cover

خواطر 2024-4

اليوم وانا أقرأ قوله تعالى (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) وأتأمل في أحوالنا ورد في خاطري هذا المعنى:
إن كسب المؤيدين لمشروع ما عن طريق الكذب عليهم هو من أشكال الرزق الذي لا يبارك الله فيه ومآله إلى الفشل والبوار في نهاية المطاف لأنه رزق قائم على الكذب سواء رفع أصحاب المشروع الكاذب شعار المقاومة أو الدين أو الوطنية أو غيرها من الشعارات الخادعة التي تخفي خلفها مطامع شخصية أو فصائلية أو طائفية


رحلة في عقل مستبد
يمتلك المستبد طموحاً كبيراً وثقة عالية بالنفس وشجاعة تحمله على الإقدام على خطوات لا يجرؤ عليها الآخرون لذلك يتقدم عليهم
وهو لا يتورع عن سفك الدماء وإيذاء الآخرين لأنه يحكم الناس بالخوف وبالتالي هو يثير فيهم أكبر قدر من الخوف على حياتهم وسلامتهم
وفي الوقت الذي يعتبر فيه الآخرون ما يُنزله المستبد بخصومه من قتل وسجن وتعذيب إجراماً وظلماً فإنه يبرر لنفسه ما يقوم به بأنه عمل مشروع لخدمة قضية أخلاقية دينية أو وطنية وبالتالي يعتبر إجرامه قوةً واقتداراً ودليلاً على أنه أكفأ من غيره وأجدر بالسلطة والحكم
ولأنه لا يستطيع أن يقوم بأعمال الحكم لوحده يحتاج المستبد إلى فريق، فريق من ذلك النوع من الرجال الذين يقبلون أن يكونوا أداة طيعة بيده لا يقولون له (لا) ويمر تشكيل الفريق بمراحل متتابعة يختبر فيه المستبد ولاء أعضاء الفريق له وفي هذه المراحل يفقد حريته أو حياته من لا ينجح في هذا الاختبار ويصبح عبرة لغيره فتزداد الحلقة المحيطة بالمستبد ولاء أعمى له وتبعية مطلقة لشخصه
يصنع المستبد عصبته من نوعين من الرجال، صغار نفوس وعباد شهوات يعلم أنهم صغار نفوس وعباد شهوات لكنه يحتاج إليهم، وآخرون مخدوعون مغرّر بهم يبررون لأنفسهم ولاءهم للمستبد بخدمة قضية أخلاقية دينية أو وطنية وهو ذات المبرر الذي يتخذه المستبد للبطش بالآخرين
ينتشي المستبد بأناه المتورمة وتسكره شهوة السلطة المطلقة وتنتفخ ذاته المريضة باستمرار دافعة إياه إلى مزيد من التحكم والتسلط، ولأن الغاية عنده تبرر الوسيلة يتحالف المستبد مع أي جهة تضمن له استمرار سلطته وتوسيعها وهو لا يبالي إن كانت هذه التحالفات على حساب مصلحة الشعب أو فيها انتهاك لمبادئ أخلاقية فما يهمه السلطة فقط
يدرك المستبد أن الطريقة التي يحكم بها قد تؤدي إلى انهيار الأمور بعد ذهابه لكنه لا يبالي فهمه الوحيد مصلحته الشخصية واستمرار نشوة الحكم المطلق التي تسري في عروقه حتى آخر لحظة في حياته ولو كان من بعده خراب البلاد والعباد بل تحدثه نفسه المريضة بأن الخراب الذي سيأتي من بعده سيكون دليلاً على أنه القائد المعجزة الذي ضاعت الأمة برحيله
يعمل المستبد بشكل منهجي على إفقاد الناس ثقتهم بأنفسهم فيحرم عليهم حرية التعبير والتنظيم التي من خلالها يبلورون أفكارهم ويبنون قواهم السياسية ويكتشفون قاداتهم فيسود التصحر الفكري والسياسي والقيادي في المجتمع ثم يقف المستبد بعدها في وسط الصحراء التي صنعها ببطشه ليقول: ألم أقل لكم أنكم قطيع شارد لا يُساق إلا بالعصا!
يعلم المستبد أن مجتمعاً يسوده الصدق والمروءة والشجاعة لن يقبل به لذلك يشتري الذمم ويشجع الفساد وينشر النفاق بجعله وسيلة لدفع الضرر وجلب النفع وهو يعزز في المجتمع صفات الخور والجبن والاستكانة بجعلها الطريق الوحيد للسلامة فيتعفن المجتمع أخلاقياً وتسوده السطحية واللامبالاة والاهتمام بالتوافه وكل ذلك في ظل شعارات أخلاقية براقة ذات طبيعة دينية أو وطنية يرفعها المستبد لتخدير ضمائر الناس ومساعدتهم على خداع أنفسهم


السفينة التي ستعبر بالسوريين إلى بر الأمان هي وعيهم بحقوقهم وقدرتهم على تنظيم أنفسهم لحماية هذه الحقوق
هي سفينة نوح التي يستغرق بناؤها وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً لكنها سبيل النجاة الوحيد الذي ينقذ السوريين من أمواج الاستبداد والفساد فاتهمونا بالتنظير كما شئتم واسخروا منا كما تريدون
وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِۦ سَخِرُواْ مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ


زمن استعباد شعوب منطقتنا باسم مقاومة اسرائيل وتحرير الأقصى يوشك على الانتهاء، كانت أدوات ذلك الزمن أجهزة أمن إجرامية وجيوش فاسدة صممت لقمع الشعوب حين تثور، وكان شرط استمراره فهم خاطئ للدين يبرر الخنوع للظالمين بحجة (لا صوت يعلو على صوت المعركة) وغياب الوعي بأسباب القوة الحقيقية الكامنة في نيل الشعوب لحقوقها وكرامتها، كنا نعلم أن ذلك الزمن سينتهي بموجب السنن الربانية لأنه قائم على الكذب والفساد وخيانة الشعوب، والسنن الربانية تقول (إن الله لا يصلح عمل المفسدين)، (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين)
الزمن القادم ستتنازع تشكيله إرادتان وسيحتدم الصراع بينهما في مقبل الأعوام والعقود:
إرادة تريده زمناً اسرائيلياً، تنسحق فيه إرادة الشعوب تحت وطأة آلة القتل الاسرائيلية ومن يدور في فلكها، وتتحول إلى مجتمعات استهلاكية خانعة لا وجهة حضارية لها، ولا دور سوى ما ترسمه الدول الكبرى بما يحقق مصالحها
وإرادة تريده زمن الاستقلال من الاستبداد والاحتلال معاً، زمن استعادة الشعوب لحقوقها وبناء دول حقيقية تعرف كيف تضع نفسها على خريطة العالم من خلال توافقات وطنية تضع كرامة الإنسان في مركز اهتمامها، وتعرف كيف تراكم أسباب القوة الاقتصادية والعلمية والاعلامية والعسكرية دون استعداء العالم وفي الوقت نفسه دون التخلي عن حقها في تقرير مصيرها واستعادة أراضيها المحتلة
انتصار هذه الإرادة يحتاج إلى قوى سياسية واجتماعية منظمة، وإلى رؤى وبرامج وأفكار جديدة، وإلى الاستفادة من التاريخ القريب والبعيد والتجارب السابقة وعدم تكرار الأخطاء
انتصار هذه الإرادة يحتاج إلى نفس طويل بعيد عن الانفعال وردود الأفعال، وإلى الإيمان بالشعوب وما أودع الله فيها من إمكانيات وبأنها لم تُخلق لتكون قطعاناً تُقاد بالسوط وإنما هي طاقات كامنة تنتظر الإنطلاق عندما تملك ما يكفي من وعي وتنظيم


أكثر الناس تواضعاً أكثرهم صراحة وابتعاداً عن اللف والدوران، والعكس صحيح، فالمتكبر يتعبك باللف والدوران حتى لا يعترف بخطئه لأنه يعتبر نفسه أكبر من أن يخطئ


يقول: فلان التعامل معه صعب، تسأله: لماذا؟ يجيب: لم يعرني كتاباً طلبته منه
فلان التعامل معه صعب، هذا رأي
فلان لم يعرني كتاباً طلبته منه، هذه حقيقة
التعامل مع الآراء على أنها حقائق ونقلها إلى الآخرين عند سماعها وكأنها حقائق هو سبب معظم المشاكل في العلاقات
الحل أن يميز الإنسان بين الرأي والحقيقة وعندما يسمع رأياً أن يسأل صاحبه لماذا؟ وبعدها يبني رأيه الخاص على الحقائق لا على آراء الآخرين


للإنسان الحق في أن يميل إلى أشخاص وينفر من آخرين، هكذا من دون أي سبب، لكن المروءة والدين يقتضيان ألا يؤثر ذلك على إنصافه في الحكم عليهم والتعامل معهم (ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا) وهنا يظهر معدن الرجال


لا علاقة للمكيف بصحة الأفكار، 1+1=2 عبارة صحيحة ولو كان قائلها (تحت المكيف)


مهمة من يتصدى لتوعية الناس أن يسمى الأمور بأسمائها، فإذا لم يستطع ذلك لأي اعتبار يمكنه أن يصمت، أما أن يسمي الأمور بغير أسمائها فقد تحول إلى كاذب ومضلل


بدل أن نحاسب بعضنا على النتائج ونترك النوايا لله، نحاسب بعضنا على النوايا دون نظر إلى النتائج، لا عجب أن أحوالنا في هذا العالم مقلوبة رأساً على عقب!


عمل الإنسان بالفكرة التي يراها صواباً والصبر حتى تؤتي ثمارها مهما كثر المخالفون والمشككون هو الطريقة المثلى لتأخذ هذه الفكرة سبيلها إلى عقول الناس وقلوبهم فالناس يصدقون ما يرونه أكثر مما يسمعون عنه


أعطى الله عقولنا ملكتين: الأولى هي التفكير بالمآلات حتى لا ننخدع بما تنقله حواسنا في اللحظة الحاضرة، والثانية هي التفكير بالبدائل خارج احتمالي (إما/أو) حتى لا نحبس أنفسنا في خيارات خاطئة، إن تعطيل هاتين الملكتين يوردنا المهالك


اللغة تعكس الفكرة والفكرة لها وظيفتان: عكس الواقع وتغييره، لذلك من يتكلم عن قومه بلغة اليائس الذي لا يرى فيهم إلا سواداً هائماً لا خير فيه سيتحرك ويحرك الآخرين بطريقة تعزز هذه الفكرة، ومن يتكلم عنهم بلغة الرائي (صاحب الرؤية) الذي يرى فيهم طاقات كامنة تبحث عمن يكتشفها ويطلقها وينظمها سيتحرك ويحرك الآخرين بطريقة تعزز هذه الفكرة أيضاً


البوطي لم يكن ينقصه العلم الشرعي ومع ذلك ارتكب خطيئة شرعية عظيمة بتأييده نظام الأسد الأب ثم الابن
الشنقيطي معه دكتوراة في (الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان) ومع ذلك سقط سقطة أخلاقية هائلة بتأييده لحزب الله وإيران
أقول للشباب الذي يغلقون عقولهم ويتبعون شخصاً واحداً - مهما كانت مكانة هذا الشخص العلمية أو الدينية - لا تبيعوا عقولكم لأحد! خذوا ودعوا من أي إنسان، ستُسألون أمام الله عن قناعاتكم التي أعطاكم عقولاً لتشكلوها بالحجة والمنطق وسيسألكم يوم القيامة هل استخدمتم هذه العقول أم لا


لا يوجد وصفة ثابتة لتقييم الأشخاص، بعض الأشخاص لا يكفي السماع عنهم بل يجب أن تسمع منهم، بعضهم لا يكفي السماع منهم بل يجب أن تسمع عنهم، حتى في الشخص الواحد تختلف طريقة التقييم باختلاف الجانب المراد تقييمه، ودائماً الأفعال والمواقف والأحوال تخبر عن الإنسان أكثر مما تخبر عنه الأقوال


كيف تستقيم خطا طفل لم يمش في حياته قط؟ بأن نشجعه على المسير ونساعده على النهوض إن تعثر ونصبر على اضطراب خطواته حتى يتمكن من السير بثقة وثبات، منعه من السير بحجة الخوف عليه من التعثر سيبقيه مشلولاً إلى الأبد
كيف نساعد السوريين على تعلم النقد البناء؟ بإفساح المجال لهم ليعبروا عن آرائهم بعد صمت استمر لأكثر من ستة عقود، وعندما تبرز أشكالٌ هدامة من النقد نقوّم ونصوّب ونعلّم ونتعلم من بعضنا البعض وهكذا بالتدريج تنضج عند السوريين الحكمة الجماعية والقدرة على النقد البناء
كيف نساعد السوريين على تنظيم أنفسهم سياسياً؟ بإفساح المجال لهم ليشكلوا قواهم السياسية المنظمة ويطوروها بالتدريج حتى تصبح مؤسسات حقيقية تعبر عن مصالح السوريين وتخرّج قادة حقيقيين ورجال دولة
الممارسة والتصويب في أثناء الممارسة هو السبيل الوحيد لنمو وتطوير أي مهارة فردية أو جماعية أما كم الأفواه ومنع حرية التعبير والتنظيم بحجة عدم نضج السوريين وخوفاً عليهم من أنفسهم وخوفاً من (الفتنة) و(الفوضى) فهي حجة النظام البائد حتى لا يسمع الناس إلا صوته وحتى لا يكون في الساحة قوة سياسية منظمة سواه
هذا الكلام ليس موجهاً للقيادة الجديدة في سورية التي نعترف بشرعيتها ولم نر منها حتى الآن أي قمع أو كم للأفواه، هو موجه لبعض السوريين الذين ينتقدون كل من ينتقد ويريدون أن يعيدونا إلى حالة الصمت والاكتفاء بالتأييد والتصفيق التي بذلنا كل هذه الدماء للخروج منها


تحديد صورة #سوريةالجديدة سهل جداً، ما علينا إلا أن نستحضر ملامح وممارسات سورية الأسد، ثم نستبدلها بملامح وممارسات تناقضها تماماً، فتبرز أمامنا صورة #سوريةالجديدة واضحة جلية


لله درها من ثورة غيرتنا جميعاً وتستمر في تغييرنا، دفعنا التمسك بمبادئها إلى الاشتباك بالفكر والكلمة والموقف مع كل ممارسات الفساد والاستبداد عندما كنا في الشمال السوري ولولا معارضتنا لهذه الممارسات لما رأينا حالة النضج والتغير في الخطاب عند بعض من كنا نعارضهم والتي نفخر أننا ساهمنا في صنعها
هذا التغير نجد أنفسنا اليوم في موقع تشجيعه والدفع به إلى الأمام دون حركات التملق والمبالغة في الإطراء التي لا نحبها ولا نجيدها وتظل أيدينا على زناد الصدق والجرأة في قول الحق حتى نرى الخطاب سلوكاً وواقعاً على الأرض وحتى نرى المجتمع السوري وقد تحول إلى مجتمع حر حي واثق من نفسه يعرف كيف يطالب بحقوقه وينالها ويؤمن أنه ولّاد بالقيادات والكفاءات ويستحق العيش الحر الكريم دون منة من أحد


لا نريد ثورة جديدة ولسنا بحاجة إليها، ثورة واحدة تكفي وقد خلصتنا من نظام الإجرام وجعلت دولة الخوف والخنوع خلف ظهورنا وأعطتنا فرصة لبناء مجتمع سوري حر كريم
نهوض سورية الجديدة مقترن بتحقيق كرامة الإنسان السوري فيها وهي كرامة لا تتحقق بالشعارات والخطابات وإنما بالممارسات والإجراءات والسلوكيات والقوانين في كل وزارة ومؤسسة حكومية وخاصة بل في كل مدرسة ومسجد وبيت، سنعزز ذلك بالنصح برفق ولكن بحزم ووضوح من دون تملق ولا مواربة
ولى زمن عبادة الفرد وجاء زمن بناء دولة القانون والمؤسسات، المعارضة لن تكون عدواً للحكومة وإنما كما هو الحال في كل المجتمعات الحرة هي ضرورية حتى نخرج من الدولة الشمولية ذات الحزب الواحد والرأي الواحد واللون الواحد، وحتى تكون هناك أطراف تسعى إلى تحقيق مصالح الشعب من خلال التنافس السلمي على كسب عقول وقلوب السوريين والوصول إلى أماكن صناعة القرار أو التأثير فيها، وحتى يكون هناك احترام لإرادة السوريين التي تتجلى في صناديق الاقتراع
الأمن والاستقرار في سورية الجديدة مرتبط بتحقيق كرامة الإنسان السوري، والمجتمع السوري الواعي المنظم هو الضمانة الأساسية لبناء سورية الجديدة الآمنة المستقرة المزدهرة التي يكون فيها الحكام موظفين عند الشعب لا أسياداً عليه، كل سوري بوعيه ومطالبته بحقوقه مسؤول عن بناء سورية الجديدة هذه وحمايتها
سندندن حول هذه المعاني كثيراً وسندندن حولها طويلاً حتى تترسخ في القلوب والعقول لأننا دفعنا أثمانها بحوراً من دم


لماذا نحن بحاجة إلى أحزاب سياسية في سورية الجديدة؟
الحرية السياسية من أهم أهداف الثورة السورية، من معاني الحرية السياسية حرية السوريين في أن يشكلوا أحزاباً سياسية تضع برامج تحقق مصالحهم وتتنافس فيما بينها للوصول إلى الحكم من أجل تنفيذ هذه البرامج
عندما يكون هناك أحزاب سياسية تتنافس فيما بينها لكسب عقول وقلوب السوريين وللوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع سنضمن وصول أفضل الناس وأكثرهم كفاءة إلى مكان صناعة القرار، وعندما تكون هناك حرية سياسية تضمن حق المعارضة وحق تشكيل النقابات ومنظمات المجتمع المدني وحرية إعلامية تضمن حق الانتقاد الموضوعي لعمل الحكومة فإن هذا سيشكل حالة من الرقابة المجتمعية والسياسية على عمل الحكومة تلزمها بالوفاء بوعودها وتقديم أفضل ما لديها حتى تفوز بالانتخابات القادمة، ومن دون هذه الحريات السياسية والإعلامية سنعود إلى حكم الحزب الواحد وحكم الفرد الواحد الذي لايُسأل عما يفعل وهم يُسألون وسنعود إلى الحجة التي استخدمها النظام البائد طوال ستين عاماً وهي أن السوريين لا تليق بهم الحرية وأنها ستقود إلى الفوضى وستصبح أهداف ثورتنا في الحرية والكرامة في مهب الريح وكأنك يا زيد ما غزيت!
إن العمل الحزبي من أرقى أنواع العمل التنظيمي الذي يحقق مصالح الشعوب، العمل الجماعي المنظم لا يأتي إلا بخير في أي مجال من المجالات سواء كانت سياسية أو تعليمية أو طبية أو حقوقية أو غير ذلك، عندما ينظم الناس الذين يعملون في مجال معين أنفسهم في مؤسسات تكون قدرتهم على تقديم الخدمة في هذا المجال أضعاف قدرتهم على ذلك عندما يكونون فرادى، المستشفى تقدم خدمات طبية أكبر بكثير من العيادة، والجامعة والمدرسة يقدمان خدمات تعليمية أكبر بكثير من التدريس الفردي، والمؤسسة الإعلامية تقدم خدمات إعلامية أكبر بكثير من الإعلامي الذي يعمل بمفرده، وهذا ينطبق على المجال السياسي أيضاً
الحزب السياسي هو المكان الذي تتجمع فيه الكوادر والكفاءات وتبرز فيه القيادات ورجال الدولة، وإذا أردنا لسورية الجديدة ألا تعود إلى حكم الحزب الواحد وحكم الرجل الواحد فيجب أن تبدأ الأحزاب السياسية من الآن بالتشكل والنشاط وتقديم الرؤى والبرامج سواء المتعلقة بالمرحلة الانتقالية أو بما بعد المرحلة الانتقالية
إن من أولى أولويات المرحلة الانتقالية وضع قانون أحزاب مؤقت ينظم عمل الأحزاب السياسية وإتاحة المجال لهذه الأحزاب أن تنشط في الساحة السورية فالتجربة الحزبية تحتاج إلى وقت حتى تنضج وتتبلور وكل تأخير في بدء الأحزاب عملها ونشاطها هو تأخير في نضج وتبلور هذه التجربة، وليس مقبولاً أبداً قمع الحريات السياسية بحجة أن السوريين غير مهيأين لها فلا شيء يهيئ السوريين لتجربة العمل الحزبي إلا خوضه بالفعل، وإلا سنكون كمن يمنع ابنه من الحركة بحجة الخوف عليه من التعثر فيظل مشلولاً إلى الأبد!
بدخول السيد أحمد الشرع دمشق فاتحاً دخل التاريخ من أوسع أبوابه واكتسب شرعية سياسية لقيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة وبمقدار ما يفسح المجال للحريات السياسية تتعزز شرعيته ويصبح المؤسس للجمهورية السورية الرابعة التي لا ترتبط بشخص واحد أو بحزب واحد، ولا سبيل لقيام هذه الجمهورية إلا بقيام مجتمع سوري واع سياسياً ومنظم سياسياً ولا سبيل إلى ذلك إلا بقيام أحزاب سياسية وطنية تعمل للصالح العام وهذا يجب أن يبدأ فوراً ومن دون أي تأخير


أيها السوريون الذين يدينون بالإسلام، دعكم من المصطلحات السياسية التي يختلف الناس في معناها والتي تعجب بعضهم ولا تعجب البعض الآخر كمصطلحات (ثورة) و(معارضة) وتعالوا إلى الإسلام ذاته
ألم يقل تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ألا تريدون أن يرزق الله بلادكم الأمان والاستقرار والازدهار؟ عليكم بالتقوى إذن، ومن التقوى أن تجهروا بكلمة الحق وألا تركنوا إلى ظلم صغيراً كان أم كبيراً
ألم يقل تعالى (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً) ألا تريدون أن يسقي الله بلادكم الخيرات والعدالة والكرامة؟ عليكم بالاستقامة إذن، ومن الاستقامة ألا تسكتوا على باطل وألا تكونوا جزءاً من أي منظومة فساد أو استبداد وأن تواجهوا هذه المنظومة حيثما وجدت
لا تكونوا ثائرين ولا معارضين، فقط كونوا مسلمين بحق، كونوا صادقين في إسلامكم، وسيفتح الله عليكم بركات الأرض والسماء وتكسبون الدنيا والآخرة


الاحترام والتقدير وإنزال الناس منازلهم شيء، والتقديس والتصنيم والتأليه شيء آخر مختلف تماماً والفرق بينهما واضح وبسيط
في الحالة الأولى أنت تذكر مآثر الشخص الذي تقدره وفي الوقت نفسه تنتقده إن أخطأ
في الحالة الثانية أنت لا تنتقد الشخص الذي تقدسه أبداً بل لا ترضى للآخرين أن ينتقدوه
طبعاً النقد لا يعني التخوين والتجريح والاتهام، وإنما أن تقول هذا التصرف غير صحيح وتبرر لماذا هو غير صحيح جاعلاً المصلحة العامة هي المعيار التي يحدد الصح والخطأ
النقد الموضوعي في الفضاء العام لمن هم في موقع القرار والمسؤولية حالة صحية في المجتمعات تمنع بروز الاستبداد وتحول دون صناعة الآلهة البشرية، رحم الله أبو بكر الصديق الذي قال: إن ملت عن الحق هكذا فقوموني بالسيف هكذا


لم تكتف الثورة السورية بالإطاحة بأكثر الأنظمة توحشاً عبر تاريخ البشرية بل إنها تدفع اليوم أصحاب المدارس الفكرية السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إلى مراجعات تاريخية لطروحاتهم وتصوراتهم حتى تنسجم مع أهدافها في الحرية والعدالة والكرامة، حقاً إنها لثورة عظيمة!


نحن مقبلون في #سورية_الجديدة على حوار وطني واسع، بل على حوارات سياسية وفكرية شاملة ليس على طاولة الحوار الوطني الرسمي وحسب بل في كل منتدى ومركز ثقافي ومقهى وبيت، لذلك نحن اليوم أحوج ما نكون إلى ثقافة الحوار وإدارة الاختلاف حتى نعبر هذه المرحلة بنجاح بإذن الله، وهنا أذكر نفسي والسوريين بالنقاط التالية:
1- الاختلاف أمر طبيعي وهو سنة الحياة، والتحدي ليس في وجود الاختلاف وإنما في كيفية إدارته والتعامل معه
2- كثير من الاختلافات تضيق عندما يزول سوء الفهم، لذلك علينا أن ننصت إلى الآخر بنية الفهم وليست بنية الرد، والفهم لا يعني الموافقة وإنما يعني ألا أبدي رأيي في المسألة قبل أن أفهم وجهة نظر الآخر تماماً، وأحياناً من المفيد بعد الإنصات أن نعيد وجهة نظر الآخر بطريقتنا ونقول له: هل تقصد كذا وكذا؟ وألا ننتقل إلى إبداء وجهة نظرنا حتى يكون جوابه على هذا السؤال: نعم هذا ما قصدته تماماً، هذا يخفض احتمال سوء الفهم إلى الصفر ويزيد من الثقة مع الآخر لأنه يدل على اهتمام حقيقي به وبفهم وجهة نظره
3- عندما نضع في أذهاننا أن مهمتنا ليست (الإقناع)، وإنما أن نبلغ الآخرين بصدق ما نعتقد أنه الصواب، وأننا عندما نعرض أفكارنا على الآخرين فلكي نضع أمامهم مزيداً من الخيارات ليختاروا ما يشاؤون بملء إرادتهم لا لكي نجبرهم على الخيار الذي ارتضيناه، عندما نضع في أذهاننا هذه الفكرة ونحن نطرح أفكارنا ونناقشها مع الآخرين نصبح أكثر مرونة وفهماً للآخرين واستيعاباً لهم، وهذا يجعلنا أقدر على إيصال ما نريده إليهم وتجاوز العوائق النفسية التي يحدثها الخلاف في الرأي، وهنا تكمن المفارقة العجيبة: كلما قلّ تمسكنا بإقناع الآخرين بأفكارنا، زادت قدرتنا على الإقناع!
4- الحوار هو وسيلة للنظر إلى المسألة من كل الزوايا وأحياناً تكون الأفكار المختلفة صائبة بحسب زاوية النظر إلى المسألة، هذا على صعيد توصيف المسألة محل الاختلاف. كذلك على صعيد إيجاد الحلول لمشكلة ما ليس بالضرورة عندما يكون هناك حلّان مختلفان فعلينا أن نلزم أنفسنا بالاختيار بينهما، قد نبدع حلاً ثالثاً ورابعاً وخامساً كل ذلك يتحقق بالحوار المنفتح البناء والإبداع في توليد الحلول. الحوار البناء يحتاج إلى خيال واسع وجرأة في تجاوز النمطي المألوف والخروج من صناديق التفكير المعتادة ونحت مفاهيم جديدة
5- بناء الثقة هو الأرضية اللازمة لأي حوار بناء، يحتاج ذلك أولاً إلى الصدق مع الذات ومع الآخر، وثانياً إلى إدراك معيقات بناء الثقة والعمل على إزالتها بالأفعال وليس بالأقوال فقط
وأخيراً كلي ثقة بقدرة السوريين على إدارة اختلافاتهم وعلى تحقيق مساحة من التفاهم تمكنهم من العيش الكريم بعيداً عن الظلم والطغيان