خواطر 2019 – 2
التخادم الإيراني الأمريكي كان سيستمر على ما كان عليه إلى أن جاءت الثورات العربية فأفسدت الحفلة. المخاض الهائل الذي تعيشه منطقتنا سيشتد على شكل حروب وثورات ستطيح بالمزيد من العروش وتغير الكثير من الخرائط.
الثابت وسط هذه المتغيرات أن مستقبلنا كشعوب تدفع ثمن الخنوع الطويل مرتبط بمستوى وعينا وحركتنا للانتقال بأنفسنا من عبيد إلى مواطنين وبأوطاننا من مزارع إلى دول.
مشكلة بشار ليست مع أمريكا ليكون الحل في سوريا مرتبطاً برفضها أو قبولها له. مشكلته مع 10 ملايين سوري قتلهم وشردهم وهتك أعراضهم. هذا الرجل أصبح رمزاً لقهر السوريين ودوس كرامتهم وسحق إنسانيتهم وأي حل يبدأ برحيله وأي تفاوض يجب أن يكون حول كيفية الرحيل. قبول المعارضة بمرحلة انتقالية يكون بشار جزءاً منها أو قبولها بانتخابات يرشح فيها بشار نفسه يعني إعطاؤه الشرعية السياسية وهو لا يحقن دم السوريين بل يضيع دم مليون شهيد ويفتح شهية بشار وداعميه على مزيد من سفك الدماء. ناهيك عما يستبطنه هذا القبول من إهانة واحتقار للسوريين الذين قدموا كل هذه التضحيات.
الإصرار على ألا يكون بشار جزءاً من الحل ليس شرطاً للجلوس على طاولة المفاوضات وإنما يجب أن يكون جوهر الخطاب السياسي للمعارضة وتصورها للحل ويجب أن تعلن عنه بوضوح وحزم لا يقل عن الوضوح والحزم الذي يبديه الطرف الآخر في خطابه السياسي الذي لا يمل فيه من التصريح بأن بقاء بشار هو جوهر أي حل!
الروس بيحثون عن قديروف سوريا والأمريكيون يبحثون عن كرزاي سوريا والإيرانيون يبحثون عن مالكي سوريا والاسرائيليون يبحثون عن لحد سوريا وحكام الخليج يبحثون عن سيسي سوريا. بشار جمع تبعية قديروف وعمالة كرزاي وطائفية المالكي وخيانة لحد وخسة السيسي لذلك إيجاد البديل مهمة مستحيلة!
أكثر ما يوقع الشعوب في (المجهول) هو الخوف من التغيير والركون إلى واقع سيء خوفاً من (المجهول)!
يتحقق السلم الأهلي عندما يموت أكابر مجرميها في ساحات الإعدام لا على فرش وثيرة
لكل منا نقاط ضعف ولدينا خياران في التعامل معها؛
الخيار الجيد: أن نواجهها بالاعتراف بها ثم بتقويتها أو الالتفاف عليها أو تعويضها بنقاط قوتنا أو تعويضها بنقاط قوة الآخرين أو التعايش معها وتجنب الظروف التي تظهرها.
الخيار السيء: أن نكذب على أنفسنا بإنكار وجودها، أو أن نجبن عن مواجهتها بالهروب من مكان إلى آخر!!
أفضل أن نسمي منطقة الراحة comfort zone التي يتم التحذير من التعلق بها (منطقة توهم الراحة) فالسعي لبلوغ الراحة النفسية والحرص على البقاء فيها مطلب كل إنسان طبيعي. المشكلة هي في الراحة المتوهَّمة بالتعلق بفكر أو سلوك خاطئ يؤدي الخروج منه إلى راحة حقيقية.
من يؤمن بأهله وبناسه وبأن شيئاً جميلاً يكمن في دواخلهم وبأن مهمته استخراج هذا الجميل لا يكل ولا يمل ولا ييأس ولا يستسلم لأنه يوقن أن ما يقوم به إما أن ينجح في استخراج هذا الجميل أو أن يفشل فيكون درساً يتعلم منه ويتعلم الآخرون ما يقربه ويقربهم خطوة من استخراجه.
الظروف التي اجتمعت على الشعب السوري تكفي لتدمير أي شعب مادياً ومعنوياً ومع ذلك تترسخ قناعتي أنه شعب جبار أصيل كريم يحب من يحترمه ويفي لمن يعطيه ويقدر من يصدق معه، وأن شأناً عظيماً ينتظره عندما يفرز قيادة راشدة حليمة تحترم إنسانيته وتعرف كيف تخرج أفضل ما فيه.
أكبر تحدٍ يواجه اليوم المؤمنين بقيم الحرية والعدالة والكرامة الذين ثاروا على النظام المجرم هو تحدي التنظيم. أن ينظم أصحاب الأفكار الواحدة والقيم المشتركة والكيمياء الشخصية المتناغمة أنفسهم في أحزاب ذات امتداد شعبي وبنى مؤسساتية يقودها متخصصون متفرغون. السعي إلى انتظام الجميع في حزب واحد ليس واقعياً ففي أكثر الدول عراقة في الديمقراطية يوجد من المحافظين عدة أحزاب وكذلك من الليبراليين، لذلك ليس مستهجناً أن تظهر على الساحة السورية خمسة أو ستة أحزاب تعبر عن التيار المحافظ (أو الإسلامي) ومثلها من التيار الليبرالي. التنوع الموجود في المجتمع السوري يسمح بهذا التعدد بل أراه ضرورياً لإدارة الاختلافات خصوصاً بعد عقود من القحط السياسي. ثم تدخل هذه الأحزاب في تحالفات عريضة من أجل تحقيق الأهداف الوطنية التي لا يستطيع أي منها تحقيقها لوحده. هذا هو الطريق الطبيعي لانتاج قيادة فعالة للمعارضة من تحت إلى فوق بدلاً من القيادة الحالية المفروضة من أعلى وبدلاً من المؤتمرات والتجمعات العامة التي تعقد من حين إلى آخر ولا تنتج أكثر من البيانات بغض النظر عن الحيثية الاجتماعية والسياسية للشخصيات المشاركة فيها.
أصابتنا عقود الخنوع وسحق الكرامة الممنهج بتشوهات نفسية وفكرية وسلوكية تتبين شدتها يوماً بعد يوم، لا يزيدنا ذلك إلا إصراراً على معالجتها حتى نعود أسوياء كما أراد الله لنا ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، تلك الإرادة ستتحقق بي وبك أو بآخرين يحبهم ويحبونه.
نفشل في خطط ظننا أننا أحكمناها وننجح في فرص عرضت لنا على شكل رزق أتانا من حيث لا نحتسب. نعتقد أننا فهمنا لنكتشف أن الحياة لغز لا يفك أسراره إلا من أبدعها. ونمضي في دروب العمر كالبذرة تحمل في داخلها صفات ثمرة لا تدرك شكلها الأخير إلا حين القطاف.
على مسرح التاريخ يختلف الإخراج من زمن إلى آخر لكن اللاعبين شاءوا أم أبوا يتحركون وفق السيناريو الذي يرسمه مكر الله ومن هذا المكر أن السلام والاستقرار لا يُبنيان على أنقاض الشعوب، وأن حبل الكذب ينقطع في النهاية مهما طال شدُّه، وأن منظومات الظلم والتكاذب تحبل بما يقوّض وجودها في آخر المطاف. لم تتوقف عبر التاريخ حروب لم يتخيل أحد بشاعتها، ولم يتوقف عبر التاريخ انهيار أنظمة لم يتخيل أحد زوالها، ولن يتوقف ذلك في أي زمان ومكان يوجد فيه ظلم شجع عليه الرضا بالظلم. هذا ما يهمنا كشعوب، كيف نبني الثقافة والمنظومات السياسية التي ترفض الظلم والعدوان داخلياً كان أم خارجياً، ما سوى ذلك تفاصيل.
لمن يرى أن تشكيل أحزاب في هذه المرحلة يشرذم المعارضة أو أنه ترف لا ضرورة له نحن لم نصل إلى مرحلة (التشرذم) بعد! هذه مرحلة متقدمة، نحن ما زلنا في مرحلة (التذرر) حيث كل شخص هو ذرة تسبح لوحدها دون أن تدخل في تشكيل مركب مفيد، علينا أن ننتقل من التذرر إلى التشرذم حتى نتمكن من وضع تصور للوحة النهائية التي يمكن أن تصنعها الأجزاء (المتشرذمة) ..
العطالة التي يعاني منها مجموعة أفراد لديهم إمكانيات شخصية هائلة علاجها عمل مؤسساتي يحول التنوع بينهم إلى تكامل وغنى يصب في تحقيق أهداف المؤسسة، بعد ذلك يأتي التحالف بين المؤسسات التي تعمل في نفس المجال لكي تستطيع تحقيق أهدافها التي لا تستطيع تحقيقها منفردة. ينطبق ذلك على كل المجالات بما فيها السياسي.
معجزة الإسلام الثانية بعد القرآن أنه حول العرب من قبائل متناحرة إلى أصحاب حضارة بكل ما شابها من عيوب تنم عن بشرية أصحابها ولا تمس بالمثل الأعلى الذي كان يشدهم إلى فوق وكانوا يتنقلون بين صعود وهبوط بمقدار الاقتراب منه أو الابتعاد عنه. المسلمون اليوم في الحضيض لابتعادهم عن المثل الأعلى ومن أهم أشكال هذا الابتعاد هذا الفهم المشوه للإسلام الذي حوله من أكبر قوة محرّرة في تاريخ البشرية إلى مطية للظالمين وألقى في روع الشعوب المسلمة أنهم خُلقوا ليعيشوا قطعاناً لا تتقن إلا المديح والتصفيق، وأنه في اللحظة التي ينادي فيه الشعب بإنسانيته وكرامته ويُنزل الحاكم من منزلة الإله الذي لا يُسأل عما يفعل إلى منزلة البشر الذي يُسأل ويُحاسَب ويُستَبدل، يجوز للحاكم أن يريق دمه ذبحاً وباسم الله!!
لنسبة لي هي ليست "موضة" أبدلها عندما ينتهي أجلها، ولا "فزعة عرب" أهبّ إليها عندما يهبّ الآخرون وأعرض عندما يعرضون، ولا فرصة لمنصب أو ظهور أنتهزها لأرمم عقدة نقص في داخلي، ولا وظيفة أستقيل منها عندما أتعب، ولا "تجرة" أتركها عندما أجد ما يُربح أكثر منها ...
بالنسبة لي هي أسلوب حياة درجت عليه منذ استدعتني آنستي في الصف السادس الابتدائي إلى غرفة (الموجّهة) بعد موضوع كتبته عن "الظلم" في حصة التعبير لتنبهني إلى الخطر الذي سيهددني وعائلتي إذا كتبت مرة أخرى مثل هذه الأشياء، ومنذ كنت في الثمانينات أيام القمع الشديد أبحث عمن يشبهني في كره الظلم والقرف من الخنوع لنشكل (مجموعة) تعارض الأسد سرّاً ولو بأدواتنا البسيطة ومفاهيمنا العفوية، ومنذ كتبت قبل ثلاثين عاماً قصيدة "وصية خروف إلى ابنه" و"وصية ليث إلى ابنه" وغيرها من القصائد في دواوين خمسة كانت وما زالت ممنوعة من الدخول إلى سوريا، ومنذ شاركت في إعلان دمشق واعتقلت مع مجموعة من قيادته لعامين ونصف وخرجت لأكتب في اليوم التالي مقالاً أؤكد فيه عشقي للحرية لي ولكل السوريين ..
الثورة على الظلم وكره الخنوع ودحض مبرراته وحب السوريين والإيمان بهم وبأهليتهم للحياة الحرة الكريمة والاستعداد للتضحية بكل شيء حتى ينالوا هذه الحياة هو مبدأ وشرف وأسلوب حياة بالنسبة لي وطريق لا أحيد عنه ولو كنت وحدي، وأعنيها حرفياً بإذن الله: ولو كنت وحدي ..
لكنني لست وحدي في هذا الطريق وخصوصاً بعد قيام الثورة المباركة هناك ألوف مؤلّفة وبإذن الله تعالى لن يطول زمن قبل أن نجد بعضنا بعضاً ونجمع أصواتنا ونضم جهودنا وننظم صفوفنا ونري الله منا ونري السوريين ما يحبه الله ويحبه السوريون ...
نحن بحاجة إلي سياسيين يفهمون ألاعيب السياسية ودهاليزها ويعرفون كيف يستخدمون مفرداتها وأدواتها، وفي الوقت نفسه يحملون روح ثورتنا بعنفوانها ومبادراتها وإبداعاتها ومفاجآتها، سياسيين يشبهون مظاهراتنا الأولى لا الكراسي التي يجلسون عليها!
الإصلاح
التدريجي للأنظمة التي تحكم منطقتنا من عباد القبور أوعباد القصور وهمٌ ووهمٌ
ووهمٌ،
أنظمة لا يقتلعها إلا الطوفان، سواء جاء على شكل
ثورات أو انقلابات أو حروب،
حقيقة صعبة ومؤلمة لكنها الحقيقة.
يتمنون ألا يزول الطاغية خوفاً من الأسوأ. سورية مشروع أرض محروقة ما دام بشار إلهاً فوق أي انتقاد وأي أمان في أي بقعة منها هو أمان مؤقت حتى يعود السوريون عبيداً لله لا لبشار. تكرراسم فرعون في القرآن الكريم 74 مرة لأن الله علم خطر الفراعنة على هذه الأمة فأخبرها ألا نجاة إلا بخوض البحرإلى شاطئ الحرية، مهما كان الهول والخطر!
في منطقتنا يتصارع مشروعان: مشروعهم؛ تجارة بالدين والمقاومة، وكفر بالشعب يؤدي إلى سحق إرادته وفرض الوصاية عليه، وفراعنة ملتصقون بالكراسي إلى الأبد يعبّدون البشر لأنفسهم من دون الله، مشروع قتل وسحل وتعذيب وموت ودمار. ومشروعنا؛ دولة عدل وقانون، وأناس أحرار لا يحنون رأسهم إلا لله، وإيمان بالشعب يؤدي إلى تمكينه وإطلاق طاقاته، وحكام موظفون عند الشعب ينتظرون هل يمدد لهم أم يستبدلهم عند كل انتخابات، مشروع استقلال وحضارة وكرامة وبناء.
الأكثرية السنية ذات التجربة المدنية المتجذرة في عمق التاريخ المرتكزة في محور المدن الممتد من درعا إلى حلب عبر دمشق وحمص وحماة واللاذقية هي الحامل الأساسي لأي مشروع وطني سوري جامع وهي عامل الاستقرار المستدام في سورية والمنطقة وهي الخميرة الحضارية القادرة على إنضاج مشروع حضاري إنساني يحتاجه العالم وليست منطقتنا وحسب. من دون تمكين هذه الأكثرية سياسياً وأخذها لحقوقها كاملة كبقية السوريين ستظل سورية والمنطقة بأسرها ساحة صراعات لا تنتهي وكرة نار متدحرجة.
لا ينزل الناس إلى الشوارع ويضحون بسلامتهم وأرواحهم من أجل الخبز وإنما من أجل كرامتهم المهدورة. نعم قد يكون الخبز هو القطرة التي بسببها تفيض كأس الشعوب على شكل ثورات، لكن كأس الشعوب لا تفيض إلا بعد أن تمتلئ مرارةً وقهراً عبر سنوات من امتهان انسانيتها وهدر كرامتها.
وأنا في الثانية والخمسين ما زلت أكتشف جديداً في نفسي يمنحني فهماً لما استغلق عليّ فهمه أو رؤية جديدة للأمور. لحظات (الاستبصار بالذات) هذه تكشف أمامك فجأة وبضربة واحدة مساحات خفية هائلة من ذاتك أو تمنحها شكلاً مختلفاً. هي روح الله التي نفخها في الإنسان وهي من أسعد لحظات الحياة وأغناها.
يقول علماء النفس إن المخاوف التي يحملها الإنسان في داخله ولا يتجرأ على البوح بها تتحول في عقله الباطن إلى عقد وأمراض نفسية وإن البوح بهذه المخاوف والحديث عنها صراحة وعلانية هي أول أساسيات العلاج والشفاء، ينطبق ذلك على الأفراد كما ينطبق على المجتمعات التي تحرم الحديث عن المظالم التي تعرض لها أكبر مكوناتها وعن المخاوف التي يحملها هذا المكون.
يريدنا البعض باسم الحفاظ على المشاعر الوطنية ألا نقول إن الأكثرية السنية في سورية تعرضت طوال العقود الماضية للتهميش والإقصاء، أمر يعرفه كل سوري بالبديهة ولا يحتاج إلى ذكر نسب الانتماء الطائفي للممسكين بالقرار السياسي والعسكري وأصحاب الثقل الاقتصادي في البلاد، ولا ينفيه بعض الديكور من الشخصيات السنية هنا وهناك، ولا ينفيه أن هذا الغبن كان يتم بمباركة ثلة من مشايخ السنة المنافقين. باسم الحفاظ على المشاعر الوطنية أيضاً يريدنا البعض ألا نقول إن الأكثرية السنية هي التي دفعت الثمن الأكبر في هذه الثورة تدميراً وقتلاً وتهجيراً وجرحاً واعتقالاً وأنها تشعر اليوم بتهديد وجودي بسبب التغيير الديموغرافي الذي تتولى كبره إيران.
الحديث عن الظلم الذي تعرضت له هذه الأكثرية والمطالبة باستعادة حقوقها ليكون لها حقوق بقية المكونات السورية لا أكثر ولا أقل ليس مظلومية سنية ولا طائفية سياسية ولا تشدد ولا تعصب ولا غباء سياسي بل هو أساس المصارحة التي ستقوم عليها سوريا الجديدة المعافاة من المظالم والأحقاد وهو المصل الواقي من استمرار منهج الأسدية في رفع الشعارات الوطنية وتمرير المشاريع الطائفية تحتها. يحترمنا العالم عندما نحترم أنفسنا بالمطالبة بحقوقنا والتصريح عن مخاوفنا وليس بالتذاكي والتقية السياسية وأن نُسمِع الآخر ما يحب سماعه وأن نغير جلدنا حتى يرضى عنا، وما هو براضٍ.
الصبر في قصة أيوب لم يكن كلماتٌ للمواساة أو لتخدير النفس بتمنيتها بثواب آجل، ولم يكن بكائية عن عظم البلاء تردح بلوم الآخرين وتآمر العالم وتمارس دور الضحية. الصبر في قصة أيوب كان ركضاً نحو أسباب العلاج (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) ص 42 والركض يرمز إلى حركة سريعة لا تتوقف، حركة متصاعدة في الفكر والجوارح تتقدم باستمرار في فهم النفس والعالم وفي البحث عن الفرص في المصائب وعن المنح في المحن وعن النمو في مواجهة التحديات، هو صبر الأفراد والشعوب وهم يعبرون هول الولادات الجديدة، عندها تأتي المكافأة، لا تجاوزاً للابتلاء وحسب، بل كسباً مضاعفاً لمعارف وخبرات وطاقات وإمكانيات ما كان ليخرجها إلا الابتلاء (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ص43
العمل السياسي والعمل الاجتماعي
لا شك أن هناك تقاطع بين السياسي والاجتماعي من حيث أن المشروع السياسي يحتاج إلى حامل اجتماعي ومن حيث أن السياسي هدفه خدمة المجتمع في نهاية المطاف. لكن لا يجوز الخلط بين السياسي والاجتماعي من الناحية التنظيمية والمؤسسساتية، فالمؤسسة السياسية غير المؤسسة الاجتماعية، هما مختلفان في الأهداف والوسائل وفي المهارات التي يحتاجها العاملون في هذين النوعين من المؤسسات بل إن الخصائص النفسية عند المهتمين بالعمل السياسي تختلف عن مثيلاتها عند المهتمين بالعمل الاجتماعي.
أتفهم أن الخلط المتعمد بين الاجتماعي والسياسي يلجأ إليه البعض لتخفيف الرهبة والنفور المصاحبين للدعوة إلى العمل السياسي المجرد بسبب كثرة المشاريع السياسية الفاشلة، وقد يكون حيلة نفسية غير واعية يلجأون إليها لتجاوز آثار راضة تعرضوا لها بسبب اندراجهم في مشاريع من هذا النوع، لكن هذا لا يبرر عدم تسمية الأمور بأسمائها. الخلط التنظيمي والمؤسساتي بين السياسي والاجتماعي يعيق الإنجاز في كلا المجالين.
من أراد ألا يخطئ أبداً عليه ألا يعمل شيئاً، ومن أراد ألا يتعثر أبداً عليه ألا يمشي خطوةً، ومن أراد ألا يتلقى أيَّ طعنةٍ من أمامه أو من خلفه عليه أن يبقى في آخر الصفوف.