خواطر 2023-4
البشر عوالم وبعض العوالم متوازية لا تلتقي مهما امتدت
سلطة المجتمع والسلطة الحاكمة
الخطيب الذي يقول كلمة الحق على المنبر دون أن يخشى بعدها عزله عن الخطابة
وصاحب الرأي الذي يكتب منشوراً أو مقالة دون أن يخشى بعدها جهازاً أمنياً يستدعيه ويطلب منه محو كتابته والتوقيع على تعهد بأن لا يعيدها مرة أخرى
والإعلامي الذي ينقل الحقيقة دون أن يخشى بعدها اعتقاله وسحب بطاقته الإعلامية
والنقابات التي تمارس حقها في تنظيم أمور المنتسبين إليها والدفاع عن حقوقهم دون أن تخشى سلطة تصادر منها هذا الحق وتجعلها تابعة لها
والمنظمات الحقوقية التي ترصد الانتهاكات وتوثقها وتكشفها دون أن تخشى اعتقال ناشطيها وإغلاق مكاتبها
والمنظمات والمبادرات المجتمعية التي توعي الناس بحقوقهم وتعلمهم كيف يدافعون عنها دون أن تخشى من يراقبها ويضيق عليها
والمفكرون الذين يقدمون المحاضرات ويشاركون في الندوات دون أن يخشوا من يلاحقهم ويقول لهم ما الذي يجب أن يقولوه وما الذي يجب ألا يقولوه!
هذه كلها أمثلة عن قوى المجتمع الحية التي تشكل سلطته الفعلية التي تحميه من تغول السلطة الحاكمة عليه
لا تقوم دولة من غير سلطة حاكمة تحتكر استخدام القوة لكن هذه السلطة يجب أن تخضع لسلطة المجتمع حتى تعمل لصالحه وحتى لا تتحول إلى سلطة أقلية تفرض وصايتها على المجتمع وتعمل لصالح هذه الأقلية على حساب الأكثرية
سلطة المجتمع هذه لا تملك القوة المادية وإنما تملك القوة الأخلاقية والسلطة المعنوية التي تضبط أداء السلطة الحاكمة التي تملك القوة المادية، وهي بهذا المعنى ليست عدواً للسلطة الحاكمة وإنما مكملة لها وضابطة ومصوبة لأدائها
عندما تكون السلطة الحاكمة عادلة لا تخشى سلطة المجتمع بل تحترمها وتعتبرها عامل تقييم وتصويب تساعدها على النجاح وعلى كبح جماح الرغبة في الاستئثار والاحتكار التي تصيب كل من يمسك بالسلطة إذا لم تكن هناك سلطة فوقه تراقبه وتحاسبه وهذه هي الطبيعة البشرية التي تطغى عندما تجد نفسها مستغنية عن المراقبة والمحاسبة (إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى)
وماذا عندما يكون المجتمع في حالة ثورة ومواجهة مع نظام مستبد؟! ألا يجب أن يتخلى عن حقوقه وسلطته لأنه (لا صوت يعلو على صوت المعركة؟!) على العكس تماماً، سلطة المجتمع هي التي يقوم المستبدون بقمعها وتعطيلها ومن أجل استردادها تقوم الثورات ومنها ثورة السوريين التي بدأت قبل اثنتي عشرة عاماً، في حالة الثورة تشتد الحاجة إلى بناء النموذج الذي يستعيد فيه المجتمع سلطته فهذا النموذج هو الذي يخرج من المجتمع أفضل ما فيه ويمكّنه من المقاومة والصمود في حربه مع المستبد، إن النفوس التي تعيش منكسرة أمام مستبدين صغار لا يمكن أن تصمد في مواجهة المستبد الأكبر
(سنفور معارض)
يوجد في كثير من المجموعات شخص أو أكثر ينطبق عليهم هذا الوصف، ينظر السنفور المعارض إلى الأمور من زاوية مختلفة عن تلك التي ينظر منها أغلبية المجموعة، آراؤه وإن ظهرت غريبة لأول وهلة إلا أنه قد يتبين بعد تمحيصها ونقاشها أن فيها الصواب أو جانباً من الصواب غاب عن بقية أفراد المجموعة،
برأيي وجود سنفور معارض في أي مجموعة عامل إيجابي لأنه يحرض على التفكير بطريقة مختلفة، ويبقي المجموعة في حالة تحفز وديناميكية واستعداد دائم لمناقشة أي فكرة مهما كانت غريبة وهذا يهيئ المجموعة لانتاج أفكار أكثر وأفضل
لكن لكي يتحقق الأثر الإيجابي لوجود سنفور معارض يجب توافر الشروط التالية:
- ألا تكون المعارضة بهدف المعارضة فقط أو لإظهار التميز ولفت النظر وإنما عن قناعة حقيقية بالفكرة
- أن تكون الثقة موجودة بينه وبين أفراد المجموعة
- في مرحلة النقاش يجوز طرح كل الأفكار ومناقشتها ولكن عند اتخاذ القرار من قبل المجموعة سواء بالتوافق أو التصويت يجب الالتزام به، وهذا هو الفرق الجوهري بين العمل الجماعي والعمل الفردي
أخيراً استخدمت عبارة (سنفور معارض) لأنها مستخدمة في بعض المجموعات والبعض يجدها لقباً محبباً من باب الفكاهة لكن البعض ينزعج منها ويعتبر فيها نوع من الإساءة وفي هذه الحالة يجب تجنبها
(الحياة ليست أبيض وأسود) يقولها البعض ليبرروا مواقفهم المائعة!
الرد عليهم يكمن في الاستعارة ذاتها. نعم الحياة ملونة بكل الألوان بما فيها الأبيض والأسود، وعدم رؤية هذين اللونين الأساسيين لا يقل تشويهاً لصورة الحياة عن عدم رؤية بقية الألوان
عندما كنا صغاراً كنا نلعب لعبة (وصل النقاط) حيث كانت مجلات الأطفال تحتوي صفحة عليها نقاط مبعثرة نصلها ببعضها البعض فيظهر لنا شكل، بيت أو شجرة أو غير ذلك.
رحلتنا في الحياة ونحن نكتشف أنفسنا والعالم تشبه هذه اللعبة، حيث الأحداث المتفرقة كالنقاط المبعثرة نربطها ببعضها البعض فيظهر لنا شكل ما. مثلاً، تصرفات شخص ما نفسرها بطريقة معينة ولكن عندما نربطها ببعضها البعض يظهر لنا جانب من شخصيته كان خفياً عنا فنفسرها بطريقة أخرى، حتى تصرفاتنا ومشاعرنا وردود أفعالنا لا تساعدنا على فهم أنفسنا عندما ننظر إليها كنقاط مبعثرة ولكن عندما نربطها ببعضها البعض تكشف جانباً من شخصيتنا كان خفياً عنا، ينطبق ذلك على ظواهر اجتماعية وسياسية تتضح صورتها في أذهاننا عندما نربطها ببعضها البعض.
أحياناً نحمل صوراً ذهنية خاطئة لأننا توقفنا عن عملية الاكتشاف والربط تلك، تماماً كما يحدث لو توقفنا في لعبة (وصل النقاط) مبكراً وتوهمنا أن النقاط التي وصلنا بينها عبارة عن عمود بينما لو تابعنا الرسم لاكتشفنا أن هذا العمود هو جذع شجرة أو رقبة زرافة!
هذا الاستعداد النفسي والذهني لاكتشاف الجديد الذي يتضح مع الزمن وتغيير الصور الذهنية تبعاً لذلك يعطينا المرونة اللازمة لفهم أنفسنا والعالم بشكل أفضل.
من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" حديث شريف
يحدث أحياناً أن أحدنا يطرح فكرة أو يبدأ مشروعاً أو يعمل بأسلوب مختلف فيجد آخرين أخذوا فكرته أو بدأوا مشروعاً مشابهاً أو اتبعوا أسلوبه في العمل
تكون ردة الفعل الأولية الانزعاج وكأن الآخرين أخذوا منك شيئاً، لكن بقليل من التفكير والعودة إلى المبادئ يتحول الانزعاج إلى شعور بالرضا بل بالفخر لأنك ربما ألهمت الآخرين السير في الدرب الذي بدأته (أقول ربما لأن التشابه قد يكون مجرد صدفة!)
ثم تكتشف أن هذه طبيعة الحياة فالفكرة عندما تخرج من صاحبها لا تعود حكراً على أحد والشاطر من يعمل بها بكفاءة أكثر، بل هذه هي الطريقة الوحيدة لتطور نفسك باستمرار، ولتأتي بالجديد في كل مرة يصبح فيها الجديد قديماً!
أن يشعر الإنسان بالانتماء إلى المنطقة التي ولد فيها أو العائلة التي يحمل اسمها أو العشيرة التي ينتسب إليها، هذا شعور فطري طبيعي لا عيب فيه
وأن يتجلى هذا الانتماء بالتكاتف والتراحم بين أبناء المنطقة أو العائلة أو العشيرة الواحدة وبالأعراف الاجتماعية التي تيسّر حل المشكلات وفض النزاعات، هذه ميزة لا نقيصة
المشكلة عندما يتحول الانتماء إلى عصبية مقيتة ينحاز فيها المرء إلى ابن منطقته أو عائلته أو عشيرته بغض النظر عن كونه على حق أو على باطل، هذه بالضبط الجاهلية التي جاء الإسلام ليحرر الناس منها
مرد هذه العصبية الجاهلية برأيي إلى أمرين: ضعف الوعي الديني بجوهر الشرع ومقاصده، وغياب الدولة التي تنصف الجميع وتحمي حقوقهم وكراماتهم فيستعين المظلوم بأهل منطقته أو عائلته أو عشيرته لأخذ حقه
المناطقية والعائلية والعشائرية ظاهرة اجتماعية طبيعية لها إيجابياتها، لكن تحولها إلى عصبية جاهلية عمياء هو مرض لا علاج له إلا بالتربية الدينية الصحيحة وببناء الدولة التي تحمي حقوق وكرامة كل مواطنيها
الدين الحق يكرم الإنسان بينما في منطقتنا يُسحق الإنسان بين لطم عباد القبور وخنوع عباد القصور وكله باسم الدين
لا يوجد حتميات تاريخية فيما يتعلق بمستقبل سورية، فهي يمكن أن تبقى ساحة صراع وتبادل رسائل بين الدول لعشرات السنوات القادمة، وفيها من الوصوليين والانتهازيين أموات الضمائر أمراء الحروب مشعوذي السياسة من لا تهمهم إلا مصالحهم ومناصبهم وإماراتهم ما يكفي لتحقيق هذا السيناريو الأسود
يمكن لسورية أيضاً أن تقوم من بين الدمار، كما العنقاء من تحت الرماد، كياناً سياسياً مقتدراً متعافياً يحفظ أمن وكرامة وحقوق كل السوريين، وفيها من الوطنيين المخلصين الأخلاقيين من يريدون حرية سورية واستقلال قرارها وكرامة شعبها ما يكفي لتحقيق هذا السيناريو الأجمل
الممكنات والاحتمالات كلها موجودة في الحاضر، ما يحدد شكل المستقبل هو من يملك رؤية أوضح وإرادةً أمضى وقدرة أكبر على الإبداع والتجديد في فكره ووسائله فالتحديات الجديدة تحتاج إلى استجابات جديدة سواء على مستوى الفكر والتنظير أو على مستوى الأدوات والوسائل
يقول لك: كفى انتقاداً، لا يوجد تجربة حكم مثالية، الأخطاء والتجاوزات تحدث في كل أنظمة الحكم..
تماماً يا صديقي، لأنه لا توجد تجربة حكم مثالية، ولأن الأخطاء والتجاوزات تحدث في كل أنظمة الحكم، لا بد من حرية الانتقاد، فهي السبيل الوحيد لأمرين:
أولاً، للوقاية من الخطأ قبل حدوثه عندما يعلم الحاكم أن الخطأ لن يُسكت عليه فيتجنبه
وثانياً، لعلاج الخطأ بعد حدوثه عندما يعلم الحاكم أن هناك رأياً عاماً يراقبه ويحاسبه إن قصّر في العلاج
لا بد من حرية الانتقاد الذي لا يستثني أحداً ولا يستثني موضوعاً، وإلا لأصبح المستثنى إلهاً يُنزل نفسه فوق منزلة البشر وهو شرك عملي يضع المجتمع على سكة الخراب ولو بعد حين
حرية انتقاد الحاكم هي الحرية التي من أجلها قامت ثورة السوريين، وفقدانها هو سبب الطغيان الذي يؤدي إلى هلاك المجتمع، وهذه سنة من سنن الله التي تنطبق على المؤمن والكافر فلا يقل لنا أحدٌ لا تساووا بين نظام يرفع شعارات الإسلام ونظام بشار ولا تقولوا: كله استبداد!
علمونا في الصغر أن الكافر والمؤمن إذا أُلقيا في البحر فإن من يعرف السباحة ينجو، بديهية عقلية وشرعية، أليس كذلك؟!
المواجهة ليست غاية بحد ذاتها، لكن من يتصور أنه يستطيع الإصلاح من دون مواجهة المفسدين واهمٌ واهم
وهم الإصلاح أخطر من الركون إلى المفسدين لأنه يخدر الضمير ويقنع صاحبه بأنه يقوم بواجبه
يحب المفسدون هؤلاء المتوهمين لأنهم يمتصون نقمة الناس ولأنه يسهل إدراجهم في منظومة الفساد بحجة إصلاحها وغالباً ما يكتشفون أنهم أضاعوا وقتهم ولكن بعد فوات الأوان، بعد أن تكون المنظومة قد استفادت منهم وصعدت على أكتافهم ثم رمتهم جانباً وأخذت تبحث عن متوهمين جدد
المواجهة لا تعني الانتحار ولا إلقاء النفس في المهلكة، المواجهة تعني أولاً تسمية الأمور بأسمائها والتوقف عن خداع النفس، وثانياً توعية الناس وحشدهم وتنظيمهم حتى يكون لهم صوت وتأثير
معيار الشطارة والعجز
ليست شطارة أن يفرض الإنسان نفسه على الآخرين رغماً عنهم ويلتصق بمنصب سياسي بسطوة هذه الدولة أو تلك، الأمر لا يحتاج إلا إلى قليل من الذكاء والحذلقة وكثير من انعدام الكرامة والمروءة وهي طريق قصيرة يسلكها الكثيرون ونتائجها سريعة
وليس عجزاً ألا يصل الإنسان إلى منصب طالما أنه يشتغل مع الناس ويوعيهم ويمكّنهم حتى يوصلوا هم لمكان القرار من يعبر عن إرادتهم ويحقق مصالحهم سواء كان هو أو غيره، هذه الطريق طويلة خصوصاً عندما يتحرك الإنسان في مجتمع ينقصه الوعي والمهارات وتسكنه الاختلالات الثقافية والاجتماعية، سالكو هذه الطريق قلة ونتائجها بعيدة لكنها نتائج جذرية وغير عكوسة وهي التي تمضي بالمجتمعات قدماً في طريق الحرية والانعتاق من الاستبداد بكل أشكاله
تحويل شبابنا إلى (مرتزقة) يقاتلون في معارك الآخرين مقابل المال جريمة وطنية وأخلاقية لأنها:
1- تستغل أبشع استغلال سوء الأوضاع الاقتصادية في الشمال السوري وحاجة الشباب المادية، بدل توفير الظروف التي تسمح لهم بالعمل الكريم وبناء بلدهم والدفاع عن أرضهم
2- تسيء إلى صورة الشخصية السورية في العالم التي ما تزال حتى الآن مرتبطة بالعلم والعمل والتفوق في بلاد المهجر ليصبح السوري ذلك المرتزق الذي يذهب إلى بلاد الآخرين ليقاتل ويقتل من أجل المال
من التجارب السابقة التي ذهب فيها مقاتلون سوريون إلى ليبيا وأذربيجان هناك قصص مؤلمة عما تعرضوا له من مقاتل بسبب الزج بهم في معارك غير مدروسة واسترخاص دمائهم، وقد أفتى المجلس السوري الإسلامي بتاريخ 2 تشرين أول 2020 بعدم جواز ترك الثغور التي يتوقع أن يدخل منها العدو والذهاب إلى ميدان آخر واعتبر ذلك شكلاً من أشكال الفرار من الزحف
يحمل المسؤولية الأولى عن هذه الجريمة الوطنية كل قائد فصيل يشارك في تجنيد شبابنا للقتال خارج البلاد وكل من يقف عائقاً أمام تشكيل إدارة مركزية رشيدة في الشمال السوري تصنع استقراراً حقيقياً وتنمية تحول دون اضطرار شبابنا إلى الرمي بأنفسهم في حقول الموت طلباً للقمة العيش
علمنا التاريخ أن الرضا بالأمن على حساب الكرامة يطيح بالأمن والكرامة معاً ولو بعد حين، وأن كم الأفواه بحجة لا صوت يعلو على صوت المعركة سيؤدي في النهاية إلى خسارة المعركة
إن الجمع بين الأمن والكرامة، وبين المعركة مع العدو وحرية الرأي، ليس ممكناً وحسب بل هو واجب، وهو وعد الثورة السورية الذي قامت من أجله، لكنه يحتاج إلى رجال أحرار وإلى أفكار جديدة وإلى صبر على طريق طويلة حسبنا أننا بدأنا خطواتها الأولى في حياتنا المحدودة
السياسي من دون ظهير شعبي وقوة على الأرض مجرد ثرثار تستخدمه الدول لتقطيع الوقت من أجل تحقيق مصالحها وتمرير أجنداتها
اللهم ارزقنا خصوماً شرفاء يخالفوننا الرأي في وضح النهار بشكل صريح لا لبس فيه
وأبعد عنّا المراوغين المتلونين الذين لا نعرف لهم وجهاً من قفا أو رأساً من ذنب
الكذب على الآخرين نقيصة أخلاقية يسهل كشفها في الذات وفي الآخرين، وبالتالي يسهل على الإنسان أن يتجنبها إذا وجد عنده الرادع الأخلاقي الكافي، ويسهل عليه أن يواجه الآخرين بها عند حدوثها
التحدي الأكبر الذي نواجهه بتواتر أكثر في حياتنا اليومية هو (الكذب على الذات) وهو يختلف عن الكذب على الآخرين في أن صاحبه لا يعرف أو لا يعترف أنه يكذب وبالتالي نفقد هنا الرادع الأخلاقي الذي يحول دون الكذب، ومع الآخر الذي يكذب على نفسه نفقد القدرة على التواصل أو النصح لأنه لا يتواصل مع نفسه أصلاً!
طالما الأمر بهذا الشيوع وبهذه الخطورة لا بد من التوقف قليلاً عند هذا النوع من الكذب (الكذب على الذات) وضرب بعض الأمثلة
عندما لا نعترف بالدوافع الحقيقية الكامنة وراء قيامنا بأمر ما هذا كذب على الذات، مثلاً عندما نرفض فكرة فقط لأنها خرجت من شخص لا يروق لنا وليس لأنها فكرة غير منطقية ولا نعرف ولا نعترف بذلك، نحن نكذب على أنفسنا
عندما لا نعترف بنقاط ضعفنا وأخطائنا التي أدت إلى مشاكل في أدائنا أو في علاقتنا مع الآخرين وبالتالي لا نتحمل أي مسؤولية عن هذه المشاكل ونحمل كل المسؤولية للآخرين، نحن نكذب على أنفسنا
لا يوجد طريقة لتجنب الكذب على الذات بشكل كامل وإلا لأصبحنا ملائكة تمشي على الأرض لكن يمكن أن نقي أنفسنا منه وأن نكشفه بسرعة عند الوقوع فيه، أولاً بأن نعترف بقابليتنا جميعاً للوقوع في هذا النوع من الكذب ما دمنا بشراً وهذا من معاني (النفس اللوامة) التي أقسم بها الله تعالى، وثانياً أن نتواصل مع أنفسنا بصدق وتجرد ولا نسمح لها بإعطائنا أعذاراً كاذبة تغطي الدوافع الحقيقية لأفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)