cover

خواطر 2021-2

عندما تفكر مجموعة من البشر بشكل خاطئ، هناك احتمالان لا ثالث لهما: إما أن هذا التفكير نتيجة جهل وهذا يعالج بالتعليم، أو نتيجة خلل بنيوي في عقول أفرادها لا يمكن إصلاحه وهنا لا يجدي التعليم شيئاً ويصبح توصيف هذه المجموعة بأنها لا تفهم ولن تفهم توصيفاً واقعياً.
أن يخلق الله مجموعة من البشر وعندها خلل بنيوي في التفكير لا يمكن إصلاحه ثم يطلب منها التفكير الصحيح هذا ظلم أو عبث حاشا لله أن يتصف بهما، إذن الاحتمال الثاني غير وارد عند الإنسان المؤمن.
بقي الاحتمال الأول، وهذا يُعالج بالتعليم وليس بالتوصيف، أن نشرح للناس في كل مرة لماذا هذه الفكرة خاطئة لا أن نكتفي بالقول أنتم تفكرون بشكل خاطئ، وأن نكرر ذلك في كل مرة نواجه فيها فكرة خاطئة، أعرف ما يقتضيه ذلك من صبر وجهد ووقت لكن هذه هي الطريقة الوحيدة لرفع وعي المجتمعات وتعليمها التفكير الصحيح بشكل تدريجي ومتراكم، بدلاً من الاكتفاء بنعتها بالجهل والغباء والعاطفية وغياب العقل.


في نفوس الناس استعدادات متساوية للشر والخير، للانحطاط والسمو، للكراهية والحب، ولولا هذا التساوي في الاستعدادات لكان الخالق ظالماً حاشاه.
الحياة ليست وردية ولا يجوز إغفال الجانب المظلم في نفوس الناس (لست بالخب ولا الخب يخدعني) لكن التركيز عليه في نظرتنا إلى الآخرين يجعل علاقاتنا ثقباً أسود يبتلع بحوراً من النور ويضيع ألوف الفرص.
كم من شخص كرّهنا بأنفسنا وآخر حببنا بها لأن الأول كفر بإمكانياتنا والآخر آمن بها. ما نؤمن بوجوده في الآخرين ونركز على إطلاقه في تعاملنا معهم هو ما يصنع الفرق في نفوسهم ونفوسنا أيضاً (قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها).
بالنسبة لي هذا ليس له علاقة بتفاؤل أو تشاؤم، هو حقيقة من حقائق الحياة لا أتحدث عنها وحسب وإنما أعيشها يوماً بيوم.


من يسألني عن سبب تفاؤلي ..
عارضت هذا النظام منذ فتحت عيني على هذه الدنيا، وجاهرت بمعارضتي له يوم كانت المجاهرة بذلك تعتبر ضرباً من الجنون. نقطة الخلاف الجوهرية بيني وبين هذا النظام، هو أنني أؤمن بأهلية السوريين للعيش الحر الكريم بينما هو لا يؤمن بذلك ويعتقد أن السوريين لا يساقون إلا بالعصا. إيماني بأهلية السوريين للعيش الحر الكريم لم يتزحزح قيد شعرة على مر السنين بل زادته الثورة السورية يقيناً ورسوخاً عندما رأيت التضحيات العظيمة التي يقدمها السوريون في سبيل حريتهم وكرامتهم.
ليس لدي أي شك في أننا نحتاج إلى تغيير ثقافي عميق حتى ننهض ويكون لنا مكان بين الأمم، لكن ليس لدي أي شك في أن هذا التغيير يستحيل البدء به تحت أقدام الطغاة وكان لا بد من ثورة مهما كان ثمنها حتى ننتزع هامش حرية نبدأ به التغيير. الثورة أظهرت ضريبة السكوت على الظلم وأظهرت عيوبنا الثقافية والأخلاقية بأكثر الأشكال إيلاماً حتى تستنهض كل ما فينا من طاقات لنبني مجتمعاً خالياً من الظلم نتخلص فيه من هذه العيوب.
القناعات لا تتغير بمحاضرة أو مقالة أو منشور، تغييرها يحتاج إلى جهد مستمر وعمل تراكمي وإلى تكرار وحوار وتواصل وبناء للثقة وأن يكون صاحب القناعة قدوة للآخرين في العمل بمقتضى قناعاته والبذل والتضحية في سبيل ذلك.
المخاطر جمة والواقع معقد والعقبات كبيرة، في الوقت نفسه الساحة مفتوحة والفرص هائلة والتربة خصبة والنفوس متعطشة، والسوريون يحتاجون إلى من يحبهم ويحترمهم ويحاورهم ويصبر عليها ليردوا له الجميل أضعافاً مضاعفة حباً واحتراماً وتفهماً وليكتشف أن أفضل استثمار هو الاستثمار في رفع وعي السوريين لكن هذا الاستثمار يحتاج إلى من يؤمن بهم أولاً.
باختصار، هذا وقت العمل وليس لدينا ترف الوقت للحديث عن تفاؤل أو تشاؤم!


الإنسان المليء الذي يشعر بأن قيمته تأتي من داخله، من مبادئه وقيمه، يكون المنصب عنده وسيلة لا غاية، لا يقبل به إلا بمقدار ما يخدم المنصب المبدأ ويتركه بسهولة عندما يقتضي المبدأ ذلك.
أما الإنسان الفارغ الذي يشعر بأن قيمته تأتي من خارجه، من المنصب واللقب والمظهر، فالمنصب عنده غاية لا وسيلة، يتمسك به ويبيع كل المبادئ والقيم في سبيل الحفاظ عليه!


هل فعلاً نحن لا نعرف ماذا نريد؟!!
من الأفكار الزائفة التي كنت أرددها كثيراً كغيري وتخليت عنها منذ وقت قريب، الفكرة التي تقول: نحن الذين خرجنا في هذه الثورة نعرف ما لا نريد لكن لا نعرف ماذا نريد!
ما دفعني إلى مراجعة هذه الفكرة هو أنني سألت نفسي: لماذا خرجتُ في هذه الثورة؟ وما هو شكل سورية الجديدة التي أريد؟ فتداعت إلى ذهني مباشرة الصور التالية:
أريد إذا جاء أحد لاعتقالي أن يفعل ذلك في وضح النهار، وبمذكرة قضائية، وأن احتجز في غرفة تتوافر فيها الشروط الآدمية وأعامل خلال التحقيق والاعتقال كإنسان …
أريد عندما يقدم ابني على وظيفة ألا يأخذ مكانه من هو أقل كفاءة منه لأنه ابن المسؤول الفلاني ..
أريد أن تذهب الضريبة التي أدفعها من جيبي إلى خزينة الدولة لتنفق على شكل خدمات لي ولكل السوريين وليس إلى جيوب عائلة الأسد وأزلامهم ..
أريد وأريد وأريد .. وجدت أنني أستطيع أن أصف سورية الجديدة التي أريد بصور واضحة تفصيلية ومن دون تفكير كثير.
صرت بعدها أسال الذين خرجوا في هذه الثورة أن يعطوني صوراً عن سورية الجديدة التي ثاروا من أجل الوصول إليها ومن دون تفكير كثير، فإذا بهم يعطونني صوراً غاية في الوضوح، وهي متشابهة عند الجميع!
جربوا هذا التمرين البسيط في أي مجلس يجتمع فيه السوريون الأحرار: أن يُطلب من كل شخص الحديث عن سورية الجديدة التي يريد، بأن يصف الصور التي تتداعى إلى ذهنه مباشرة ومن دون تفكير! ستجد أصحاب هذا المجلس يرسمون معاً مشهداً واضحاً لسورية التي يريدون وسيرتسم المشهد ذاته في كل مجلس وستجد أن السوريين يتفقون على 90% من شكل سورية الجديدة.
نعم نحن نعرف ماذا نريد وبالتفاصيل المملة، نريد بلد العدالة والقانون، بلد المؤسسات واحترام كرامة الإنسان.
فلنركز أعيننا على الهدف حتى لا نضيعه مهما كان الطريق إليه طويلاً ومليئاً بالعقبات والمتغيرات.


قبل آذار 2011 كانت فكرة العيش تحت حكم قائم على عبادة الفرد هي الممكن الوحيد عند أكثرية السوريين، اليوم أصبحت هذه الفكرة عندهم بحكم المستحيل. هذا التغيير الهائل في الوعي الذي هو الشرط الأول للحرية ما كان ليحدث في هذه المدة القصيرة لولا الثورة السورية.


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) المجادلة 11
مفهوم (التفسح) هنا أي إتاحة المجال للآخرين ليأخذوا مكانهم ويساهموا كغيرهم يتجاوز المجالس إلى كل شؤون العمل العام وهو يقلب العلاقات بين الأفراد والمجموعات رأساً على عقب، فبدلاً من النظرة المقيدة إلى الآخر على أنه سيأخذ مكاننا ويضايقنا وبالتالي علينا ألا نفسح له مجالاً، وأن نتضايق من نجاحه ونعتبره تهديداً لنا، يدعونا القرآن إلى نظرة أخرى تحررنا عندما نعتقد أن المكان ذاته سيصبح أكثر سعة إذا أتحنا المجال للآخرين (يفسح الله لكم)، وهذا هو الفرق بين عقلية الندرة scarcity mentality القائمة على حب احتكار الساحة وادعاء الأفضلية وعقلية الوفرة abundance mentality القائمة على الفرح بالتعدد والتنوع واعتباره إغناء للساحة وتكاملاً في الجهود.
لا يستطيع مركز دراسات واحد ولا تيار سياسي واحد ولا منظمة مجتمع مدني واحدة أن تسد الثغرات الواسعة في الساحة السورية، ولن نستطيع بناء سورية الجديدة من دون عقلية الوفرة القائمة على الثقة بالنفس والثقة بالسوريين الذين نزعم أننا نختلف عن النظام بإيماننا بهم وبما يملكون من طاقات وإمكانيات هائلة لا تستطيع جهة واحدة أن تحتكرها!


(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) البقرة 264
كل عطاء يصاحبه شعور بالفوقية والمن على الآخرين يبطل أثره الإيجابي في نفوس الناس، لأن الناس سيلمسون هذا الشعور عاجلاً أم آجلاً فيتحول العطاء إلى سبب لفقد المصداقية من حيث أراد صاحبه أن يكون سبباً لبنائها.
الشعور بالفوقية لا يُعالج بالمجاملات على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المجالس العامة،لأن الأيام ستفضح صاحبه من خلال أفعاله ومواقفه ومن خلال ما ينفلت من لسانه كاشفاً دخيلة نفسه عند انفعاله وفي جلساته الخاصة.
الشعور بالفوقية يُعالج بمراجعة صادقة للقناعة التي يصدر عنها، القناعة بأن السوريين خُلقوا هَمَلاً متخلفين وبأن الله استثنى صاحب هذا الشعور من بين الملايين. الشعور بالفوقية يُعالج باستحضار حقيقة أنه لولا الثورة ولولا تضحيات السوريين الذين يتكبر عليهم صاحب هذا الشعور ربما ما كان ليحظى اليوم بعشر معشار ما يملكه من مكانة ومال وعلاقات.
لا يعني ذلك أن السوريين لا يحتاجون إلى عمل كثير لتمكينهم من تجاوز ما تركته فيهم عقود الاستبداد من تجهيل، لكنه عمل يجب أن ينطلق من الحب لهم والتواضع أمامهم والإيمان بهم لا من استصغارهم والتعالي عليهم.


تحنُّ عيوننا كبقية البشر إلى المكان الذي نشأنا فيه وتهفو قلوبنا نحو أيامنا الأُوّل،
لكن (الزمن الجميل) في عرفنا نحن الأحرار هو زمن العيش بكرامة،
وغربتنا على قسوتها أخف على أرواحنا بألف مرة من غربة العيش بين القيود،
وإنا لعائدون بإذن الله، إلى وطن جديدٍ لا إلى مزرعة الأسد


الانسجام بين شخصين شعور يحتاج إلى وجود مشترك بينهما، قد يكون المشترك صفات أو قناعات أو ميول أو خبرات وأحياناً يكون نقاط ضعف أو آلاماً أو أشكال معاناة. لا يعني الانسجام بين شخصين التشابه بينهما بل قد يملكان صفات متناقضة، لكن المشترك بينهما يكون أعمق من التناقض الظاهر.
لا شك أن وجود الانسجام ييسر العمل الجماعي لأنه يسهل التواصل وبناء الثقة ويساعد على غفران الزلات في العلاقة عند حدوثها، لكن يتعذر في أغلب الأحيان وجود هذا الشعور بين جميع أعضاء الفريق لأنه يتعذر إيجاد المشترك الذي يصنع الانسجام بين كل عضوين منه.
غياب الشعور بالانسجام لا يعني الشعور بالنفور ولا يُشترط لنجاح الفريق الشعور بالانسجام بين جميع أعضائه، شرط النجاح هنا هو وجود هدف مشترك وعلاقات عمل واضحة متفق عليها والتزام بهذه العلاقات واحترام متبادل وصراحة في التعبير عن المشاعر بشكل لائق عندما يشعر أحد الأعضاء بانتهاك هذا الاحترام.


تكمن عظمة الإنسان في قدرته على الاختيار .
اختيار رؤيته للغاية من الوجود، ولغاية وجوده في هذ الوجود .
وبناء على ما سبق اختيار المعارك التي يخوضها، والأسئلة التي يطرحها ويبحث عن إجابات عليها.
قدرة الإنسان في كل لحظة على أن يخطو إلى الخلف ويختار، فلا ينجرف ضمن خيارات الآخرين ومعاركهم وأسئلتهم هي وظيفة الروح الرئيسية التي نفخها الله فيه. الروح التي تخلق، أي تصنع الجديد الذي يغيّر، يغير النفس والعالم باستمرار تغييراً لا يقتصر على أعمارنا المحدودة.
كلما أدرك الإنسان حرية الاختيار هذه ومارسها بمسؤولية، حقق وجوده الروحي الخاص وأوجد معنى لحياته ولامس السعادة الحقيقية.


"قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً" قالها موسى للخضر عليهما السلام مستنكراً
"فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً" أجابه الخضر موضحاً
العبرة من القصة لكل من يريد أن يكون له دور سياسي في #سورية_الجديدة ينسجم مع مبادئ الثورة وأولها احترام كرامة السوريين أن يشرح للسوريين خياراته السياسية وإن عارضوها لأول وهلة، كما شرح الخضر لموسى، فالسوريون لهم عقول تعي وتدرك، وأن يستقوي بهم، بعد توعيتهم وتنظيمهم، أمام الدول من أجل تحقيق هذه الخيارات، فالثورة قامت لتكون للسوريين كلمتهم لا للوصاية عليهم تحت أي مبرر.
الأمر يحتاج إلى الكثير من التواصل والصبر والتنظيم وبناء الثقة مع الناس، لكنه الطريق الوحيد لإكساب السوريين الثقة بالنفس والوعي والقدرة على التنظيم التي يحتاجون إليها للدفاع عن حقوقهم.


أحجار على رقعة الشطرنج!
نعم هم يخططون ويتآمرون، ولكن عندما تأخذ الأمور منحى ليس في صالحهم يعدلون خططهم بسرعة لكي يستفيدوا من التغيرات الحاصلة ويحوّلوها إلى صالحهم، فنعتقد أنهم هم الذين خططوا لهذه التغيرات لأنها صبت في صالحهم! والحقيقة أنها صبت في صالحهم لأنهم يفكرون بطريقة (كيف نحول الصعوبة إلى فرصة) أما نحن فنفكر بطريقة (هذه الصعوبة مخطط لها ولا نستطيع أن نفعل حيالها شيئاً لأننا مجرد أحجار على رقعة الشطرنج، تلك العبارة التي كنت أسمعها كثيراً في صغري من الكبار حولي) وهكذا تتفلت الفرص من بين أيدينا ويستفيد منها أعداؤنا ويترسخ لدينا الوهم بأننا مجرد ألعوبة في أيديهم لا نملك من أمرنا شيئاً.
على سبيل المثال؛الثورات العربية التي خرجت فيها الشعوب العربية عن صمتها وبدأت تطالب بحقوقها ليس في صالح المتكبرين في الأرض، لذلك دوائرهم البحثية والسياسية تعمل ليل نهار لحرفها عن مسارها وأخذها إلى حيث تخدم مصالحهم. نجاحهم أو فشلهم في ذلك ليس قدراً مقدوراً وإنما يعتمد على وعينا وإصرارانا وإيماننا بما أودعه الله فينا من قدرات وإمكانيات. أول خطوة لكي تجعل من شعب ما حجراً على رقعة شطرنج هي أن تقنع أفراده أنهم كذلك


على مسرح التاريخ ما من سياق يطابق سياقاً آخر بشكل تام، دائماً هناك تشابهات وفروقات، وبمقدار ما ندرك الفروقات ونعرف كيف نستفيد منها تتحول أحداث الماضي إلى دروس تعلمنا كيف نحدد خيارات الحاضر التي تجعل مستقبلنا أفضل. هذه هي طريقة التفكير التي جعلت أمماً قبلنا تطوي صفحة من تاريخها وتبدأ صفحة جديدة.
على سبيل المثال: سورية اليوم هي غير سورية الثمانينات وهي غير الجزائر التسعينيات وهي غير فلسطين الأربعينيات وهي غير العراق عام 2003، نعم هناك تشابهات لكن هناك فروقات كثيرة داخل سورية وخارجها سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتكنولوجية يمكن أن تجعل المآلات مختلفة تماماً ولصالحنا إذا أدركنا هذه الفروقات وعرفنا كيف نستفيد منه
نعم، يجب أن نستفيد من هزائم الماضي، لكن عدم إدراك الاختلافات بين الماضي والحاضر يحرم عقلنا الواعي من رؤية الفرص التي يحملها الحاضر والاستفادة منها، والأهم من ذلك أنه يبرمج عقلنا الباطن على التصرف كمهزومين!


طريقان لمن أراد أن يمارس السياسة في الساحة السورية:
الطريق الأول
الحرص على تلبية رغبات الدول أكثر من الحرص على تحقيق مصلحة السوريين والكولسة والتمسك بالمنصب والتدليس على الناس لتمرير التنازلات المجانية والتفرد بالقرار وادعاء احتكار الفهم والافتقار إلى المؤسساتية في العمل السياسي واعتقاد المرء بأنه المخلص الذي يجب على السوريين السير خلفه دون سؤال.
الطريق السهل المألوف المطروق بكثرة لأن مكاسبه كبيرة وسريعة لكنه لا يغير الوضع الذي ثرنا عليه وإنما ينتج قطعاناً جديدة ورعاة جدد!
الطريق الثاني
جمع الناس على رؤية وطنية وتوعيتهم وتدريبهم وتنظيمهم ليكون لهم صوت وتأثير والاستقواء بهم في وجه الدول والإيمان بهم إيماناً يطلق طاقاتهم والعمل بروح الفريق والإيمان بحكمة المجموعة وبناء المؤسسة السياسية التي تحكمها النظم والقوانين ولا يعتمد وجودها على شخص أو أشخاص وتوعية الناس لكي لا يوقعوا على بياض ولا يسلموا زمامهم لمن لا يحترم إرادتهم.
الطريق البكر الشاق الطويل الذي يتجنبه الكثيرون لأن مخاطره عالية ومعوقاته كثيرة لكنه يبني ثقة السوريين بأنفسهم ويحقق نقلة نوعية في وعيهم تمكنهم من إطلاق إمكانياتهم وتحطيم قيودهم مرة واحدة وإلى الأبد.


في ظل الفراغ الذي تعيشه المنطقة العربية والذي أنتجته عقود الاستبداد التي عطلت إمكانيات المجتمعات العربية وأخرجتها من التاريخ، وإلى أن تتمكن هذه المجتمعات من العودة إلى التاريخ والفعل الحضاري بعد توفر الشرط الأساسي لذلك وهو استعادة حريتها وحقوقها، تلك الاستعادة التي بدأت مسيرتها بالثورات التي اندلعت في المنطقة العربية منذ شباط 2011، ستتدافع القوى الإقليمية والعالمية لملء هذا الفراغ وستصبح المنطقة العربية ساحة صراع بين مشاريع هذه القوى في ظل غياب المشروع السياسي الحضاري الخاص بسكان المنطقة.
هذه مرحلة لا بد منها والأسوأ فيها لما يأت بعد، وليس فيها مكان للكلام الإنشائي الذي يبيع الناس الوهم والأمل الكاذب على الشاشات ولا للكلام المحبط الذي ينطلق من الكفر بشعوب المنطقة وبأنه لا خيار ثالث أمامها غير الاستبداد أو الاحتلال وما كان عليها أن تفكر بالحرية يوماً!
هذه مرحلة لا بد منها والأسوأ فيها لما يأت بعد، لكن ما يقصر مدتها ويقلل كلفتها هو ظهور قيادات سياسية واجتماعية تراهن على الشعوب وتوعيتها وتنظيمها وتركز على التواصل الصادق معها أكثر من تركيزها على التواصل مع القوى الاقليمية والدولية اللاعبة في المنطقة.
لا يعني ذلك تجاهل هذه القوى وعدم أخذ مصالحها بعين الاعتبار، لكن هناك فرق في أن يكون الرهان على القوى الاقليمية والدولية ويكون التسابق لشغل الأدوار التي ترسمها، أو أن يكون الرهان على شعوب المنطقة ويكون التنافس في توعيتها وتنظيمها وكسب ثقتها وخصوصاً ثقة الشباب الذين أطلقوا الثورات العربية والذين سيشقون طريقهم ويجترحون الحلول لو توفرت لهم قيادات تؤمن بهم وبطاقاتهم الهائلة وتعرف كيف تخرج هذه الطاقات وتستثمرها.


واجبة ومباركة ومحمودة الهبةالشعبية لنصرة أقصانا، لكن ما أنا متأكد منه أنه لن يعود حتى تصبح قدسية كرامتنا كشعوب لا تقل عن قدسية أقصانا، وأن يصبح واجب الانتصار لهذه الكرامة والتضحية في سبيل انتزاعها من براثن الحكام المستبدين واجباً واضحاً كوضوح واجب الانتصار للأقصى والتضحية في سبيل انتزاعه من براثن الصهاينة المحتلين.


من يقاطع مسرحية الانتخابات من أهلنا الرهائن لدى النظام وهو يعلم أن هذه المقاطعة لن تضره بشيء فهو إنسان عادي يقوم بواجبه الأخلاقي.
ومن يقاطع المسرحية وهو يعلم أن هذه المقاطعة قد تعرضه للمساءلة فهو يمارس أعظم الجهاد عند الله وهو بطل أخلاقي آثر تحمل نتائج المقاطعة على أن يساهم في مسرحية – وإن كانت نتائجها محسومة - تشرعن بالقوة والكذب والزور المسؤول عن قتل مليون سوري وتدمير مدنهم واعتقال شبابهم واغتصاب نسائهم.
ومن ينتخب بشار لأنه مجبر على ذلك ولا يتحمل نتائج المقاطعة من انقطاع رزق أو اعتقال أو غير ذلك، فينتخب وقلبه مليء بالحزن والحسرة والألم وهو يدعو الله أن يهلك هذا المجرم وأن يغفر له ذنبه فهذا نترك أمره لله ونسأل له المغفرة.
أما من ينتخب بشار مقتنعاً بما يقوم به ودون أي شعور بالذنب فهذا مجرم عتل زنيم شريك بشار وعصابته في القتل والتدمير والاغتصاب والتهجير يُتقرب إلى الله في هذه الأيام الفضيلة باستمطار اللعنات عليه وإن صلى وصام وإن صلى وصام وإن صلى وصام.


لماذا لا يجلس شباب الأقصى في بيوتهم ويتركون المستوطنين ليمارسوا طقوسهم فيحقنون دماءهم فالعين لا تقاوم مخرزاً؟! هكذا كان (العقلاء) يقولون لشبابنا الذين نزلوا إلى الشوراع يوماً مدافعين عن كرامتهم وكرامة كل السوريين.
الجواب الذي لا يعمى عنه صاحب ضمير وعقل سليمين: لأنه عندما يُعتدى على المقدسات سواء كانت مسجداً يدوسه اليهود أو كرامة ينتهكها الظالمون ولا يوجد من يدافع عنها عندها سيتجرأ المعتدي أكثر وعندها نصبح أمام خيارين: إما الدفاع عنها بكلفة أكبر ودم أكثر، أو الاستسلام للمعتدي فينتهي وجودنا الروحي كأمة لها هوية وكرامة ومقدسات، ويمسخنا الله قردة وخنازير نأكل ونشرب ونتناسل بلا روح ولا معنى ولا رسالة.


أتأمل في أعمار وأشكال الشباب المرابطين في الأقصى فأجدهم أشبه بشباب الثورة في سورية. شباب غير مؤدلج منفتح على عالمه وعصره وفي الوقت نفسه غير منسلخ عن دينه وثقافته وتاريخه. شباب تجاوز عطالة الأحزاب التقليدية، يحب الحياة بمقدار ما يكره الذل والاستكانة، ويرفض الاستسلام للواقع وأن يرهن مستقبله للقيود التي فتح عينيه على الدنيا وهي تكبله.
نهوض بلادنا رهن بنشوء حركات سياسية واجتماعية تفهم روح هؤلاء الشباب وروح العصر الذي يمثلونه وتمنحهم المساحة التي يحققون فيها ذواتهم ويطلقون طاقاتهم.


الخوف من الفشل مطلوب حتى نعد للنجاح عدته لكن الكثير منه يقعد بصاحبه. الكمال لله وحده، ومن لا يمشي لا يتعثر ومن لا يتعثر لا يتعلم كيف تستقيم خطاه، وأسوأ ما في الأمر أنه يتحول إلى عثرة في هذا العالم المتحرك!