cover

خواطر 2019 – 1

يواجه الموت والحصار والجوع والتشرد وتآمر القريب والبعيد طوال ثمانية أعوام لكيلا يعود إلى حظيرة الأسد ثم يأتي من يقول له: لا تليق بكَ الحرية! أنتِ أيتها (النخب) التافهة لا يليق بهذا الشعب الكريم المصابرأن تنتسبي له.


في 14 كانون الثاني «بن علي هرب»... المهم ألا نهرب معه من مواجهة أنفسنا ومن مواجهة استحقاقات التغيير الكبير الذي نمر به دولاً ومجتمعاتٍ وأفراداً..

وإلا سيعود، وسننتظر أجيالاً أخرى حتى يهرب من جديد!.


نظرياً نحن الأكثرية، عملياً أكثرية هذه الأكثرية تصطف مع القاتل أو تقف على الحياد.
إلى أن يتغير هذا الحال نحن ضحايا مجزرة مستمرة.


من يطلب مسامحة المجرم وهو مستمر في إجرامه ما هو إلا مجرم مثله يشجعه على ارتكاب المزيد.


في عمر الشعوب ثمانية أعوام من المحنة لا تكفي لنزع ما زرعته عشرات السنين من أمراض، أو لحصاد ما غرسته المحنة من دروس. الكثيرون ممن استلموا الدفة في المرحلة الماضية لم يكونوا مؤهلين لأننا لسنا في وضع مستقر يوجد فيه شواغر وظيفية يتم فيها اختيار الأكفأ والأكثر إخلاصاً. أصحاب الجرأة ومستعجلو الظهور في البدايات يتقدمون على أهل الخبرة والإخلاص، والتسلق ممكن جداً. لكن الزبد لا يلبث طويلاً، وما ينفع الناس لا يُظهره إلا التقادم، ويوماً بعد يوم تفرز الساحات رجالها ونساءها على كل الصعد، فيكثر الثابتون فيها والداخلون إليها نتيجة إيمان وإعداد ويكثر الخارجون منها بسبب قِصَر نَفَس أو ضعف إيمان. وأخيراً، من يبتغي راحةً فاليأس أقصر السبل.


لماذا نحن مستمرون بها؟
يضع العقل قائمة طويلة من المبررات. أما القلب فيجيب: هو عشق الحرية والكرامة والعاشق لا يحتاج إلى قائمة بأوصاف المعشوق


تحولت الثورة السورية إلى ملهمة للشعوب العربية بدل أن تكون رادعة لهم. لا أدل على ذلك من نزول السودانيين والجزائريين إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم. لن ينزل بشعب ملأ الشوارع ما نزل بالسوريين إلا إذا واجه نظاماً بوحشية نظام الأسد وما أحسب أن في الأنظمة العربية - على بشاعتها - من يوازيه في ذلك. بقي أن يملك المطالبون بحقوقهم بعضاً من شجاعة السوريين الذين قدموا آلاف الشهداء وهم يتظاهرون تحت الرصاص بصدور عارية.


منذ تفتح وعيي على هذه الحياة كان مطلبي الأول بسيطاً جداً ومعقولاً وإنسانياً جداً وكان – وما زال - ملحاً جداً إلى درجة أنني لا أتصور أن حياتي سيكون لها معنى دون السعي إلى تحقيقه. مطلبي كان - وما زال - أن أعيش في بلدي (إنساناً) يُعامل بكرامة فلا يمنعني أحد من التعبير عن رأيي ولا أتعرض للاعتقال أوالتعذيب أوالموت بسبب هذا الرأي. هذا المطلب هو الذي دفع الشعوب العربية للنزول إلى الشارع في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا منذ ثمانية أعوام وفي السودان منذ أسابيع وفي الجزائر منذ أيام. وهو مطلب لن يتوقف حتى يبلغ غايته برغم كل العثرات التي تواجه الربيع العربي منذ تفتحت أزاهيره الدامية!


الرضا بالهوان لا يطيل عمراً والثورة على الظلم لا تعجل أجلاً مكتوباً


أتى الله بنا إلى عالم ظالم ليختبرنا؛ أنغيره أم يغيرنا. نغيره إذ نثور عليه، أم يغيرنا إذ نخنع له ونستكين، والخيار لنا. (ونفخنا فيه من روحنا) هي حرية الاختيار التي ميزنا الله بها عن سائر المخلوقات ويريد الطاغوت أن يسلبنا إياها، وهي التي تمنح الإنسان القدرة على ترتيب الأشياء، ومن دونها يصبح شيئاً يرتبه الآخرون. يريدنا الطاغوت أشياء يتحكم بها لا بشراً تتجلى فيهم روح الله. ثورات عالمنا العربي هي روح الله التي تواجه إرادة الطاغوت وهي منتصرة لا ريب، طال الزمن أم قصر.


تضيع القضية عندما يصبح التاجر سياسياً والسياسي تاجراً!


عمر بوتفيلقة 82 سنة وعمر بشار 53 سنة. كان من الممكن أن يحكمنا بشار ثلاثين عاماً أُخر يحقن خلالها حقده ببطء شديد فيشوه نفوسنا ويدمر أخلاق مجتمعنا ويشده إلى الحضيض بأغلال الخوف والذل والنفاق والفساد. لكن الله قدر هذه الثورة فصب حقده على رؤوسنا دفعة واحدة بطريقة قوّضت دعائم حكمه في الداخل والخارج ووضعته على سكة الزوال.


مطالب الثورة سياسية والتظاهر الذي أشعل نار الثورة كان فعلاً سياسياً. من المؤسف أن يعتزل شباب الثورة السياسة وينغمسوا في أعمال أخرى مهما كانت نبيلة. من دون وعي سياسي يمكّن الشباب من فهم ما يجري في بلدهم واتخاذ الموقف المناسب والتحشيد لهذا الموقف ليؤثر في صانع القرار سيظلون خارج دائرة التأثير في القضايا التي تمس مصيرهم وهل كانت الثورة إلا ليمتلك الشباب القدرة على التأثير وينتقلوا من مفعول بهم إلى فاعلين. ليس مطلوباً من الكل أن يشتغل بالسياسة بمعنى الممارسة الحزبية والمشاركة في العمل السياسي لكن الكل يجب أن يكون لديه الوعي السياسي والفاعلية السياسية. تماما كما هو الحال بالنسبة للطب، فليس مطلوباً من الكل أن يكونوا أطباء ليكون المجتمع معافى من الأمراض، لكن على الكل أن يمتلكوا من الوعي والثقافة الصحية ما يمكّنهم من حماية أنفسهم من الأمراض والحفاظ على حياة صحية. لا تولد الفاعلية السياسية والقدرة على التأثير دفعة واحدة ولا تقدم على شكل (راشيته) جاهزة وإنما تنمو بالتدريج عندما يجعلها الشباب هدفاً بحد ذاته يجتمعون من أجله ويبذلون الوقت والجهد والمال في سبيل تحقيقه.


"الطغاة ضمانة الاستقرار" كذبة ارتفع صرحها في عالمنا العربي ثم انهارت. ما نشهده منذ ثمانية أعوام هو ترحيل أنقاضها من مسرح التاريخ.


بمناسبة جريمة نيوزيلندة التي اقتحم فيها مسلح أحد المساجد وقتل العشرات ... من يقتل العشرات في دقائق بدم بارد لا يعيش عندنا خارج القضبان وحسب، بل يصبح حاكماً طاعته واجبة شرعاً، خللنا الفكري يسفك دماءنا ويعطل انطلاقتنا الحضارية أضعاف ما يفعله حقد الآخرين وازدواج معاييرهم.


الشعب يريد إسقاط النظام
هل ننخرط في نظام فاسد لنغيره من الداخل، أم نتخذ موقف المفاصلة منه وننشئ نظاماً بديلاً عنه؟
مؤيدو فكرة الانخراط في النظام لتغييره من الداخل ينطلقون من افتراض مفاده أن النظام وعاء فارغ إذا (حشوناه) بالجيدين أصبح نظاماً جيداً وهذا افتراض خاطئ. النظام ليس وعاء فارغاً تملؤه بما شئت بل هو بنية مصنوعة للوصول إلى غاية معينة. الساعة بنية مصنوعة لغاية محددة هي قياس الوقت، السيارة بنية مصنوعة لنقل البشر أو البضائع أو للسباق أو لغايات أخرى، تغيير مسنن في الساعة لن يجعل منها شيئاً غير الساعة وكذلك تغيير دولاب في السيارة لن يغير من كونها سيارة. الأنظمة الطاغوتية هي بنى صنعت لغاية محددة وهي تحقيق مصلحة فئة قليلة من البشر على حساب مصلحة الأكثرية، الانخراط في الأنظمة التي صنعت لتحقيق غايات فاسدة لا يغيرها من الداخل بل يعزز هذه الأنظمة ويعطيها الشرعية ويخدر ضمائر المصلحين إذ يقنعهم بأنهم يفعلون شيئاً.
الثورات العربية بشعارها الفطري (الشعب يريد إسقاط النظام) أعلنت الثورة على هذه الأنظمة والقطيعة معها بعد عشرات السنين من التعايش معها تحت شعار (أصلح نفسك فيصلح المجتمع فتصلح الدولة) وهو تصور ميكانيكي ساذج وتبسيط مخل يتجاهل كون الأنظمة بنى محكمة وليست أوعية فارغة.
مساحة التحرك المتاحة لإسقاط هذه الأنظمة المتعفنة ليست في داخلها لأن عفنها سيبتلع كل داخل إليها ويحوله إلى جزء منه. مساحة التحرك هي في الشعوب المقهورة توعية وتحشيداً وتنظيماً حتى تستطيع صنع البديل وإزاحة هذه الأنظمة وهي مساحة تحمل كموناً هائلاً لم يتم استثمار إلا أقله حتى الآن وهي مسؤولية المعارضين السياسيين الذين لم يرتفعوا حتى الآن إلى مستوى التحدي في معظم الدول العربية التي ثارت شعوبها. يحتاج ذلك إلى إيمان بالشعوب، وإلى فهم لطبيعة المجتمعات الثائرة والأنظمة المستبدة والعالم الذي نعيش فيه، وإلى مهارات قيادة وتواصل وتفاوض، وإلى صبر جميل.


حاشا لله أن يأمرنا بالعزة ويسلبنا أدوات تحقيقها. صحيح أننا لا نملك اليوم إلا القليل من أمرنا وأن أوطاننا تُستلب أمام أعيننا، لكننا نستطيع أن نملك أمرنا كله غداً إن ملكنا الإيمان بأنفسنا وإرادة التغيير والعلم اللازم للتغيير. فلا يحقرن أحدٌ كلمةً – عبر العالم الافتراضي أو غيره - تحصّن إيماناً أو تقوّي إرادةً أو توصل علماً.


عدو واضحٌ صادقٌ في عداوته أفضل عندي من ألف حيادي رمادي مخاطي التوجه زئبقي المبدأ منافق عليم اللسان بليد المشاعر يلف ويدور حيثما دارت مصلحته، ولولا كثرة هؤلاء في (الأكثرية) التي أنتمي إليها لما أصبحت مشاعاً للقتل ومكسر عصا لكل من هبَّ ودبَّ.


(الزمن الجميل) في عرف الأحرار هو الزمن الذي يعيشون فيه بكرامة، أما (الغربة) عندهم فهي غربة العيش بين عشاق القيود.


الشعوب العربية من أطيب وأنبه الشعوب على وجه الأرض ولولا الطغاة الذين سلبوها أبسط حقوقها وفرضوا عليها الوصاية الفكرية والسياسية وهندسوا أنظمة تخرج أسوأ ما فيها وتدفن الأجمل لما وصلت الدول العربية إلى هذا الخراب.


انكسر القيد وأصبح لدى شباب سورية الفرصة ليقولوا كلمتهم ويساهموا في صياغة مستقبل بلادهم بعد أن كان ذلك حكراً على عائلة واحدة في سورية كلها. هذه الكلمة يجب أن تُقال الآن وهذه المساهمة يجب أن تُقدم الآن، ولا يجوز في هذه اللحظة التاريخية ترك الساحة السياسية فارغة وأن ينكفئ خيرة شباب سورية وشاباتها عن العمل السياسي بحجة (تشكيل الكتلة الحرجة) فهي تتشكل في أتون هذا العمل لا خارجه، ولا يتناقض ذلك مع تحصيل المعرفة وبناء القدرات وصقل المهارات الفردية والجماعية.
أما الإخوة في الخليج فمعذورون عندما يكون سقف تحركهم (تشكيل الكتلة الحرجة) فالممالك والإمارات التي يعيشون فيها لا تسمح بسقف أعلى من سقف الملك أو الأمير وهذا ما دفعت الثورة السورية في سبيل تجاوزه أنهار الدماء.
لا يقلل ذلك من أهمية أي مبادرة أو مشروع طابعه فكري أو تنموي غير سياسي، ولا يعني لزوم انخراط الجميع في العمل السياسي فهذا يحتاج إلى ميول وقدرات لا يملكها الجميع، لكن ما أخشاه أن تدفن هذه الميول والقدرات عند من يملكها في أعمال أكثر أماناً وأقل خطراً في الوقت التي تحتاج فيها سورية إلى من يقتحم ويبادر ويملأ الفراغ.


ليس اكتشافاً أن عالمنا العربي يعيش حالة تخلف معرفي وإلا لما كنا على هذا الحال. الاكتشاف هو تحليل الحالة ومعرفة أسبابها ومعالجة الأسباب انطلاقاً من الإيمان بأهلية الإنسان العربي وبأنه خلق كغيره من البشر لديه الاستعداد والإمكانية للتطور إذا توفرت له الظروف المناسبة. العزف الدائم على تخلف الأكثرية وبطريقة سلبية تظهر تميز العازف وكيف خصه الله بالفهم من دون الناس هو أمر مستفزّ حقاً. كيف سيؤدي المثقف رسالته في قومه إذا كان يحتقرهم ولا يؤمن بهم؟!


كان البشر يتناقلون المعلومات مشافهة وبالكتابة اليدوية، ثم اختُرعت الطباعة فتضاعفت سرعة انتقال المعلومات إلى الناس، ثم اختُرع الراديو والتلفزيون فتضاعفت سرعة انتقال المعلومات مرة ثانية، ثم اختُرعت وسائل التواصل الاجتماعي فتضاعفت سرعة انتقال المعلومات مرة ثالثة، وستظل البشرية تسرّع وسائل انتقال المعلومات وتطوّرها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
كم ستكون فكرة شاذة وغريبة لو خرج على الناس بعد اختراع الطباعة من يحذرهم من اقتناء الكتب لما يمكن أن تحمله من مفاسد، أو لو خرج عليهم بعد اختراع الراديو والتلفزيون من يحذرهم من اقتناء هذه الأجهزة، ينطبق ذلك على من يحذر الناس اليوم من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لما يمكن أن تحمله من مفاسد!
هذه أدوات تتطور مع تطور البشرية ويمكن أن تحمل المنفعة أو المفسدة والوقاية من مفاسدها لا يكون بمقاطعتها وإنما بملئها بالمحتوى المفيد وتطوير وسائل الاستفادة منها، فأن تعرض تفسير آية قرآنية بشكل بصري جذاب في مقطع يوتيوب لمدة خمس دقائق أدعى لوصولها إلى عقول الناشئة وقلوبهم من أن تطلب منهم قراءتها في تفسير موسع كالطبري مثلاً.


يستغرب أحدهم من غياب الشخصيات القيادية عند ناشئة اليوم ويعزو ذلك إلى تأثرهم بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. في الحقيقة التأثر السلبي بهذه الوسائل ليس سبباً بل هو نتيجة للخلل في بناء شخصية الفتى أو الفتاة، البناء القائم على الوعظ والضبط فقط وهما وسيلتان مفيدتان في بعض الحالات ولكن لا تكفيان لوحدهما ولا تناسبان كل الأعمار. نعم قد يجدي الضبط والمراقبة مع الأطفال ولكن ماذا عندما يشب الفتى ويمتلك حاسوبه وموبايله الخاص؟ ماذا عندما يغادر منزله ليعيش في سكن جامعي أو مع أصدقائه؟
لقد أمّر الرسول عليه الصلاة والسلام أسامة بن زيد على جيش فيه خيار المهاجرين والأنصار وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، ونحن نريد شخصيات قيادية في جو نلقي فيه في روع الشباب والشابات أنهم لا يستطيعون حتى قيادة أنفسهم فنحذرهم من الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي لكي لا يتأثروا سلباً بها!
الشخصية القيادية تتشكل عندما نثق بالشباب فيثقون بأنفسهم، عندما نزودهم بمهارات التفكير الناقد لكي يستخدموا المنطق في محاكمة ما يعرض لهم من أفكار، وبمهارات التواصل مع أنفسهم وفهمها والتحكم بها لكي لا يصبحوا عبيداً لشهوة أو لبشر آخرين، ولا يغني ذلك طبعاً عن التربية الإيمانية التي تزرع حب الله والخوف منه في القلوب.
من منا لم يتسلل الشك إلى نفسه يوماً؟ ومن منا لم تخنه عينه؟ ولأن يعاني الشاب من شك يعقبه يقين، أو من زلة تعقبها توبة، خير من أن نغلق عليه النوافد والأبواب فإذا خرج إلى الحياة غرق بشبر ماء من شهوة أوشبهة، وهو خارج إلى الحياة شئنا أم أبينا، ووسائل التواصل الاجتماعي جزء من هذه الحياة شئنا أم أبينا.
أختم بما ذكره لي أستاذ في علم الاجتماع في دولة غربية أنه لاحظ أن أكثر الشباب العرب المهاجرين تعرضاً للضياع هم الذين جاءوا من بيئات منغلقة.


استشهاد الساروت و(اجتماع السوريين على رجل واحد)
أثار اجتماعُ مؤيدي الثورة على رثاء الساروت وحبه، السؤالَ القديم الجديد الذي ما فتيء السوريون يطرحونه منذ بداية الثورة: لماذا لا يجتمع أهل الثورة على رجل حي يقودها إلى بر الأمان، كما اجتمعوا على حب الساروت الذي مضى إلى رحمة ربه؟ لماذا لا يجتمعون على رجل مثل نيلسون مانديلا الذي قاد نضال شعبه ضد نظام الفصل العنصري في أفريقيا، أو مثل علي عزت بيغوفيتش الذي قاد المعركة العسكرية والسياسية في حرب الاستئصال التي استهدفت شعب البوسنة المسلم؟
وغالباً ما يرد هذا السؤال بصيغة تنبيء عن اعتقاد صاحب السؤال بأن السوريين يحملون خللاً جينياً لا يمكن إصلاحه يمنعهم من الاجتماع على قائد، وهكذا يساهم صاحب السؤال من حيث لا يدري في برمجة العقل الباطن للسوريين على استحالة اجتماعهم على رجل وفي تعزيز الصفة التي ينتقدها فيهم!
هناك ظروف موضوعية تجعل من قيادة السوريين في هذا الظرف تحدياً بالغ الصعوبة يحتاج إلى صفات استثنائية لكنه ليس مستحيلاً، ومما يذلل الصعوبات وعينا بهذه الظروف وبالصفات التي يجب أن يتحلى بها من أراد أن يلعب دوراً قيادياً.
سأتحدث هنا عن صفة واحدة في القائد وهي تحمل المسؤولية وعن ظرف واحد عانى منه السوريون وهو حقبة الاستبداد المظلمة.
هناك مبدأ أساسي في القيادة يقول: القائد يتحمل المسؤولية ويبتعد عن لعب دور الضحية. القائد لا يحمل الآخرين مسؤولية الفشل وإذا لم يصل إلى ما يريد يتحمل مسؤولية ذلك ويطور نفسه ومهاراته وأدواته باستمرار حتى يصل إلى النتيجة المرجوة. لم نر عملاً بهذا المبدأ كما يجب منذ بداية الثورة بل غالباً ما نسب القادة فشلهم إلى تخلف الآخرين وجهلهم.
أما بالنسبة للظرف الذي تعرض له السوريون فقد خضعوا لنظام سحق كراماتهم بشكل منهجي منظم طوال خمسة عقود، كنا في بلد قيمة الإنسان فيه تساوي الصفر! وعندما يُعامل الإنسان على أنه لا قيمة له لفترة طويلة يتولد في داخله شعور دفين بانتهاك الكرامة، وهو شعور يؤدي – عندما يتسع هامش الحرية ويصبح الدفاع عن الكرامة متاحاً - إلى استجابات (حديّة) تعويضية لكل ما يشعر الإنسان أنه ينتهك كرامته وهذا ما يفسر رفض السوريين العنيف لكل قيادة فوقية وهو يُلزم من أراد أن يقود السوريين في هذه المرحلة ببذل جهد مضاعف في التواصل معهم وأخذ آرائهم بعين الاعتبار والإنصات لهم والحوار معهم واحترام عقولهم، لم يحدث هذا كما يجب منذ بداية الثورة حتى اليوم فلماذا نلوم السوريين؟