خواطر 2021-1
صحيح أن هناك مساحة واسعة من تدخل الدول في قضيتنا وأن هوامش تأثيرنا فيها ضيق، لكن تحديد هذه الهوامش واستثمارها إلى أقصى حد ممكن هي الطريقة الوحيدة لتوسيعها باستمرار وهذه هي المهمة الرئيسية للقائد السياسي في هذه المرحلة. أما عندما نقول: إن القضية خرجت من أيدينا واصبحت بأيدي الدول فنحن نلغي هذه الهوامش بإرادتنا ونجعل أنفسنا أدوات لتلك الدول.
ماذا يعني (مبادرة سياسية)؟
أي (مبادرة سياسية) يجب أن تناقش مع أصحاب العلاقة وعلى رأسهم السوريين أنفسهم ثم مع الدول المعنية بالملف السوري. يحتاج ذلك إلى عشرات ورشات العمل واللقاءات المكوكية مع المختصين والناشطين وأصحاب التأثير في المجتمع السوري، تتم فيها بلورة المبادرة وتعديلها مرات ومرات حتى تنال موافقة المعنيين بها وتصبح قابلة للتطبيق. بعد مرحلة إنضاج المبادرة وبلورتها تأتي مرحلة التسويق لها من خلال عشرات الندوات واللقاءات الشعبية حتى يتم تبنيها من قبل أصحاب القضية، وأخيراً تأتي مرحلة الإعلان الرسمي عن المبادرة والتحشيد الواسع لها بعد أن استوفت شروط نجاحها. أما يقوم به بعض (النخب) من تداول بعض الأفكار فيما بينهم على وسائل التواصل الاجتماعي ثم تسميتها (مبادرة سياسية) ثم اتهام الآخرين بقصر النظر لأنهم لم يستجيبوا لـ(مبادرتهم) فهذا من العبث السياسي الذي ابتلينا به منذ بداية الثورة.
في غربتي قد أعاني من العنصرية. في بلدي العنصرية هي القانون
في غربتي قد يسرق الآخرون تعبي. في بلدي يرغمني السارق أن أدفع له وأنا أبتسم
في غربتي قد أكون مواطناً من الدرجة الثانية، في بلدي أنا لست مواطناً، أنا لا شيء
في غربتي قد أموت وحيداً، في بلدي أستجدي حقي في الحياة من رجل أمن مخمور
غربتي على قسوتها جنة، ما دامت بلدي حظيرة يحكمها أخس البشر
(الدولة الحديثة) والأمم المتحدة مخترعات حديثة نسبياً توصلت إليها البشرية بعد تجارب مريرة تراكمت عبر آلاف السنين مرت فيها البشرية بحروب ونزاعات محلية وعالمية ودفعت فيها مئات الملايين من الضحايا. هذه التجارب لم تكن حكراً على الحضارة الغربية بل ساهمت فيها كل الحضارات الشرقية والغربية بأقساط متفاوتة وهي لن تتوقف على الشكل الحالي بل ستستمر بالتطور ما دامت هناك حياة على هذا الكوكب وما دامت البشرية تتطور في علومها الطبيعية والإنسانية وفي منتجاتها من وسائل اتصال ونقل وتحليل للمعلومات وذكاء اصطناعي وعلوم ومنتجات أخرى غير موجودة اليوم ستكون موجودة في المستقبل.
(الدولة الحديثة) والأمم المتحدة لم تحقق العدالة ولم ترفع الظلم عن البشر، هي حمت البشرية من الفناء فيما لو ظل العالم بما يملكه الآن من وسائل تدمير يعمل بالطريقة ذاتها التي كان يعمل بها قبل آلاف السنين يوم كانت الامبراطوريات تنتهي حدودها عند النقاط التي تصل إليها جيوشها. في نصف القرن الذي قضيته على هذا الكوكب انهارت دول ونشأت دول أخرى وتغيرت كثير من الخرائط وسيتغير الكثير، كل هذه مقدمة لأقول: الدولة الحديثة والأمم المتحدة بأشكالها الحالية ليست أشكال ناجزة مقدسة من تنظيم الاجتماع الإنساني لا يجوز نقدها وتطويرها، بل إن الأزمات التي يعيشها العالم اليوم والفرص التي يتيحها تطور العلوم ووسائل الاتصال والنقل تجعل تطويرها أمراً حتمياً.
نحن المسلمون أصحاب حضارة وقيم عالمية، وسيكون لنا دور كبير في المساهمة بعملية التطوير تلك بشرطين: أن نخرج من حالة الانبهار والتقديس للدولة الحديثة بشكلها الحالي، وأن نملك هامش حرية في بلادنا يسمح لنا بإنضاج تجربتنا وتقديم مساهمتنا الحضارية.
العيش في المخيمات لا يتفق وكرامة الإنسان مهما توفر فيها من خدمات. اليوم الذي تطوى فيه آخر خيمة لسوري يجب أن نجعله عيداً وطنياً وأن نعمل جميعاً للوصول إلى هذا اليوم في أقرب وقت ممكن.
تتعدد خطوط الصراع في سورية وتتداخل غير أن خطاً واحداً هو الذي حرك الخطوط كلها وحسمه هو الذي سيحسمها جميعاً في نهاية المطاف. إنه الصراع بين من يريدون سورية بلد قانون وحريات وعدالة وكرامة يحكمها بشر كبقية البشر يخضعون للمساءلة والمحاسبة تأتي وتذهب بهم صناديق الاقتراع، ومن يريدونها مزرعة يملكها أنصاف آلهة يحكمونها إلى آخر لحظة في حياتهم ويعيشون فوق أي مساءلة أو محاسبة.
من يجرد الناس من كل أمل لا يختلف عمن يخدعهم بالأمل الكاذب كلاهما يأخذهم إلى الهلاك. المطلوب توصيف الواقع بدقة والبحث عن فرص الارتقاء به مهما كانت ضئيلة أو صنعها إن كانت معدومة. من يقول باستحالة ذلك كأنه يقول: الحياة لا معنى لها وأكثر هؤلاء ضرراً من جعلوا زرع اليأس قضيتهم في الحياة!
نظام الأسد يتعفن تدريجياً ولحظة انهياره آتية وسورية الأسد التي جعلها مزرعته الخاصة تتعفن معه وتنهار وهذا مصير الأنظمة التي تقوم على عبادة الفرد عبر التاريخ. أما المستقبل فهو رهن بنا نحن السوريون والاصطفاف هنا واضح وبسيط: سوريون يؤمنون بمستقبلهم انطلاقاً من إيمانهم بالله وبأنفسهم وبأهليتهم للحياة الحرة الكريمة هؤلاء سيبعثون سورية الجديدة من وسط الألم والدمار ولن تزيدهم التحديات والصعاب إلا عزماً وإصراراً، وسوريون يعتقدون أنهم لا يستحقون أفضل من العيش في حظيرة الأسد سيقبعون في ظلمات الماضي يشتمون الثورة ويتسولون عودة التاريخ إلى الوراء ويندبون أيام (العيش الجميل).
اللحظة التي نزل فيها ملايين السوريين إلى الشوارع مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة هي لحظة تاريخية فارقة في حياة السوريين ومؤسسة لعقد اجتماعي جديد تشغل فيه الحرية والكرامة والعدالة مساحة واسعة تساوي مساحة الدم الذي دفعه السوريون مقابل هذه القيم.
يريدنا البعض أن ننسى هذه اللحظة التاريخية وننعي الثورة السورية ونبكي على أطلال الحرية والكرامة التي لم نحصل عليها. لا يا أيها السادة! صحيح أن الثورة لم تحقق أهدافها بعد لكن النظام وداعميه لم ينجحوا أيضاً في وأدها. ومازال العالم حائراً في التعامل مع ملايين السوريين الأحرار الذين يؤثرون العيش في المخيمات والمهاجر وتحت القصف وبين المفخخات على العودة إلى حظيرة الأسد. (الموت ولا المذلة) الذي رفعه السوريون كان أصدق شعار رفعه شعب على وجه التاريخ، ولا يسمى ذليلاً من يؤثر الشقاء في المخيمات والشمال السوري ودول اللجوء على العودة إلى حظيرة الأسد بل هو عزيز ابن عزيز يدفع ضريبة كرامته.
المطلوب اليوم أن نجعل الثورة السورية العظيمة التي قام بها ملايين السوريين منعطفاً تاريخياً في حياتنا نحو آفاق الحرية والكرامة والعدالة وأن نخصّب بأفكارنا وسلوكنا المعاني والقيم الإنسانية التي أطلقتها حتى يصل إشعاعُها إلى كل جوانب حياتنا. وأن نراجع أخطاء ثورتنا وننتقدها ونجددها - ولن نكون ثواراً بحق إن لم نفعل – دون أن نتخلى عنها ونعلن موتها وهي لم تزل حية تُرزق وتؤرّق كل طغاة الأرض
في أن (السوريين يحطمون قاداتهم)!
يلوم البعض السوريين لأنهم لا يجتمعون على قائد، علماً بأن الابتعاد عن اللوم ولعب دور الضحية هي من أهم صفات القائد وخصوصاً في هذه المرحلة من حياة السوريين.
نعم توجد عند السوريين مشكلة في القدرة على منح ثقتهم للآخرين ويسهل عليهم الاتهام دون دليل، لكن المشكلة الأكبر هي عدم وجود قيادات تتفهم أسباب هذه المشكلة وبالتالي تعرف كيف تعالجها.
الشخصية السورية سحقتها عقود الإذلال الممنهج وحرمتها فرصة التطور الطبيعي في أجواء الحرية واحترام الكرامة لذلك لم تزل شخصية هشّة انفعالية شديدة الحساسية وخصوصاً عندما تشعر أن هناك من يخدعها أو يفرط بحقوقها أو لا يتعامل معها باحترام ولو لم يكن هذا الشعور مبيناً على حقائق. هناك سبب آخر وهو حجم المعاناة التي عاشها السوريون في السنوات العشر الأخيرة من قتل وحصار وتشريد وهي معاناة جعلت السوريين حديين في مواقفهم ومشاعرهم، تكتمل الصورة عندما نأخذ بعين الاعتبار فشل الأشخاص الذين تصدوا لقيادة السوريين في المرحلة الماضية في تحقيق أي إنجاز يوازي تضحيات السوريين العظيمة.
يحتاج السوريون اليوم إلى قادة حقيقيين يصدقون معهم أولاً، ثم يتحملون مسؤولية كسب ثقة السوريين واحترامهم ولا يرمون هذه المسؤولية على السوريين! قادة يدركون حجم المعاناة والإحباط الذي يعاني منه السوريون، فيبذلون جهداً مضاعفاً في التواصل معهم وأخذ آرائهم بعين الاعتبار والإنصات لهم واحترام عقولهم. قادة يصبرون على ما قد يصدر من السوريين من سوء فهم ويعالجونه بمزيد من التواصل وليس بمزيد من التعالي واتهام السوريين بأنهم السبب في فشل قاداتهم!
القادة الوهميون هم من يحطمون السوريين اليوم وليس السوريون من يحطمون قاداتهم!
أفضل حياة قصيرة وعزيزة على حياة طويلة وذليلة وأعمل وغيري من السوريين الأحرار للوصول إلى سورية الجديدة التي لا يضطر فيها أبناؤنا وأحفادنا إلى هذا الاختيار
بالتأكيد توجد عيوب في الديمقراطيات الغربية لكن في هذا الزمن من يكتب كلمة تنظر عن عيوب الديمقراطيات الغربية ولا يتبعها بمئة كلمة تحرك العقول والقلوب للإطاحة بالديكتاتوريات العربية هو مجرد إبرة بنج تخفف عن العبيد ألم الذل والهوان
لا أيها السادة المحبَطون، لسنا أقل منكم إدراكاً لعظم التحديات التي علينا مواجهتها في أنفسنا وفي العالم إذا أردنا أن نكون أحراراً. كل ما في الأمر أن عزائمنا في السنوات العشر الماضية كانت تكبر بمقدار ما كان إدراكنا لهذه التحديات يكبر ولهذا بقيت جذوة الأمل فينا. تفاؤلنا يصدر عن علو همة وعمق إيمان لا عن قلة وعي وضعف إدراك
تميزت حواضرنا الكبرى بالقدرة على الجمع بين الأصالة التاريخية والانفتاح على العالم. مدن مثل دمشق وحمص وحلب استوعبت عبر التاريخ موجات المهاجرين من أرمن وشركس وكرد وتركمان دون أن تتخلى عن أصالتها التاريخية وفي الوقت نفسه دون أن تلغي الخصوصيات الثقافية والدينية واللغوية لهؤلاء المهاجرين بل حولتهم إلى جزء من تلك الحواضر يزيد حالة الخصوبة والغنى والتنوع التي تتميز بها. هذا التوازن الخلاق بين الحفاظ على الأصالة التاريخية والانفتاح على العالم ربما لا مثيل له في التجربة الإنسانية وهو اللون الحضاري الذي تتميز به الأكثرية في هذه المنطقة وهو يهدد كل القوى التي تناقضه، إما تناقض أصالته التاريخية باستلابها للآخر وافتقارها إلى الجذور أو تناقض انفتاحه على العالم بانغلاقها العرقي أو الديني أو الطائفي الذي يعيش على استعداء الآخرين مدفوعاً بعُقدِ نقص أو تفوق مَرَضية. هذا اللون الحضاري الأصيل المنفتح هو ما أراد حكم الأسد الأقلوي إلغاءه متواطئاً مع كل القوى التي تناقضه وهو اللون الذي قال عنه لافروف في بداية الثورة بوضوح تام (لن نسمح للسنة أن يحكموا سورية)!
يحتاج نجاح الأعمال الجماعية إلى مزيج متناغم من مهارتين أساسيتين: الإبداع والإنصات
الإبداع؛ لأننا نواجه مشاكل مركبة معقدة متجددة تحتاج حلولها إلى عقول مبدعة قادرة على كسر القوالب النمطية في التفكير، وكسر القوالب النمطية في الفهم والتشخيص أهم من كسرها في إيجاد الحلول لأن الاستعصاء في حل المشاكل يكون غالباً بسبب خطأ التشخيص وليس خطأ العلاج.
والإنصات؛ لأن مشاكلنا تحتاج إلى جهود جماعية وعندما يعمل الناس معاً تتنوع وجهات النظر وهذا طبيعي وصحي فلا بد من الإنصات إذا لتحويل هذا التنوع إلى فرصة لتخصيب الأفكار والخروج بأفكار أفضل. كيف نخرج من فكرتين متناقضتين بأفكار جديدة أفضل منهما وتزيل التناقض؟ مرة أخرى نحتاج إلى الإبداع، قد لا يكون الأمر ممكناً دائماً، لكنه يستحق المحاولة دائماً.
الرد على الحجة يكون بدحضها، أما اتهام صاحب الحجة بأنه يهاجم الآخرين أو يشيطنهم أو أن لديه أسباباً شخصية فهذا ليس رداً، هذه قنابل دخانية يلقيها البعض ليغطوا عجزهم عن الرد.
تزداد حريتنا كلما زاد تحملنا للمسؤولية، وتقل كلما لعبنا دور الضحية وألقينا اللوم على الآخرين. البرهان رياضي بسيط: عندما نفشل في مواجهة تحدٍّ ما، إما أن نلوم الآخرين ونتوقف عن المحاولة وعندها نكون قد منحنا أنفسنا خياراً واحداً في مواجهة هذا التحدي، أو أن نتحمل مسؤولية الفشل ونحاول بطريقة ثانية وهنا إما أن ننجح أو أن نفشل، فإذا فشلنا إما أن نلوم الآخرين ونتوقف عن المحاولة وعندها نكون قد منحنا أنفسنا خيارين فقط أو أن نتحمل مسؤولية الفشل ونحاول بطريقة ثالثة وهكذا. يتوقف عدد الخيارات عند الحد الذي نتوقف فيه عن تحمل المسؤولية ونبدأ بلوم الآخرين. الخيارات الجديدة تعني أن نتعلم أموراً جديدة ونقيم علاقات جديدة ونكتسب مهارات وخبرات جديدة وهذه بدورها تمنحنا مزيداً من الخيارات وبما إن حريتنا تزداد كلما ازدادت خياراتنا فإن تحملنا للمسؤولية هي الطريقة الوحيدة لنصبح أكثر حرية. لقد تحرر الكثيرون منا من قبضة النظام الأمنية ولم يعد القيد الخارجي هو الذي يحد من حريتنا بل قيودنا الداخلية وأكبر هذه القيود لعب دور الضحية ولوم الآخرين والظروف من حولنا بدل تحمل المسؤولية في مواجهة ما نمر به من تحديات.
بمناسبة الذكرى العاشرة لمظاهرة الحريقة وهتاف (الشعب السوري ما بينذل)
كانت مظاهرة لم يخطط لها أحد، تجمع الناس بشكل عفوي، معبرين عن رغبة فطرية عند السوريين في أن يكون لهم صوت بعد أن حرمهم نظام الأسد من أصواتهم طوال عقود طويلة. وهي الرغبة الفطرية النبيلة ذاتها التي دفعت السوريين إلى الشوارع في الأشهر والسنين التالية ليقوموا بثورة تظل من أشرف الثورات التي عرفها التاريخ برغم كل من ركبوها وشوهوا صورتها.
أما شعار (الشعب السوري ما بينذل) فهو لم يخرج من غرفة اجتماعات حزبية ولم يبتكره كاتب من خلف شاشة الحاسوب هو أيضاً شعار فطري عفوي يعبر عن شعور السوريين في تلك اللحظة ومعناه (كفانا ذلاً! آن لنا أن نخرج من حظيرة الأسد). كل الأثمان التي دفعها السوريون بعد ذلك ليست نتيجة للثورة ودوافعها النبيلة الصادقة والتي ما تزال تتحرك في قلوب وعقول الملايين، وإنما نتيجة لأمرين: أولهما، تآمر القوى العالمية التي سلطت هذا النظام على الشعب السوري حتى لا يطالب بالحرية في يوم من الأيام، وثانيهما: الأمراض الأخلاقية والاجتماعية التي ترسخت في نفوس السوريين نتيجة العيش الذليل الذي فرضه عليهم نظام الأسد طوال عقود مديدة. الثورة فعل بشري لا يخلو من الأخطاء وهي تحتاج إلى مراجعات وتصويبات دائمة أما الذين يلمزون من الثورة وشعار (الشعب السوري ما بينذل) بالقول إن السوريين أذلوا بعد الثورة أضعاف ما أذلوا قبلها، فهم لا يدركون أننا ندفع فواتير السكوت على نظام الأسد والرضى بالذل في العقود الماضية، وهي فواتير كنا سندفعها أضعافاً مضاعفة لو تأخرت الثورة عقوداً أخرى.
أصدقاء لنا كانوا في مظاهرة الحريقة وصفوا مشاعرهم عندما هتف أحدهم بشكل عفوي (الشعب السوري ما بينذل) فردد الجميع وراءه بحماسة بالغة النظير ممزقين صمتاً وخوفاً ملأ قلوبهم لعشرات السنين. يعيب البعض على السوريين أنهم خرجوا بثورة لم يكونوا (مهيأين لها) فكرياً وأخلاقياً ويستشهدون بما أظهرته الثورة من عيوب فكرية وأخلاقية. يغفل هؤلاء عن حقيقة هامة وهي أن الأخلاق لا تُبنى عندما تكون الأعناق مغلولة بنير العبودية والفكر لا يتطور عندما تكون الأفواه مكمومة وما كان للسوريين أن يتخلصوا من عيوبهم الفكرية والأخلاقية تحت بسطار الأسد بل كانت تزداد وتتعمق. الوعي بأهمية الحرية هو الشرط الأول لاستدراك أشكال الوعي الأخرى والاستعداد للتضحية في سبيلها هو الفضيلة الأخلاقية الأولى التي تهيئ الجو لنمو بقية الفضائل. وهذا ما يدركه الطغاة جيداً فلا يمنعون الحديث عن الوعي بشرط ألا يشمل الوعي بأهمية الحرية ولا يمنعون الوعظ الأخلاقي بشرط ألا يتطرق الواعظون إلى خلق العزة الذي يمنع صاحبه من الخضوع لغير الله. الثورة كانت (خطوة الهول) العظيمة التي أقدم السوريون عليها حتى يعبروا إلى مستقبل أفضل.