cover

خواطر 2024-3

عندما تصبح السلطة هي الغاية وليس الإنسان الذي من أجله يجب أن تعمل السلطة، عندها يُسحق الإنسان وتُهدر كرامته وتضيع قضاياه الكبرى على يد المتعطش إلى السلطة، وتتحول الشعارات الدينية والوطنية والثورية إلى أدوات للتحكم والسيطرة والطغيان


من الإنصاف ألا يقيَّم الإنسانُ من عبارة قالها فقد تخوننا العبارات أحياناً، ولا من موقف وقفه فقد تزل أقدامنا أحياناً، تقييم الإنسان يكون من مجمل عباراته ومواقفه
بالمقابل، على من يقيَّم إذا خانته العبارة أن يوضّح فكرته لا أن يتكبر على الناس ويتهمهم بقلة الفهم، وإذا زلت قدمه أن يعترف ويصحح المسار لا أن تأخذه العزة بالإثم ويدافع عن نفسه وكأنه نبيٌّ لا يخطيء
الإنصاف من قبل من يقيِّم والتواضع من قبل من يقيَّم هو الذي يصنع علاقات بناءة نتفاعل فيها مع بعضنا البعض كبشر يصيبون ويخطئون لا كقدّيسين أو شياطين!


جريمة المستبد الكبرى ليست في دفع الناس إلى كرهه والكفر به، بل في دفع الناس إلى كره أنفسهم والكفر بأهليتهم للعيش الحر الكريم
جريمة المستبد الكبرى ليست في حرمان الناس من الحرية، بل في وأد التوق إلى الحرية في نفوسهم، ذلك التوق الفطري الذي زرعه الله فيهم والذي بفقده يفقدون جزءاً من إنسانيتهم
جريمة المستبد الكبرى ليست في قتل البديل، وإنما في قتل المساحة التي يولد فيها البديل، في قمع حرية التعبير والتنظيم التي تمكن الناس من بلورة أفكارهم وبناء الثقة فيما بينهم وترتيب صفوفهم وإفراز قياداتهم، في تحويل المجتمع بالبطش والترهيب إلى كومة خوف وعجز وتشتت يجلس فوقها قائلاً: أين البديل؟!


يربط المستبد وجوده بالكرسي لذلك تحركه غريزة البقاء وهي أقوى الغرائز عند المخلوقات، لا يمكن الانتصار عليه إلا إن ربطنا وجودنا بكرامتنا واعتبرنا الخنوع له موتاً أو أشد من الموت


القرآن كلام الله، وما من قصة وردت فيه إلا لحكمة وما من قصة تكررت إلا لحكمة أيضاً
أكثر القصص تكراراً في القرآن، هي قصة فرعون فقد وردت عشرين مرة وتكرر اسم فرعون 74 مرة وما ذلك إلا إشارة من الله تعالى إلى خطورة ظاهرة فرعون ليس على المسلمين فقط وإنما على البشرية بأسرها
تبين الآيات عقلية فرعون وعقلية من حوله (فاستخف قومه فاطاعوه) فهو يستخف بالناس ويعتبرهم قطيعاً لا يساق إلا بالعصا بالمقابل يدين له الناس بالطاعة ويخافون معارضته
وتبين الآيات طريقة فرعون في الحكم (أنا ربكم الأعلى) فلا توجد سلطة فوق سلطته هو الذي يمنح السلطات للآخرين ويعينهم في المناصب
وتبين الآيات لجوء فرعون إلى (السحر) وجمع السحرة من حوله لخداع الناس (فجمع السحرة لميقات يوم معلوم) والسحر هنا ما يُخدع به الناس ويختلف من عصر إلى آخر فإذا كان في عصر موسى عصياً تتحول إلى حيات فهو في عصرنا هذا إعلامٌ مأجور ومشايخ مسبحون بحمد فرعون (كتابٌ) يبررون طغيانه
وتبين الآيات استراتيجية فرعون في تفريق الناس إلى شيع وضربهم ببعضهم البعض واستهانته الولوغ في الدماء والأعراض (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ)
وتبين الآيات خطاب فرعون الإعلامي تجاه معارضيه فهو يعتبرهم دائماً شرذمة قليلة لا وزن لها ويشيع أنه قادر على التخلص منهم ولا يشكلون خطراً عليه (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وَإِنَّهُم لنا لغائظون* وَإِنَّا لجَمِيع حذرون)
وتشرح الآيات كيف يزعم فرعون الحرص على دين الناس ويتهم معارضيه بأنهم يريدون تبديل الدين ونشر الفتنة والفساد ( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)
ثم تتحدث الآيات عن الطائفة المؤمنة المجاهدة التي تقف في وجه فرعون وتتحداه، وتعلن على الملأ أنها لا تبالي ببطشه وتهديداته (فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا)
وفي حين يختار عبيد فرعون الأمن والسلامة تحت حكمه فإن الطائفة المؤمنة المجاهدة ترفض الخضوع له ولو اضطرت إلى ركوب المخاطر والأهوال وخوض بحر لجيّ موقنة أن الله سينجيها ويشق لها طريق الخلاص (فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً)
وأخيراً تبين الآيات مصير فرعون وهو الغرق مع حاشيته في بحر ظلمهم وطغيانهم وجرائمهم (فأغرقناهم أجمعين)
تكرر قصة فرعون في كل زمان ومكان، تختلف أديان الفراعنة ودرجات ظلمهم وطغيانهم لكنهم يتشابهون جميعاً في طريقة تفكيرهم وفي استراتيجيات تعاملهم مع من يثور عليهم وفي المصير الذي يؤولون إليه، صدق الله العظيم


بناء الثقة يحتاج إلى صدق مع الناس والصدق مع الناس يحتاج إلى صدق مع النفس أولاً، لن تستطيع أن توصل للناس ما تريده إن كنت لا تعرف في قرارة نفسك ماتريده حقاً، وإن كنت تعرف ما تريده حقاً وتحاول إخفاءه عن الناس ستتمكن من خداع فئة صغيرة أو كبيرة منهم لفترة قصيرة أو طويلة لكنهم سيكشفوك في نهاية المطاف


حرية التعبير والتنظيم ليست عطاءً للناس يُشكر الحاكم عليه بل حق لهم يُجرم إن سلبه منهم


يحب الإنسان الشجرة التي ينميها بمقدار ما يبذل في رعايتها من جهد ثم ينعكس هذا الحب بمزيد من الجهد وهكذا، كل من الحب والبذل يبدأان بالإيمان بأن الفسيلة الصغيرة الضعيفة تحمل في داخلها إمكانيات أن تصبح شجرة عظيمة وارفة الظلال،


أن نؤمن بالناس الذين نعمل من أجلهم وبما أودع الله فيهم من إمكانيات عظيمة وبأهليتهم للعيش الحر الكريم هو الذي يدفعنا إلى حبهم والبذل من أجلهم، بغياب هذا الإيمان يغيب الحب والبذل وفي أسوأ الحالات يتحول الإنسان إلى طاغية صغير أو كبير لا يرى الناس إلا مطايا لطموحاته


(لقد كرمنا بني آدم)
من تكريم الإنسان ألا يعيش في ظل سلطة مستبدة تجعل نفسها فوق البشر خارج أي مساءلة أو مراقبة أو محاسبة
من تكريم الإنسان ألا يرتبط مصير ملايين البشر بمصير شخص واحد فإن بقي بقوا وإن هلك هلكوا
من تكريم الإنسان ألا يوضع الناس بين خيارين الاستبداد أو الفوضى
من تكريم الإنسان ألا يخضع الناس لسلطة تستبيح حقوقهم ودماءهم وأموالهم وأعراضهم تحت أي مبرر كان
إذا لم يستطع الإنسان بناء منظومة تجنبه كل هذه الانتهاكات لكرامته فلأنه لم يبذل ما يكفي من جهد فكري وعملي وأخذ بالأسباب لبناء هذه المنظومة وليس لأن الله لم يخلقه مؤهلاً لبنائها - لمن يقول إن السوريين خُلِقوا قطيعاً لا يٌساق إلا بالعصا!- وإلا يكون الله قد وعد الإنسان بالتكريم وأخلف وعده حاشا لله هو أصدق القائلين
ثورتي على الاستبداد بكل أشكاله وإيماني بأهلية الشعب السوري للعيش الحر ليس موقفاً سياسياً أو اجتهاداً فكرياً، هو اعتقاد ومنهج حياة يدخل في صلب فهمي للدين وللخالق العادل الحكيم ولإنسانيتي وكرامتي التي منحني الله إياها


(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)
كذلك من يعرض فكرته بطريقة فيها تعالٍ وأستذة وفوقية يعرض الناس عنها ولو كانت صحيحة


يبني العقل قراراته اعتماداً على معلوماته وعلى ما تعلمه من طرق لمعالجة هذه المعلومات، كلما كانت المعلومات أكثر وأدق وطرق معالجتها صحيحة كانت القرارات أفضل،
عندما تعمل عدة عقول معاً من أجل هدف واحد، وتزول بينها الحواجز النفسية وتمتد جسور الثقة، تصبح وكأنها عقل واحد جبار معلوماته مجموع معلومات هذه العقول ومهاراته في معالجة المعلومات هو مجموع مهاراتها وقدرته على رؤية أوسع مساحة من المشهد وتصحيح الأخطاء وإبداع الحلول هو مجموع قدراتها،
بناء فرق عمل تسودها الثقة وتمتلك هذا العقل الجمعي الجبار هو ما نحتاجه اليوم لمواجهة التحديات المعقدة التي يعجز عقل واحد عن مواجهتها مهما بلغ من العبقرية


جمع الناس على (كلمة سواء) بالحوار والتفاوض والإقناع وبناء الثقة ليست مهمة سهلة أبداً، لكنها ليست مستحيلة، عدم السهولة يعني أن احتمال النجاح صغير (وهو احتمال يكبر باستمرار المحاولة ومراكمة الدروس المستفادة من قصص النجاح والفشل) أما الاستحالة فتعني أن احتمال النجاح صفر، وهناك فرق هائل بين الصفر ورقم يكبر باستمرار
نعم هناك عدد هائل من الخيارات أمام من آمن بأهلية السوريين للعيش الحر الكريم وقدرتهم على تشكيل قيادة يحترمونها وتحترمهم، وهناك صفر خيارات أمام من يعتقد أن السوريين خلقوا قطيعاً لا يساق إلا بالعصا داخلية كانت أم خارجية
الفرق بين الاعتقادين ليس خلافاً سياسياً هو اختلاف فكري فلسفي عميق في النظرة إلى الإنسان وكرامته ومكانته في هذا الوجود


لا نستطيع أن نقولب الناس كما نريد. كل ما نستطيعه أن نضعهم في مواقع تغطي فيها نقاطُ قوة بعضهم نقاطَ ضعف البعض الآخر فيصبح الكلُّ أقوى من أي جزء فيه، هذه برأي من أهم مهارات القيادة


بين الخلطة والعزلة
تتحقق إنسانية الإنسان بقدر اهتمامه بالآخرين والاهتمام بالآخرين يحتاج إلى اختلاط بهم، بهذا المعنى تصبح الخلطة حاجة وجودية لذلك قالوا: الجنة من دون ناس ما بتنداس
في الوقت نفسه يحتاج الإنسان إلى جنة من نوع آخر هي العزلة التي يراجع فيها حصيلة اختلاطه بالآخرين ليستفيد منهم دون أن يذوب فيهم ويتخلى عن تصوراته الخاصة التي تحدد ذاته ووجوده، بهذا المعنى تصبح العزلة حاجة وجودية أيضاً ولكن من زاوية ثانية تقابل الزاوية الأولى وتكمّلها


يبلغ الإنسان قمة إنسانيته في اللحظة التي يتغلب فيها شعوره بالواجب على شعوره بالخوف وهي اللحظة الأغنى والأجمل في حياة أي إنسان .. حتى الموت يصبح بعدها تفصيلاً غير مهم


توسيع شبكة علاقاتنا وتنويعها وتعميقها يزيد قدرتنا على اكتشاف أنفسنا. ما يشدنا إلى الآخرين وما ينفرنا منهم وما نطلبه وما نتحاشاه في علاقاتنا معهم يكشف من نحن؛ يكشف قيمنا واهتماماتنا وتفضيلاتنا والأمور التي تثير حماسنا، رحلة الكشف هذه مفيدة بقدر ما نكون قادرين على اختبار الافتراضات المسبقة في تعريفنا لأنفسنا وإعادة النظر فيها، عندها تحدث المفاجآت السارة ولا تعود الذات معطى ثابتاً خاضعاً للاكتشاف وإنما بناءً مسكوناً بالممكنات يُشتغل عليه باستمرار ليرتفع ويتزخرف ويمتد


كان الرسول عليه الصلاة والسلام يجلس حيث ينتهي به المجلس، ونهى عن القيام له كما تقوم الأعاجم، وكان الصحابة ينادونه (رسول الله) دون أي إضافة أخرى تدل عن التعظيم والتبجيل، ولم يهتفوا أمامه: لبيك يا محمد، والقرآن أوضح بشكل قاطع أن محمداً عليه الصلاة والسلام بشر كغيره لا يختلف عن بقية البشر إلا بالوحي الذي ينزل عليه (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي)
ليس في الإسلام (سيد) ولا أتباع ولا لبيك يا فلان وتسيد البشر باسم الدين يخالف روح الدين بل هو ما جاء الإسلام ليحرر البشرية منه (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)


عندما يسيء الآخرون فهمي أنا المسؤول عن ذلك، علي أن أشرح لهم فكرتي بطريقة أفضل
عندما لا يتجاوب الفريق الذي أقوده بشكل كافٍ، أنا المسؤول عن ذلك علي أن أحفزه بطريقة أفضل أو أن أختار أشخاص أنسب للقيام بالمهمة
يظن البعض أن اللوم أسهل من تحمل المسؤولية لكن العكس هو الصحيح، اللوم يسبب راحة مؤقتة لكنه يؤسس للعجز وفقدان القدرة على التأثير على المدى الطويل
بينما تحمل المسؤولية يقتضي مزيداً من الجهد على المدى القصير، لكنه يؤدي إلى الإمساك بزمام الأمور والشعور بالراحة النفسية على المدى الطويل
تحمل مسؤولية النتائج يعني أن علي أن أفكر بطريقة مختلفة وأتصرف بشكل مختلف لكي أحصل على نتائج مختلفة
تحمل مسؤولية النتائج ليس جلداً للذات فلا سوط هنا وإنما تواضع واستعداد دائم للتعلم واكتشاف مساحات جديدة في الذات والعالم
تحمل مسؤولية النتائج بدل اللوم ولعب دور الضحية هو الطريقة الوحيدة للتعلم والنمو بشكل مستمر
تحمل مسؤولية النتائج يصنع الشخصية القيادية التي تفعل بدل أن تنفعل وتغير بدل أن تتغير وتؤثر بدل أن تتأثر
تحمل مسؤولية النتائج هو النهج القرآني في التعامل مع التحديات (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)، (قل هو من عند أنفسكم)، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم)


(الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)
في عبارتين مركزتين تحدد هذه الآية الغاية النهائية لأي نظام سياسي وهذه الغاية هي مقياس النجاح أو مقياس الإنجاز الحقيقي لأي فاعل سياسي في هذا النظام سواء كان حزباً أو شخصاً
1- أطعمهم من جوع، تندرج تحتها تأمين فرص العمل وما يقتضيه ذلك من صنع بيئة سليمة للاستثمار والتنافس الاقتصادي والتعليم الذي يلبي حاجة السوق والبحث العلمي الذي يطور المنتجات باستمرار وتأمين إدارة رشيدة وقضاء عادل نزيه لا تتحقق هذه البيئة من دونهما
2- آمنهم من خوف، تندرج تحتها بناء نظام سياسي لا تخاف فيه مكونات المجتمع من بعضها البعض لأن هناك دستوراً يحمي حقوق الجميع، ولا يخاف فيه الإنسان على سلامته أو حياته أو حريته إن عبر عن رأيه، ولا يخاف فيه الناس من المستقبل لأن هناك مستبداً بني سلطته على زرع فكرة أن مصالحهم واستقرارهم مرتبط بوجوده وبالتالي لا يعرفون ما الذي سيحل بهم حال غيابه، ولا يخاف فيه الناس من عدوان الدول الأخرى عليهم نتيجة قصور في فهم العالم واستعداء دوله من غير مبرر