cover

خواطر 2020-5

كنا عايشين

عندما يكون مالك مستباحاً لأن أي مشروع يبلغ حجماً معيناً يجب أن يشارك فيه هذا المسؤول أو ذاك وإلا سيُسلب منك فمعنى ذلك أن حقك في التملك والعمل مُغتصب.

عندما تكون حريتك مستباحة لأن أي فرع أمن يستطيع أن يخفيك في ظلمات السجون دون أن يعترض أحد فمعنى ذلك أن حقك في الحرية مُغتصب.

عندما تكون حياتك ذاتها مستباحة لأنه إذا صدر قرار بتصفيتك ستُقتل دون أن يعترض أحد فمعنى ذلك أن حقك في الحياة مُغتصب.

كنا وما زلنا شعباً يُغتصب لكننا قررنا منذ أكثر من تسع سنوات أن نقاوم وعندما تقاوم المغتصبة تغرز أظافرها وأسنانها في جسد المغتصب فتُضرب وتُجرح وتنزف لكن هذا ما يحررها ويدفع عنها  أجساد المغتصبين مرة واحدة وإلى الأبد، أو أن ترضى الاغتصاب بصمت.


مع أننا نستخدمه في لغتنا اليومية إلا أن وصفنا بالـ (المعارضة) ليس دقيقاً. المعارضة  تكون  ضد سلطة  بشرية، نحن نخوض معركة وجود ضد وحوش دموية فالتة من ظلمات التاريخ لا تمت للبشرية بصلة.


(الحق الكذاب لورا الباب) تصح عندما يكون الناس مخدوعين بالكذاب فتلحقه (لورا الباب)  حتى تكشف كذبه ثم تنصرف عنه . أما عندما يعرف الناس أنه كذاب وأنت تلحقه باستمرار من باب إلى باب فأنت غبي مغفل أو كذاب مثله متواطئ معه على إضاعة الوقت الثمين في البحث عن باب حقيقي.


من كتاب (كيف تصبح بعثياً في خمسة أيام)

1- الكرسي هو الهدف وهو الثابت الوحيد وكل ما عداه يمكن أن يتغير فلا تضيع البوصلة.

2- لا يمكنك الحفاظ على الكرسي ما لم تكن مستعداً للتنازل عن أي شيء في سبيل ذلك. (عن أي شيء) بلا استثناء.

3-  للحفاظ على الكرسي ليس مهماً أن تصل إليه بانتخابات حقيقية  وأن يرضى عنك من انتخبوك، المهم أن ترضى عنك الدول التي لها مصالح في بلدك. اجعل نيل رضاها همك الأول والأخير. وإذا تناقضت مصالح هذه الدول احرص على رضا الدول الأكثر نفوذاً، وإذا تغيرت هذه الدول غيّر ولاءك، لا مشكلة. تذكر القاعدة الأولى: الكرسي هو الهدف وهو الثابت الوحيد وكل ما عداه يمكن أن يتغير.

4- للحفاظ على الكرسي لا بد من قضية تلهي بها الشعب. اختر قضية تهم الشعب وارفع أقوى ما تستطيع من شعارات ولكن إياك أن تحقق إنجازاً حقيقياً يؤدي إلى انتصار القضية لأنه إذا انتصرتْ انتهى مبرر وجودك على الكرسي.

5-  لا تقلق من غياب الإنجاز فالشعب تخدّره الشعارات لذلك كلما كان ألم الهزائم التي تسببها تنازلاتك أقوى ارفع جرعة شعاراتك.

6- إياك أن تدخل في محاججات منطقية مع الآخرين. هذه ليست ساحتك. ساحتك اصطناع الأكاذيب وتوجيه الاتهامات وكلما ارتفعت الأصوات ضدك أَكثِرْ من أكاذيبك واتهاماتك، وتذكر أن الكذبة لا تغطيها إلا كذبة أكبر منها، وأن أهم سلاحين في مواجهة خصومك: الوقاحة والفجور!


شهوة الكلام لمن أوتي موهبة البلاغة ابتلاء لأنه إذا لم تلحق أفعال المرء بأقواله عادت بلاغته وبالاً عليه.


لا يفتر لسانهم عن الحديث عن الأقليات وحقوقها وعندما نتحدث عن استعادة حقوق الأكثرية نصبح طائفيين. عندما تحذفون عبارة (الأقليات) من قاموسكم السياسي سنحذف عبارة (الأكثرية).


الظهور الإعلامي يشبع شهوة الظهور. 

تبوء المناصب الرفيعة والانتقال في مواكب محاطة بالحرس ولقاء الشخصيات المهمة في العالم يشبع شهوة الشعور بالتميز والأهمية.

تلقي التعويضات المالية المجزية والحصول على أفضل الأنواع من مركب وملبس ومسكن ومفرش ومأكل ومشرب والسياحة في أرض الله الواسعة يشبع الشهوات الحسية والنفسية المرتبطة بهذه الأمور.

هذه كلها رغبات (أو شهوات) طبيعية خلقها الله كغيرها في نفوس البشر ليعمر الكون من خلال إشباعها، فلولا  رغبة التملك لما وجدت الصناعة والزراعة والتجارة، ولولا رغبة الجنس والإنجاب لانقرض البشر وهكذا.

ليس عيباً أن يشبع الإنسان رغباته بطرق سليمة، العيب أن يبيع قضية شعبه في سبيل إشباعها.


ولادتان

لكل منا ولادتان، الأولى لا نختارها لكن الثانية نختارها أو نكتفي بالأولى.

الولادة الأولى، هي الولادة الفيزيولوجية التي تأتي بنا إلى هذا الوجود. تتفتح بعدها ملكاتنا بشكل تدريجي ثم  نبدأ بتلقي المعتقدات عن أنفسنا والعالم من خلال البيئة المحيطة بنا. جزء كبير من إدراكنا لذواتنا والعالم يتشكل كمعطى جاهز من الخارج وليس كاكتشاف ذاتي نقوم به نتيجة بحث وتفكير واختيار.

الولادة الثانية، هي الولادة الروحية التي نجيب بها على الأسئلة الوجودية الكبرى المتعلقة بطبيعة الوجود المحيط بنا وغايته ومآلاته ودورنا فيه كأفراد أو مجموعات. تحدث هذه الولادة نتيجة الفضول والتعلم وطرح الأسئلة والتفكير النقدي والحوار الذي يدور في داخل الإنسان بين الأفكار والتصورات التي تتدافع في عقله أو نتيجة حواره مع الآخرين. الولادة الأولى تبدأ عند مجيئنا إلى هذا العالم وتستغرق دقائق أو ساعات، الولادة الثانية يمكن أن تبدأ في أي سنة من أعمارنا وتستغرق أعواماً طويلة.

من حرموا أنفسهم الولادة الثانية يرون أنفسهم والعالم من الثقب الذي فرضه عليهم من حولهم، ويعيشون نسخاً مكررة من شاكلة واحدة،  ولا يستطيعون الدفاع عن أفكارهم لأنهم لم يتملكوها بالبحث وإنما فرضت عليهم بالتلقين، يجهلون الكثير من مواهبهم وربما يقومون بأعمال لا تناسب ميولهم لأنهم انخرطوا فيها مسايرة لمن حولهم.

هناك مجتمعات تشجع أفرادها على الولادة الثانية من خلال طريقة التربية والتعليم والتعامل في الأسرة والمدرسة والمؤسسة والدولة وهي المجتمعات التي تعج بالحياة. ومجتمعات تفعل العكس تماماً فيسود فيها الموت وتصبح ضعيفة ومستعبدة للمجتمعات الأولى.


أحدهم يكتب لي من مناطق النظام مستغلاً انتقادي المتكرر للمعارضة فيقول: إن المعارضة سيئة مثل النظام تماماً وإن بإمكان المعارضين (الشرفاء) أن يعملوا من داخل مناطق النظام ويعارضوا كما يشاءون بشرط ألا يقتربوا من بشار الأسد.

 أقول لهذا المسكين:

أولاً، قامت الثورة لنزع الألوهية  عن بشار الأسد، كل المصائب التي نزلت وستنزل بالسوريين سببها تأليه بشار ومن قبله المقبور حافظ وجعلهما فوق النقد والمساءلة والمحاسبة.  الصمت لمن يعيش في مناطق النظام  أشرف مليون مرة من انتقاد يتجنب بشار ويؤكّد ألوهيته.

ثانياً، مهما بلغت أخطاء بل خطايا المعارضة السياسية التي ننتقدها فهي لا تساوي قطرة في بحر جرائم النظام وفظائعه. المعارضة لم تسلط قطعانها الطائفية على المدنيين العزل ليفلقوا رؤوس الرضع بالسواطير، المعارضة لم تقتل عشرات ألوف السوريين في المعتقلات تعذيباً وجوعاً وبرداً ومرضاً، المعارضة لم  تدمر نصف سوريا بالبراميل وتهجر نصف سكانها. بل إن وصف المعارضة هو تجاوز لغوي لأنه يطلق عندما يكون هناك نظام شرعي تواجهه معارضة تخالف سياساته وفي سورية لا يوجد نظام شرعي وإنما وحوش قادمة من ظلمات التاريخ منفلتة من كل الأديان والشرائع تمارس حرب إبادة على شعب بأكمله.


عندما تكون جزءاً من فريق تجتمع فيه حميّة الدرعاوي مع نباهة الديري مع جرأة الحمصي مع دبلوماسية الشامي مع إبداع الإدلبي مع حماس الحموي مع كياسة الحلبي تدرك أن السوريين شعب عريق يكمل بعضه بعضاً  وأن روعته تكمن في تنوعه وأن الثقة عندما تسري بين السوريين  ويصبحون على قلب رجل واحد لا يمكن لقوة أن تهزمهم، وأن تفرقهم لا نقص إمكانياتهم هو ما يجعلهم مكسر عصا لكل من هبّ ودبّ.


مع أنني أتحدث بعاطفة أحياناً عن مواقفي السياسية إلا أنني لا أتخذها بالعاطفة وإنما بالعقل وفق المنهجية التالية:

1) الحصول على المعلومات الصحيحة عن الموضوع ومن أكثر من مصدر ومن الأشخاص المعنيين بالموضوع مباشرة إن أمكن

2) استشارة من أثق برأيه من الخبراء والمختصين

3) التواصل المباشر بنية الفهم لا الرد مع من يحملون رأياً مخالفاً لأتبين وجهة نظرهم عن قرب

 4) مناقشه الموقف في دوائر من الثقات لرؤية الموضوع من كل جوانبه واعتماد الرأي الذي تتوافق عليه الأكثرية


حجم إرادة التحرر عند السوريين يساوي حجم القنابل والبراميل والصواريخ التي ألقيت عليهم منذ آذار 2011 وحتى اليوم، ولسه بدنا حرية.


لا تستهينوا بكلمة الحق ولا تقولوا هي لا تغير شيئاً. الذين يخافون من كلمة الحق هم أكثر من يشيعون هذا الوهم لتبقى محبوسة في صدور الناس فلا تهدد باطلهم. ألا يبني الطغاة السجون والأجهزة الأمنية إلا لقمع هذه الكلمة؟ وما الذي قوض بنيان النظام الراسخ ووضعه على سكة الزوال إلا كلمة الحق عندما خرجت من صدور أصحابها وأصبحت هتافاً على الشفاه؟! قولوا كلمة الحق أفراداً ومجتمعين. قولوها بكل الوسائل وفي كل حين.


"تركت كل نشاط له علاقة بالقضية السورية وانصرفت إلى بناء نفسي لأنني اكتشفت أننا قمنا بثورة ولم نكن مؤهلين لذلك" عبارة نسمعها أحياناً ممن كانوا ناشطين في الثورة ثم اعتزلوا كل شيء.

لا تحدث الثورات لأن أشخاصاً (مؤهلين) يقومون بها بل على العكس تماماً لأن أجواء القهر والظلم تمنع حصول هذا التأهيل وتوصل المجتمع إلى درجة الانفجار. خير طريقة للتأهيل هي الخبرة والتجربة، ولا مانع أن يجمع الإنسان بين الخبرة العملية والتعلم النظري وهناك الكثير من شباب الثورة من اختصاصات مختلفة بدأوا بدراسة علوم الادارة والاعلام والسياسة والاجتماع بشكل فردي أو أكاديمي دون أن يعتزلوا القضية و(ينصرفوا إلى بناء نفوسهم).

لا يمكن للإنسان أن يبني نفسه بمعزل عن الآخرين فتطوير مهارات العمل الجماعي جزء أساسي من بناء الذات، ووجدنا في الثورة كم خسرنا بسبب ضعف هذه المهارات بالتحديد. لا يعني ذلك لزوم المشاركة في عمل سياسي أو ثوري مباشر فما كل الناس تستهويهم هذه الأعمال، وخدمة القضية يشمل مجالات عديدة من التعليم إلى الفن إلى الاعلام إلى الدعم النفسي إلى مساعدة الآخرين على تنمية مواردهم المالية إلى تقديم الفكرة والخبرة والاستشارة وغير ذلك كثير. المهم أن تكون القضية السورية حاضرة في العقل والقلب وأن يضع الإنسان نفسه في موقع يساهم فيه في خدمتها مهما كان بسيطاً فالتيار الهادر تشكله قطرات صغيرة.


لا يرضى مؤمن الدون في هذه الحياة ولا ينفك يعمل على تحرير نفسه ومن حوله من الأغلال التي يلقيها عليهم الطواغيت من الخارج وتسردها شهواتهم من الداخل. الدين هو اتصال المحدود بالمطلق ليستمد منه قوة لا محدودة تطلقه في اكتشاف آيات الله في الآفاق والأنفس وتسخيرها في عملية الانعتاق هذه والارتقاء المستمر بالحياة الإنسانية مادياً وروحياً. الدين ليس أفيون الشعوب بل الخلود إلى الأرض والخوف من  هذا الانعتاق الهائل وتكاليفه وتبعاته هو الأفيون. الخوف هو أفيون الشعوب والعقول.


أمرنا الله بالحفاظ على كرامتنا التي منحنا إياها (ولقد كرمنا بني آدم)

أما الدين فقد تكفل هو بالحفاظ عليه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)

عندما يريق المشايخ كرامتهم على أعتاب الطغاة مبررين ذلك بالحفاظ على الدين فإنهم يخسرون الاثنين معاً: الدين والكرامة.

هذا دين عزيز لا يحفظ حقيقته إلا الأعزاء.


آلام النمو ظاهرة معروفة في الطب يعاني منها بعض اليافعين في مرحلة نموهم السريع.

عندما تطلع على فكرة جديدة فتشعر بالانزعاج لأنها تخالف فكرة ألفتها، انتبه، لا ترفضها فوراً، ناقشها بموضوعية وتجرد، فقد تكون هذه فرصتك للتفكير بطريقة مختلفة والنمو والتطور.

العقل أيضاً يعاني من آلام النمو.


ينعم الله على البعض بفرص تمكنهم من تعلّم أفكار جديدة مفيدة تختلف عن الأفكار السائدة في مجتمعاتهم. الفرص تكون على شكل بيئة مناسبة تشجع على التعلم أو وضع مادي يسمح بذلك أو سفر واختلاط بثقافات أخرى  يفتح أمامهم الآفاق. بعض هؤلاء بدلاً من أن يقضوا بقية أعمارهم يشكرون الله على نعمته بتعليم الناس ما تعلموه بحب وتواضع، ومساعدة مزيد منهم على توفير فرص كالتي أنعم الله بها عليهم، يقضونها وهم يتعالون على البشر ويتحدثون عن جهل مجتمعاتهم وتخلفها وكأن الله خصهم وحدهم بالعقل والفهم.


من نجحوا في تغيير أنفسهم هم أكثر الناس تفاؤلاً بإمكانية تغيّر الآخرين. عندما تعايش كيف تحولت الأرض الموات في داخلك إلى حقل خصيب توقن  بجدوى استنبات بذور الخير في نفوس الناس. إذا لم تعايش ذلك التفت إلى الاستنبات في نفسك أولاً قبل أن تحكم على مجتمعك بالبوار. إلا إذا كنت تعتقد أن الله خلقك من طينة غير طينة البشر!

Share