمارها إلى أقصى حد حتى نتمكن من توسيعها وهذا يحتاج إلى شيء من الجرأة والمغامرة المدروسة. (مح يخلونا) أمر طبيعي لأن هذه مهمة أعدائنا؛ ألا يسمحوا لنا بالنهوض، لكن المقصود بها في العقل السوري العام أن أي مشروع سياسي صادق يعبر عن تطلعات الناس ويهدف إلى خدمتهم لن يُسمح له بالنجاح وبالتالي لا حاجة للمحاولة بل لا حاجة حتى للتفكير بالمحاولة! الغريب أن الكثيرين ممن يحملون هذه الفكرة هم ممن يربون الناس على الإيمان بالله والاتكال عليه ووجوب الثقة بنصره والتضحية في سبيله!


لن تستقر منطقتنا ولن تنهض بمشروع سياسي يقوم على أحقاد تاريخية.

لن تستقر منطقتنا ولن تنهض بمشروع سياسي يقوم على شعور أقلية بالنقص تعوض عنه بالاستعلاء على الأكثرية.

لن تستقر منطقتنا ولن تنهض بمشروع سياسي يقوم على خوف مرضي من الأكثرية يتجلى بمعاملتها كتهديد يجب إقصاؤه عن السلطة.

 لن تستقر منطقتنا ولن تنهض إلا بمشروع سياسي ينسجم مع قيم الأكثرية الدينية والاجتماعية ويمنحها حقوقها كاملة كغيرها تماماً لا أكثر ولا أقل. هذا المشروع هو الذي سيطلق الكمون الحضاري الذي تحمله المنطقة وهو شبكة الأمان الحقيقية لكل مكوناتها العرقية والدينية.

Share