خواطر 2024-1
نفس الفكرة تطرحها بطريقة (أنت مخطئ وأنا على صواب) فتشعر الطرف الآخر بأنه مهاجَمٌ فينشغل بالدفاع عن نفسه بدل مناقشة الفكرة أو تطرحها بطريقة (أنا أرى الأمر بهذا الشكل) ثم تشرح وجهة نظرك فتساعد الطرف الآخر أن يفهمها وقد يتبناها إن اقتنع بها لأن النقاش لم يتحول إلى صراع شخصي
كم من أفكار رائعة يولدها النقاش الجماعي – ولا تولد إلا في النقاش الجماعي - تضيع ولا يتم تبنيها ليس بسبب عدم جدواها وإنما بسبب طريقة طرحها القائمة على تخطيء الآخر وتجهيله وإظهار الأستذة عليه، ناهيك عما تؤدي إليه هذه الطريقة من ضعف في العلاقة أو حتى إلى انهدامها.
هناك فرق بين من (يشعل شمعة) ومن يدلس على الناس ليوهمهم أنهم ليسوا في ظلام!
(ولقد كرمنا بني آدم)
احترام كرامات بعضنا البعض في علاقاتنا البينية في البيت والمدرسة والمسجد والمؤسسة والدولة هي ما يصنع مجتمعاً معافى قادراً على البقاء لا تمزقه الصراعات فضلاً عن قدرته على لعب دور حضاري على مستوى البشرية
امتهان الكرامة الإنسانية يأخذ أشكالاً لا حصر لها بدءاً من عدم الاستماع إلى آراء الناس في عمل جماعي هم جزء منهم وصولاً إلى تشغيلهم في مشاريع ظاهرها خدمة القضية وباطنها استغلالهم اقتصادياً أو سياسياً وصولاً إلى إعادة إنتاج نظام الاستبداد بنماذج تسلطية تحكم بقوة السلاح وتستبيح كل شيء!
احترام كرامة الإنسان قيمة إسلامية عليا وقيمة أساسية في الثورة السورية من أجلها دُفعت دماء الملايين، التحدي الأكبر أمامنا اليوم أن نحولها من قيمة (محكيّة) إلى قيمة (مُعاشة) تتجلى في تفاصيل سلوكياتنا اليومية وعلاقاتنا البينية وإجراءتنا المؤسساتية ونموذج الحكم الذي نسعى إلى إقامته
دعونا من التراشق بألفاظ الديمقراطية والطغيان والتعددية والاستبداد والمثالية والواقعية والتنظير والفاعلية ولنذهب مباشرة إلى السؤال الجوهري الذي طرحته ثورة السوريين والذي تُبنى على إجاباته أفكار ومواقف ومبادرات من يمارس السياسة باسم الثورة: هل يؤمن أن السوريين يستحقون أن يعيشوا بكرامة؟ وأن يكون لهم صوت يعبرون عنه بحرية؟ وأن يكون لهم رأي في من يحكمهم؟
إن كان جوابه (نعم) ستكون ممارسته للسياسة توعية السوريين وتمكينهم وتنظيمهم حتى يتمكنوا من القيام بما يستحقونه
وإن كان جوابه (لا) ستكون ممارسته للسياسة استمرارٌ لممارسات النظام ولكن بأشكال ومبررات جديدة.
معروف في علم الأعصاب أن العادات الجديدة لا تُكتسب إلا بتشكيل دارات جديدة في الدماغ وأن الدارات الجديدة لا تتشكل إلا بالتكرار
التكرار لا يحدث إلا ضمن بٌنى (structures) فالبنية بالتعريف نمط متكرر من العلاقات، المدرسة والجامعة وحلقة المسجد والحزب السياسي والمنظمة الخيرية ومؤسسات الدولة كلها أمثلة عن البُنى
لذلك على الأغلب يظل الفصام النكد بين الفكرة والسلوك قائماً إلى أن يجد حاملُ الفكرة بنيةَ يمارس فيها ما تقتضيه فكرته بشكل متكرر، ولذلك يُعتبر العمل الجماعي المؤسساتي أقوى أداة لتغيير سلوك الأفراد والجماعات إما للأفضل أو للأسوأ
يدخل الخوف قلوب الظلمة في اللحظة التي يخرج فيها من قلوب المظلومين
(انصحوه بالسر لا بالعلن حتى لا تسقط هيبته في عيون الناس) يقول علماء السلطان
بل انصحوه بالسر والعلن حتى يتجرأ الناس على قول الحق وحتى لا تشيع ثقافة الخوف والنفاق في المجتمع وحتى لا يتحول الحاكم إلى فرعون يقول (أنا ربكم الأعلى) ويعيش فوق النقد والمحاسبة
عندما تقوم بعمل لوجه الله أبق هذا الأمر بينك وبين الله إلا إن سألك أحدهم: لماذا تفعل كذا؟ وكنت تفعله لوجه الله حقاً فتجيب السائل فقط
أما عندما تردد في مجالسك وكتاباتك ودون أن يسألك أحد (أفعل كذا لوجه الله) و(لكي ألقى الله بهذا العمل) و(لكي أبرئ ذمتى أمام الله) وما يشبهها من عبارات، فاعلم أن هذه الأقوال لا تزيدك من الله قرباً ولا تزيدك من البشر قرباً اللهم إلا السذج المغفلين منهم الذين تلعب على عواطفهم الدينية
رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي وبئس الرجل المنافق صاحب الوجهين ينثر أمامي معسول الكلام فإذا خرج من عندي أشبعني ذماً!
من ينصب نفسه وصياً على من يعملون تحت إدارته فيطلب منهم أن تكون قناعاتهم ومواقفهم وعلاقاتهم بإذنٍ منه! يمتهن كراماتهم ومن لا يحترم كرامات الناس لا كرامة له
(نأخذ بالظاهر ولا نحكم على النوايا) عبارة صحيحة ولكن؛ الظاهر هنا ليس (بعض) ما يظهر من الإنسان في لحظة معينة من قول أو فعل، وإنما هو (كل) ما يظهر منه من أقوال وأفعال خلال تجربتنا وتجربة الآخرين معه، يحللها العقل ويقيّمها القلب ليأتي الحكم بعد ذلك والحكم هنا ليس الحكم القضائي الذي يحتاج إلى أدلة قاطعة وإنما هو التقييم الشخصي الذي يحقّ لكل إنسان أن يتخذه بناء على قناعاته وحَدْسه والذي لا يُلزم أحداً غير صاحبه
أما من يفهم عبارة (نأخذ بالظاهر ولا نحكم على النوايا) بأنه يكفي أن يقول الإنسان كذا أو يفعل كذا لنحكم عليه بناء على هذا القول أو الفعل دون أخذ السياقات بعين الاعتبار فتلك سذاجة بالغة وليست من التقوى في شيء.
يظل دمنا رخيصاً مستباحاً في العالم ما دمنا رخيصين مستباحين في أوطاننا
لنسترد هذه الأوطان من أيدي الطغاة أولاً، بعدها يكون لنا مكان تحت الشمس
لو نحرص على عدم تلويث الغسيل بمقدار حرصنا على عدم نشر الغسيل الوسخ لكانت أمورنا بألف خير
تتقزم الأوطان وتتقزم الشعوب عندما يرتبط مصيرها بمصير شخص واحد
أقولها منذ ثلاثين عاماً وأقولها اليوم وسأقولها غداً: دورة حياة النظم الاستبدادية واحدة، تمكن بسبب القمع والخوف ثم تراكم الغضب بسبب سياسات التسلط ثم انفجار شعبي ينتهي بزوال المنظومة سواء من المرة الأولى أو بعد عدة محاولات، قد تستغرق دورة الحياة هذه عدة أعوام أو عدة عقود لكنها سنن الله التي لا تتخلف
رحم الله من قال: كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده
خرج السوريون من عباءة حكم الحزب القائد وهم يحملون عبئاً نفسياً ثقيلاً جعلهم ينفرون من أي حالة تنظيمية تحتاج إلى التزام وانضباط، النتيجة حالة من التذرر والتشتت اتخذها المستبدون الجدد حجة ليقولوا: لا شيء يجمع السوريين إلا عصا الاستبداد
﴿یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَة فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ﴾ جعلت هذه الآية اتهام الآخرين من غير بينة أي من غير دليل من صفات الفاسقين
أن لا تتفق مع الآخرين في مواقفهم وتصرفاتهم وأن تنتقدهم ولو كان نقدك شديداً لاذعاً هذا حق لك، أما أن تتهمهم من غير دليل فهذا كذب وبهتان. لو أننا نعمل بمقتضى هذه الآية الكريمة فلا نتهم الآخرين ولا نقبل اتهامهم إلا بدليل لتعافت حياتنا الاجتماعية والسياسية من داء كبير ولتشكلت بيئة سليمة تشجع الصادقين والمخلصين على العمل في الشأن العام بدل الانكفاء خوفاً من الاتهام والتخوين
لا يثق في الناس من لا يثق في نفسه
أكبر تحد يواجه السوريين اليوم بناء منظومات قائمة بذاتها لا يعتمد وجودها على أشخاص بعينهم بحيث تبقى ببقائهم وتزول بزوالهم
بدءاً من بناء الكيانات السياسية التي تنظم حراك الشارع وتحول شعاراته إلى برامج ومشاريع مروراً ببناء منظومة تدير المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وصولاً إلى بناء الدولة السورية القادمة
بناء هذه المنظومات يحتاج إلى جهد كبير في توعية الناس وتمكينهم وتنظيمهم وقدرة كبيرة على التواصل والحوار والتفاوض وقبل كل شيء يحتاج إلى إيمان عميق بالسوريين وأهليتهم للعيش الحر الكريم بعيداً عن الانقياد للقائد المخلص الأوحد الذي لا بديل عنه
بناء هذه المنظومات هو وعد الثورة السورية التي جعلت الحرية والكرامة من قيمها الكبرى، والكفر بإمكانية بنائها هو كفر بأهلية السوريين للعيش الحر الكريم وهو ترجمة لاعتقاد دفين يرى أصحابه أنهم أفضل من بقية السوريين وأن الشعب السوري دونهم في الفهم والمكانة وأنه قطيع جاهل متخلف لا يساق إلا بالعصا، وهي النظرة ذاتها التي تحملها المنظومة الأسدية تجاه السوريين وتبرر بها بطشها واستبدادها.
احترام الآخر يقتضي تقبل رأيه المختلف، واحترام الذات يقتضي عدم تقبل إساءته وقلة احترامه، من لا يحترم ذاته لا يمكن أن يحترم غيره