cover

خواطر 2024-2

خياراتنا في كل لحظة هي التي توسع أو تضيق خياراتنا القادمة وأثقل القيود تلك التي نرتديها طوعاً لا التي تفرض علينا
تقبل أي جديد والتعامل معه بموضوعية يحتاج إلى جهد نفسي وذهني، وهو جهد لا يريد البعض بذله إما بسبب تعبهم ويأسهم وإحباطهم من تجارب سابقة أو بسبب ما اعتادوه من كسل نفسي وعقلي يبقيهم في منطقة الراحة مقنعين أنفسهم أنه لا يعملون لأنه لا مجال للعمل فالكل فاشل أو سيفشل والكل إما خاضع للمؤامرة وهو لا يدري أو أنه جزء من المؤامرة
هذه دعاوى متوقعة لمن يعمل في الشأن العام وعلاجها الاستمرار في العمل والانجاز فهذا وحده يغير قناعات الناس ويزيل شكوكهم وهواجسهم


حجة المستبد أن السيارة يقودها شخص واحد. صحيح، السيارة يقودها شخص واحد لكن نحو الوجهة التي يريدها ركاب السيارة لا الوجهة االتي يحددها بمفرده وإلا أصبح خاطفاً وقاطع طريق وليس سائق سيارة!


ليست مهمتنا أن ندل الناس على مصلحتهم مهمتنا أن نوعيهم ونزودهم بأدوات التفكير السليم حتى يعرفوا بأنفسهم أين مصلحتهم


القمع وكبت الحريات والدوس على الكرامات يصنع أماناً زائفاً ومؤقتاً لأنه يخلق في المجتمع تناقضات تتراكم تدريجياً إلى أن تنفجر على شكل ثورات وحروب، هكذا يعلمنا التاريخ
القمع والظلم يصنع أماناً جزئياً، أمان فئة قليلة من المجتمع، أمان المستبدين والفاسدين واللصوص الكبار، أما عامة الناس وخاصة الأحرار الذين يصدحون بكلمة الحق فيعيش أحدهم خائفاً يترقب في أي لحظة أن يعتقل أو يُصفى أو يؤذى وهذا ليس أماناً!
الشعوب التي تتخلى عن كرامتها من أجل أمنها تخسر الأمن والكرامة معاً أما الشعوب التي تناضل وتضحي من أجل كرامتها فتكسب الأمن والكرامة معاً في نهاية المطاف
الأمن الحقيقي والمستدام هو الأمن القائم على العدالة وعلى سيادة القانون وعلى مراقبة الحاكم ومحاسبته من قبل ممثلي الشعب
من أجل أمن حقيقي ومستدام لنا وللأجيال القادمة من السوريين قمنا بهذه الثورة


عندما كنا صغاراً كنا نلعب لعبة (وصل النقاط) حيث كانت مجلات الأطفال تحتوي صفحة عليها نقاط مبعثرة نصلها ببعضها البعض فيظهر لنا شكل؛ بيت أو شجرة أو غير ذلك.
رحلتنا في الحياة ونحن نكتشف أنفسنا والعالم تشبه هذه اللعبة، حيث الأحداث المتفرقة كالنقاط المبعثرة نربطها ببعضها البعض فيظهر لنا شكل ما. مثلاً، تصرفات شخص ما نفسرها بطريقة معينة ولكن عندما نضيف إليها تصرفات جديدة ونربط جميع تصرفاته ببعضها البعض يظهر لنا جانب من شخصيته كان خفياً عنا فنفهمه بطريقة أخرى. حتى تصرفاتنا ومشاعرنا وردود أفعالنا قد لا نفهمها بشكل صحيح لأن هناك جوانب خفية في نفوسنا لم نكتشفها بعد ولم نربطها ببقية الجوانب. ينطبق ذلك على ظواهر اجتماعية وسياسية تتضح صورتها في أذهاننا عندما نكتشف عنها المزيد ونربط ما اكتشفناه بما لدينا فنصل إلى صورة أقرب إلى الواقع.
أحياناً نحمل صوراً ذهنية خاطئة لأننا توقفنا عن عملية الاكتشاف والربط تلك وتمسكنا بما لدينا من تصورات. تماماً كما يحدث لو توقفنا في لعبة (وصل النقاط) مبكراً وتوهمنا أن النقاط التي وصلنا بينها عبارة عن عمود بينما لو تابعنا الرسم لاكتشفنا أن هذا العمود هو جذع شجرة أو رقبة زرافة!
هذا الاستعداد النفسي والفكري لاكتشاف الجديد الذي يتضح مع الزمن وربطه بما لدينا من معطيات وتغيير الصور الذهنية تبعاً لذلك -ولو أدى ذلك إلى تغيير الصورة بأكملها- يعطينا المرونة اللازمة لفهم أنفسنا والعالم بشكل أفضل، وبالتالي يمنحنا فرصة أفضل لمعرفة ما نريده حقاً في هذه الحياة والوصول إليه.


في أن (السوريين يحطمون قاداتهم)!
يلوم البعض السوريين لأنهم لا يجتمعون على قائد، علماً بأن الابتعاد عن اللوم وتجنب لعب دور الضحية هي من أهم صفات القائد وخصوصاً في أوقات الإحباط والانتكاسات والهزائم.
نعم توجد عند السوريين مشكلة في القدرة على منح ثقتهم للآخرين ويسهل عليهم الاتهام دون دليل، لكن المشكلة الأكبر هي عدم وجود قيادات تتفهم أسباب هذه المشكلة وتصبر على معالجتها.
الشخصية السورية سحقتها عقود الإذلال الممنهج وحرمتها فرصة التطور الطبيعي في أجواء الحرية واحترام الكرامة لذلك لم تزل شخصية هشّة انفعالية شديدة الحساسية وخصوصاً عندما تشعر أن هناك من يخدعها أو يفرط بحقوقها أو لا يتعامل معها باحترام ولو لم يكن هذا الشعور مبيناً على حقائق.
هناك سبب آخر وهو حجم المعاناة التي عاشها السوريون منذ بداية الثورة إلى اليوم من قتل وحصار وتشريد وهي معاناة جعلت السوريين حديين في مواقفهم ومشاعرهم، تكتمل الصورة عندما نأخذ بعين الاعتبار عدم تمكن الأشخاص الذين تصدوا لقيادة السوريين حتى اليوم من تحقيق أي إنجاز يوازي تضحيات السوريين العظيمة.
يحتاج السوريون اليوم إلى قادة حقيقيين يصدقون معهم أولاً، ثم يتحملون مسؤولية كسب ثقة السوريين واحترامهم ولا يرمون هذه المسؤولية على السوريين! قادة يدركون حجم المعاناة والإحباط الذي يعاني منه السوريون، فيبذلون جهداً مضاعفاً في التواصل معهم وأخذ آرائهم بعين الاعتبار والإنصات لهم واحترام عقولهم. قادة يصبرون على ما قد يصدر من السوريين من سوء فهم ويعالجونه بمزيد من التواصل وليس بمزيد من التعالي واتهام السوريين بأنهم السبب في فشل قاداتهم!
قديماً قالوا (القائد يجد الحلم ثم يجد الناس، والناس يجدون القائد ثم يجدون الحلم) من يتبوأ القيادة يجب أن يتحمل مسؤولية كسب الثقة الناس والتفافهم حوله وليس العكس!


إسلام سياسي!!
لا يوجد شيء اسمه (إسلام سياسي)، هناك (مسلم سياسي) أي مسلم يشتغل بالسياسة، أما أن نضيف صفة السياسي للإسلام فلا يصح، لأن الإسلام دين والسياسة نشاط بشري، ووصف الدين بنشاط بشري يقزم الدين ويحجمه من جهة ويضفي القدسية على نشاط بشري لا يجوز أن يكون مقدساً من جهة أخرى
اشتغال المسلم بنشاط ما والتزامه بتعاليم الإسلام المتعلقة بهذا النشاط لا يجعل من نشاطه ذاك (إسلاماً خاصاً) بهذا النشاط!
اشتغال المسلم بالتجارة لا يعني أن هناك (إسلام تجاري) يتبناه المسلم، كذلك اشتغاله بالإعلام لا يعني أن هناك (إسلام إعلامي )، نعم التاجر المسلم يلتزم بتعاليم الإسلام في تجارته وكذلك الطبيب المسلم والمهندس المسلم والإعلامي المسلم والسياسي المسلم لكن ذلك لا يعني وصف الإسلام بالنشاط الذي يمارسه هؤلاء وإلا لأصبح لدينا عشرات الأنواع من الإسلام: إسلام رياضي وإسلام فني وإسلام عسكري وإسلام تربوي وإسلام طبي وإسلام هندسي وقس على ذلك!
الإسلام هو الإسلام ولا توجد منه أنواع، الإسلام دين واحترام هذا الدين يقتضي عدم إضافة أي صفة عليه


هل هي مسرحية أم لا؟!
منذ ثمانية أعوام تقريباً بدأت أقرأ لفتغنشتاين وهو فيلسوف ألماني اهتم بفلسفة اللغة وبالعلاقة بين اللغة والأفكار والواقع وهو يعتقد أن الكثير من المشاكل الفلسفية سببها اللغة وهذه المشاكل تنحل عندما نحدد بدقة معاني الكلمات التي نستخدمها لأننا سنكتشف أنها مشكلات وهمية لا وجود لها
وجدت أن لهذه الفكرة تطبيقات واسعة في عالم السياسة خصوصاً أننا كثيراً ما نستخدم في السياسة الاستعارة والمجاز وغيرها من الأساليب الأدبية التي لا تتفق والتفكير العلمي الموضوعي الذي يجب ان يتصف بالدقة
بعد هذه المقدمة الفلسفية أريد أن أسقطها على مسألة قديمة جديدة لكن النقاش حولها احتد منذ الأمس وهي: هل ما يحدث بين إيران واسرائيل (مسرحية) أم لا؟
المشكلة في استخدام كلمة (مسرحية) كاستعارة لوصف ما يحدث، فما هي المسرحية؟ هي أداء يقوم به مجموعة من الأشخاص يلتزمون بنص مكتوب من أقوال وأفعال وللمسرحية مخرج واحد يلتزم الممثلون بتوجيهاته وليس فيها أي صراع أو خلاف حقيقي. بهذا المعنى هل العلاقة بين اسرائيل وإيران علاقة ممثلين في مسرحية؟ لا أعتقد ذلك، فلكل منهما مشروعه الخاص في المنطقة وهما مشروعان متناقضان متصارعان وإن كانا يتفقان على أن شعوب هذه المنطقة يجب أن تظل خانعة مستعبدة لأن في تحررها من الاستبداد نهاية المشروعين معاً
عندما تقتل إسرائيل كبار قادة الحرس الثوري في القنصلية الإيرانية في دمشق هذا ليس عملاً مسرحياً مرتباً بين الطرفين هذا جزء من الصراع الحقيقي بينهما، هذا لا يمنع أن تكون هناك ترتيبات خفية بين الطرفين لكي لا يصلا إلى مواجهة شاملة ليس لأحد منهما في هذه المرحلة مصلحة فيه
الخلاصة، لا يمكن اختزال العلاقة المعقدة بين إيران واسرائيل بوصفها مسرحية أو ليست مسرحية، هي علاقة بين مشروعين متناقضين للهيمنة على منطقتنا، مشروعان يتصارعان في ساحات ويتخادمان في ساحات أخرى وفي الساحة نفسها قد تنقلب العلاقة من صراع إلى تخادم أو العكس باختلاف الظروف
ما يهمنا من كل ما سبق، أن نفهم طبيعة العلاقة بين هذين المشروعين بعيداً عن التبسيط والتعميم حتى نعرف كيف نتعامل معهما، وأن يكون لنا نحن شعوب المنطقة المستهدفة بهذين المشروعين الاستعماريين مشروعنا الخاص الذي نعمل فيه على تنظيم أنفسنا عسكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً لنملك أمرنا بأيدينا ولنصبح نحن أصحاب القرار فوق أرضنا لا مجرد ساحة يتصارع فوقها وعليها هذا المشروع أو ذاك


الخوف من الفشل أمر طبيعي، الجبن أن يمنعنا هذا الخوف من المحاولة


في دولة الحق والعدل والقانون يوجد سجون ويوجد معتقلون لأنه من الطبيعي أن يكون في الدولة من يخالف القانون ويستحق التوقيف والمحاكمة والعقوبة
لكن في دولة العدل والقانون لا يعتقل أحد إلا بمذكرة قضائية، ويبلغ أهله عن مكان اعتقاله، ويعتقل في ظروف إنسانية، ويحاكم محاكمة علنية يملك فيها حق الدفاع عن نفسه، وعندما يحكم يقضي عقوبته في سجن تتوافر فيه الشروط الإنسانية
في دولة العدل والقانون، لا يوجد اعتقال تعسفي، ولا إخفاء قسري، ولا تعذيب ولاتشويه ولاقتل في السجون، ولا توجد سجون أو أماكن توقيف سرية
في دولة العدل والقانون، توجد منظمات حقوقية تدافع عن المعتقلين وظروف اعتقالهم وتملك حق زيارة السجون وأماكن التوقيف والتأكد من توافر الشروط الإنسانية فيها، وتوجد وسائل إعلام حرة تفضح التجاوزات بحق المعتقلين إن وجدت، ويوجد قضاء عادل نزيه يعزل فوراً من يرتكب أي انتهاكات بحق المعتقلين سواء بإصدار الأوامر أو تنفيذها ويحاكمه ويعاقبه
تحقيق هذه الشروط ممكن فوراً إن توافرت الإرادة الصادقة في رفع الظلم عن الناس، وتحقيقها ليس عطية أو منة من أحد بل هو واجب على من يحكم، وحق للناس وخصوصاً عندما يكون هؤلاء الناس شعباً ضحى بأغلى ما يملك كي يسترد حقوقه ويعيش بكرامته
كل تصريحات أو أفعال لا تحقق هذه الشروط هي ضحك على الذقون ومناورات كلامية لكسب الوقت والتفاف على مطالب الناس


وسائل التواصل الاجتماعي برأيي مكان لطرح الأفكار العامة والتأكيد عليها والتذكير بها وشحن العواطف من أجل استمرار السعي نحو تحقيقها، أما الحلول والمبادرات التفصيلية فتُصنع بالتواصل المباشر والعمل على الأرض.


الشيطان يكمن فينا لا في التفاصيل! الشيطان يكمن في أهوائنا وأنواتنا المتضخمة وتحيزاتنا وأحياناً في نزقنا، أما التفاصيل ففيها يكمن نجاح أي عمل إذا وفرنا لصناعة هذه التفاصيل التواصل الصحيح والنفس الطويل وبناء الثقة وتقديم حسن الظن من دون سذاجة


نبني انطباعاتنا عن الآخرين من خلال تراكم عشرات التفاصيل الكثيرة في أثناء التعامل معهم، كل تفصيل لوحده لا يشكل دليلاً قاطعاً يؤكد صحة انطباعنا لكن اجتماع التفاصيل يعطينا شعوراً قوياً بوجود هذه الصفة أو تلك عندهم
ليس من الحكمة أن نتهم شخصاً بما لا نستطيع إثباته لأننا سنُتهم بالافتراء، في الوقت نفسه ليس من الحكمة أن نتجاهل انطباعاتنا ومشاعرنا الناجمة عن تجربتنا وخبرتنا معه والتي قد لا يدركها سوانا، وليس من الحكمة ألا ندخل هذه الخبرة الشخصية في حساباتنا أثناء التعامل مع هذا الشخص سواء تفهم الآخرون ذلك أم لا


المهم في اللجوء إلى صناديق الاقتراع أن هناك شعباً يختار ويتحمل مسؤولية خياراته، قد يخطيء الشعب وقد يصيب، قد لا يتعلم من أخطائه أول مرة لكنه سيتعلم في نهاية المطاف
وتظل هناك دائماً فرصة للتصحيح في انتخابات قادمة سواء من الشعب أو من الفريق المهزوم في الانتخابات، ويظل البديل عن صناديق الاقتراع هو الاستبداد أي (أنا والطوفان من بعدي) وهو بديل أسوأ ألف مرة من أي بلبلة أو حالة عدم استقرار تحدثها الانتخابات وتداول السلطة


(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ)، الله يقول إن محمداً عليه الصلاة والسلام بشرٌ مثلنا، والبعض يريدون باسم الدين أن يجعلوا أميرهم فوق منزلة البشر فلا يُحاسب ولا يُساءل ولا يُستبدل!


نحن نختار الأشخاص الذين نعمل معهم فإذا كانوا دون توقعاتنا هذه فرصة لنتعلم كيف نحسن الاختيار وكيف نتجنب التسرع في الحكم على الآخرين، نضيع هذه الفرصة عندما نحولها إلى معزوفة حزينة عن خيبة الأمل والخذلان


(العقل المتطور، كيف يتفاعل الدماغ مع العلاقات ليشكلا الشخصية التي نحن عليها) عنوان لكتاب مثير يعتمد على نظرية مفادها أن تطور العقل لا يرتبط فقط بالدماغ الموجود داخل جمجمة كل واحد منا، بل أيضاً وإلى حد كبير يرتبط بعلاقاتنا مع بعضنا البعض، فالعلاقات تنمي دارات داخل الدماغ وتعيد تشكيله وتطوِّره بشكل دائم، الدارات العصبية الدماغية المتعلقة بالتعاطف وحل الخلافات وبناء الثقة والبحث عن المشتركات وإبداع الحلول القائمة على المنفعة المشتركة، لا تنمو ولا تتطور إلا في البيئات التي تمارس فيها هذه النشاطات
يعتمد الكتاب كعادة مؤلفه (دانييل سيغل) على الأدلة العلمية وعلى آخر ما توصلت إليه الأبحاث في علوم الأعصاب وهو يثبت أنه في المجتمعات التي تحكمها أنظمة مستبدة تحرم أفرادها حرية العمل الجماعي السياسي والاجتماعي تضمر أدمغة الناس وتتوقف عن التطور والنمو حرفياً وليس مجازياً


اللباس البسيط الموحد في الحج الذي لا يفرق بين رئيس ومرؤوس هو تعزيز لفكرة المساواة بين البشر في (القيمة الإنسانية) مهما كانت مناصبهم وأدوارهم،
تنعكس هذه المساواة على جوانب الحياة كلها، مساواة أمام القانون، مساواة في فرص التنافس السياسي والاقتصادي، مساواة في الخضوع للمراقبة والمحاسبة والمساءلة والقابلية للاستبدال،
الإسلام دين جاء ليحطم الأصنام كل الأصنام، وكل من يُخضعُ الناسَ له من دون الله صنم، ولكل زمن أصنامه
هذا ليس كلاماً في السياسة وإنما في أصل التوحيد


يقول إنه سياسي محنّك له علاقات واسعة مع سياسيين واقتصاديين وباحثين من عدة دول، يحلل الوضع السوري مستعرضاً سعة اطلاعه ووفرة معلوماته وغنى علاقاته، يذكر (جميع الفاعلين) في الملف السوريين العالميين والاقليميين والمحليين دولاً ومنظمات وأفراداً وبعد أكثر من ساعة من التحليل والتوصيف واستعراض السيناريوهات تسأله: وماذا عن ملايين السوريين الذين ثاروا على النظام سواء المقيمين منهم في الشمال السوري أو الموزعين في أنحاء الأرض، هؤلاء أليسوا أحد الفاعلين؟ أنت لم تأت على ذكرهم ولو مرة واحدة في تحليلك وتوصيفك، فتدور عيناه كالذي يغشى عليه من الموت ويغير الموضوع!
ينتمي هذا الشخص إلى فئة من المعارضين لا يرون السوريين ولا يؤمنون بهم ولا يفكرون بتمكينهم وتنظيمهم، السياسة عندهم عمل فوقي يبدأ وينتهي فوق الناس وليس مع الناس ولا من خلالهم، هم فئة من المعارضين ليسو بقليلي العدد ابتليت بهم الثورة السورية


خط أحمر
في منشور سابق تحدثت فيه عن الفساد واستلاب القرار الوطني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، كتب أحد الأصدقاء ينبهني أنني تجاوزت الخط الأحمر الذي وضعه المفسدون وأصحاب المصالح الخاصة في الشمال السوري، وهنا أريد أن أحكي قصتي مع (الخط الأحمر)
في ربيع عام 1982 وكنت في الصف التاسع وقتها طلبت منا مدرسة اللغة العربية كتابة موضوع تعبير وتركت لنا اختيار الموضوع الذي نريد الكتابة عنه، كتبت عن (الظلم) وكيف يطيح بالمجتمعات عندما ينتشر فيها، اصفرّ وجه مدرستي عند قراءة الموضوع ودعتني على عجل إلى غرفة الموجه وقالت لي: إياك ان تكتب مثل ذلك في امتحان آخر العام وخصوصاً أن أوراق الامتحان للشهادات الانتقالية في دمشق تُصحح في (الساحل)، قالت لي: (مو بس بتروّح حالك بتروّح أهلك كمان، لقد تجاوزت الخط الأحمر!)
لم أعمل بنصيحة مدرستي ومنذ ذلك الوقت وطوال أربعة عقود وأنا أمضي والخط الأحمر يحاول اللحاق بي، دفعت الثمن عامين ونصف في السجن وأثماناً أخرى، ولا أعلم ما الذي سأدفعه في مقبل الايام، لكن ما أعلمه يقيناً أننا نحن من يشجع الطغاة على وضع الخطوط الحمراء وتثبيتها ولولا بيئة تسكت على مظالمهم لما نبتت هذه المظالم وترعرت فينا