cover

خواطر 2022-4

قد يعجز صاحب فكرة صحيحة عن تحويلها إلى واقع، لأنه لم يستكمل المعرفة والقدرة والأدوات اللازمة لذلك، أو ببساطة لضعف أو قصور فيه فالناس إمكانيات ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها

لكن هذا لا يطعن في صحة الفكرة ذاتها، قد ينتشر الكذب في مجتمع إلى درجة يصبح فيها كل الناس كذابين، هذا لا يجعل الكذب عملاً صحيحاً وسيظل واجبنا أن نقول: الكذب حرام

جاء في الحديث الشريف (نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ينطبق الأمر على أي فكرة قد لا يملك من يحملها من الفقه والقدرة ما يمكنه من تحويلها إلى واقع، هذا لا يعني أن يتخلى عنها، يكفي أن يحافظ عليها ويبلغها حتى يأتي من هو أفقه منه وأقدر منه على تحويلها إلى واقع

عندما كنا نقول بوجوب عدم السكوت على مظالم النظام قبل الثورة، لم نكن قادرين على مواجهته، لكننا لم نتخل عن الفكرة وحافظنا عليها ودفعنا سنيناً في السجن ثمن ذلك، حتى توفرت الظروف الكافية ليثور نصف السوريين عليه

عندما تلتف يميناً ويساراً فلا ترى إلا الخبيث تكون مهمتك أن تبذل الوسع حتى تقلل الخبيث وتكثّر الطيب، إذا لم تنجح في ذلك سيأتي من هو أقدر منك، لكن فشلك في تقليل الخبيث وتكثير الطيب لا يجعل من الخبيث طيباً (قُل لَّا يَسْتَوِى ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ ۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

المعروف يظل معروفاً والمنكر يظل منكراً بغض النظر عن انتشارهما وبغض النظر عن قدرتنا على القضاء على المنكر، لذلك أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بإنكار المنكر ولو بالقلب إذا لم تتوفر الظروف اللازمة لإنكاره باللسان واليد، لكنه لا يتحول إلى معروف أبداً ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان )


من لا يستطيع القيادة لا يريد أن يُقاد

ومن يستطيع القيادة لا يريد أن يقود


الأوطان تبنيها أحزاب سياسية يجتمع أعضاؤها حول فكرة لا حول شخص أو عائلة أو عشيرة أو طائفة، أحزاب يعتبرها المنتمون إليها أدوات ووسائل لغاية أسمى هي الوطن بأكمله، رفعته واستقراره ورفاه كل مواطنيه

التجمعات السياسية التي يسيرها (زعيم) أو (سيد) بحركة من إصبعه، تتناقض مع فكرة الوطنية وهي مشاريع خراب معجل أو مؤجل مهما كانت العناوين مغرية والشعارات براقة


من يتصدى لتمثيل مجموعة من الناس عليه أن يلتزم برأيهم لأنه ممثل لهم،

هذا من ألف باء الأمانة

فإن كان له رأي آخر مختلف عن رأيهم عليه أن يقنعهم به، فإن لم يستطع إقناعهم عليه أن يعتذر عن مهمة تمثيلهم ويستقيل،

هذا من ألف باء احترام الذات!


بعد أن تحدثت عن الحرية والانضباط ضمن القيم السياسية التي تنهض بالمجتمعات، سألني أحد الشباب كيف يمكن الجمع بينهما؟!

أجبته: لا حرية من دون انضباط، ضربت مثالاً على إشارات المرور، انضباط السائقين بها هو الذي يجعل حركة السير تنساب بحرية في الطرقات، لولا إشارات المرور لكثرت الحوادث إلى الحد الذي يمنع الناس من استخدام السيارات

اذا نحن نمارس حريتنا في استخدام السيارات بمقدار انضباطنا بقواعد المرور

من دون انضباط بالأنظمة والقوانين ستكبلنا الفوضى بالقيود ولن نكون أحراراً بحق


لم يشهد التاريخ مجزرة مفتوحة وموثقة وممتدة لعقد من الزمن ضد شعب خرج مطالباً بحريته وتركه العالم لمصيره مثل المجزرة السورية، صور قيصر وتقارير الكيماوي لوحدها تكفي لإسقاط النظام ألف مرة،

العالم يوجه للسوريين منذ اليوم الأول لخروجهم ضد النظام رسالة واحدة واضحة: لا يسمح لكم بالحرية، #استقلال_القرار_السوري محرم عليكم! لدفعهم إلى اليأس والإحباط والتخلي عن الأهداف التي خرجوا من أجلها والرضا بالعودة إلى حظيرة الأسد مع بعض التغييرات الشكلية،

لكن ما الذي حدث وهل نجح العالم في ذلك؟

لو كان حجم الإحباط الذي يعيشه أهل الثورة اليوم مناسباً لحجم النار والكيد الذي ووجهت به ثورتهم المفروض ألا يبقى واحد منهم يفكر بالحرية!

لكن هذا لم يحدث، بل ما زال الملايين يفضلون التهجير والعيش تحت الخيام وتحت القصف على العودة إلى كنف النظام وما زال عشرات الألوف يتظاهرون رفضاً للمصالحة معه،

هذه معجزة بحد ذاتها لا تقل عن معجزة خروج الثورة أول مرة!


يحتدم النقاش بيني وبين بعض الأخوة أحياناً حينما أتحدث عن أهمية (المأسسة) في أعمالنا الجماعية

الحجة الحاضرة دائماً في التقليل من أهمية المأسسة، وأحياناً في اعتبارها أمراً سلبياً!هي أن المرحلة تحتاج إلى رجال (كارزماتيين) وأن المأسسة تؤدي إلى الروتين في العمل ولا تنتج قادة حقيقيين في وقت نحتاج فيه إلى الإبداع والتفكير خارج الصندوق وإلى رجال مبادرين لا يلتزمون بقيود المأسسة

برأيي هذه كلمة حق يراد بها باطل (من غير قصد في كثير من الأحيان)، فالمأسسة لا تمنع الإبداع والتفكير خارج الصندوق بل يمكن أن تشجع عليه وتنظمه وتستثمره وتحوله إلى تقليد راسخ داخل المؤسسة

والمأسسة لا تمنع وصول القادة الكارزماتيين إلى مكان القيادة، لكنها تمنع التصاقهم بهذا المكان إلى الأبد! وتصنع البيئة التي تكتشف أصحاب المواهب القيادية وتدربهم وتمكنهم حتى تصبح المؤسسة جهازاً لصنع القادة وتكثيرهم في المجتمع

المأسسة تمنع التصاق القائد بالكرسي والاعتقاد بأنه القائد الضرورة الذي لا بديل عنه والذي تضيع المؤسسة بغيابه

المأسسة تحتاج إلى ثقة بالناس وإلى الإيمان بهم والاعتقاد بأن فيهم كموناً هائلاً يجب استخراجه، وتحتاج إلى الاستعداد للتخلي عن مكان الصدارة وإفساح الفرصة للغير عندما تقتضي المصلحة العامة ذلك وهو أمر شديد علينا نحن السوريين لأن ثقافة البعث تغلغلت فينا حتى النخاع


ابراهيم ترك الصنم الأكبر دون تحطيم ليحطم أسطورة الأصنام كلها (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون)

لعل في بقاء الصنم الأكبر حتى اليوم حكمة فكل يوم يبقى فيه بشار يكشف لنا أساطير تحتاج إلى تحطيم

تعليق أملنا بالنصر على الآخرين بدل الاعتماد على النفس اسطورة

الاعتقاد بأن المشكلة في المستبد فقط وليست في نفسية العبد المنتشرة فينا اسطورة

الاعتقاد بأن كل من رفع علم الثورة أصبح ثائراً اسطورة

الاعتقاد بأن الثورة مجرد تغيير في الشكل والمظهر وليست تغييرا في التفكير والثقافة اسطورة

الاعتقاد بأن طريق النصر قصير وغير مكلف اسطورة

الاعتقاد بأن حسن النوايا دون إعداد وأخذ بالأسباب يكفي للنصر اسطورة

الاعتقاد بأن الدين لحى مرخاة دون عمل يطابق القول اسطورة

وغيرها أساطير كثيرة يبدو أن بشار لن يسقط قبل أن تسقط تباعاًَ من عقولنا وقلوبنا!


في الحديث النبوي أن (عمود النور) يسطع من الشام،

الحديث يحتمل تأويلات كثيرة، منها برأيي هذا الصراع الدامي الذي وجدنا أنفسنا فيه نحن أهل الشام بين شعب يريد حقوقه وحريته وكرامته ونظام مجرم تواطأ معه مجرمو العالم،

إن نفد هذا النظام بجرائمه في عصر انكشاف المعلومات ووصولها إلى كل إنسان وطبّعت معه دول العالم ستنحدر البشرية إلى درك سحيق لم تبلغه من قبل من التوحش واللاإنسانية والتطبيع مع الإجرام والمجرمين،

وإن نجحنا نحن السوريين في التخلص منه وسوقه إلى العدالة كما سيقت غيره من أنظمة الإجرام عبر التاريخ (كالنازية والفاشية والأنظمة العسكرية في أمريكا الجنوبية وغيرها) ستكون بداية عالم أكثر عدلاً ورحمة وإنسانية،

وهل (عمود النور) الذي يبدد ظلام البشرية إلا العدل وإحقاق الحق والأخذ على يد الظالمين وجعلهم عبرة لمن يعتبر؟!


الكرسي الشاغر أفضل من كرسي يشغله العجز

الفراغ أفضل من امتلاء بالتفاهة

العدم أفضل من وجود قميء

كلام يعجز عن فهمه من يجب أن يفهموه!


سردية هتلر العنصرية التي تقول: إن دم الآخرين أرخص من دم الألمان أشعلت حروباً كلفت أوروبا 50 مليون قتيل،

الدعوة إلى مصالحة بشار وعدم وصفه بالإرهاب رغم قتله مئات ألوف السوريين سردية عنصرية تقول: إن دم السوريين أرخص من دم غيرهم،

السرديات العنصرية وصفات حروب مستدامة تأكل أصحابها قبل غيرهم


إن استعادة البشرية لإنسانيتها المهدورة تبدأ من التخلص من نظام بشار

وإن التطبيع معه بعد كل جرائمه يعني انتكاساً وارتكاساً للبشرية إلى حضيض لم تصل إليه في أشد عصورها ظلاماً وانحطاطاً ووحشية

لا أبالغ بالقول أننا نحن السوريين الأحرار الذين نهتف #لن_نصالح، نعبر عما تبقى من ضمير إنساني في هذا العالم ونشكل برفضنا هذا انقاذاً للبشرية من الانحدار إلى درك سحيق لم تبلغه من قبل


الكذب والتدليس وتشويه الحقائق والنفاق واللوفكة واللف والدوران، هذه ليست واقعية ولا سياسة،

هذه أمراض ابتليت بها الشخصية السورية، وهي التي مكنت لعائلة الأسد وأدت إلى تدهور الأوضاع في بلادنا وصولاً إلى لحظة الثورة في آذار 2011

وبقايا هذه الأمراض فيمن يسمون أنفسهم معارضة أو ثواراً، هي التي تؤخر سقوط هذا النظام، لأنها تجعلنا،على الرغم من ضعفه الشديد، أشد ضعفاً منه!


يريد البعض أن تصلح أحوال الشمال السوري وقراره مسلوب والسوريون القاطنون فيه يعاملون معاملة الأتباع القصّر، مصورين المشكلة على أنها فساد وسوء إدارة لا غير، تماماً كما فعل بشار قبل الثورة عندما طالبنا بالإصلاح السياسي الذي يفسح للسوريين اختيار ممثليهم ومحاسبتهم فالتف على مطلبنا بالقول: الاولوية الان للاصلاح الاقتصادي واستجلب خبراء اقتصاد من عدة دول لكنه فشل، ثم قلص طموحه إلى الاصلاح الاداري واستجلب خبراء في الادارة من أنحاء العالم وفشل أيضاً

يستحيل الإصلاح الاقتصادي والإداري ومحاربة الفساد من غير إصلاح سياسي، الإصلاح السياسي يعني قانون يسري على الجميع، يعني تعيين المسؤولين على أساس الكفاءة لا الولاء، يعني إفساح المجال للناس ليختاروا من يمثلهم، يعني قضاء لا يفلت أحد من قبضته، يعني الشفافية والمحاسبة التي تطال الصغير والكبير، باختصار شديد؛ الإصلاح السياسي يعني رفع الوصاية عن الناس وأن يُعاملوا بكرامة واحترام حتى يتصرفوا بكرامة واحترام

قبل الثورة قال لي محقق في أحد الاستدعاءات : السيد الرئيس يريد الإصلاح لكن الشعب فاسد، كتبت بعدها في مقال كلفني استدعاء آخر: يستحيل القضاء على الفساد مع الاستبداد، يستحيل أن تعامل الناس كالحيوانات وتطلب منهم أن يتصرفوا كالبشر، يستحيل أن تعتبرهم عبيداً وتتوقع منهم أن يسلكوا سلوك الأحرار!


قمنا بثورة من أجل أن نملك قرارنا كسوريين، فأين نحن اليوم من هذا الهدف؟

إذا نظرنا إلى الخارطة السورية سنجد أن السوريين لا يملكون قرارهم في أي من المناطق الأربعة التي تسيطر عليها السلطات الحالية، في المناطق الخاضعة لبشار القرار لعصاباته ولحلفائه الروس والإيرانيين، في الشمال الشرقي القرار لقسد، في ادلب القرار للجولاني، في مناطق النفوذ التركي القرار السياسي والعسكري لتركيا، أما عن مؤسسات المعارضة الرسمية فقرارها خاضع للتوازنات بين الدول التي ترعاها. أين السوريون من كل هذا؟

صحيح أننا ما زلنا لا نملك قرارنا كسوريين لكن ما زالت طائفة منا تملك الإيمان بأهلية السوريين لأن يعيشوا أحراراً ويأخذوا قرارهم بأيديهم، ذلك الإيمان الذي دفعنا للقيام بثورة، والذي فقده الكثيرون اليوم من أهل الثورة أنفسهم!

نعم نحن ما زلنا عاجزين عن امتلاك القرار، لكن هل توجد لدينا القابلية أو الاستعداد أو الأهلية أو الجدارة أو الإمكانية (كلها مرادفات لمعنى واحد حتى اوصل الفكرة بأوضح شكل ممكن) لتدارك هذا العجز؟ من يجيب على هذا السؤال بـ(لا) سيقع في اليأس والإحباط أو سيتصرف كعبد وتابع وسيستبدل بشار بسيد آخر، ومن يجيب عليه بـ(نعم) لن يكل ولن يمل في توعية السوريين وتنظيمهم والاستفادة من التجارب الفاشلة من أجل الوصول إلى مرحلة امتلاك القرار وهو يدرك أن هذه المرحلة لا يتم الوصول إليها إلا عندما تصل كتلة حرجة من السوريين إلى درجة من الوعي وامتلاك المهارات والقدرات التنظيمية تمكنهم من إفراز قيادات سياسية ومجتمعية تمثلهم وتمثل قرارهم الحر خير تمثيل

إذا شبهنا السوريين برَجُلِ وضِعتْ القيود في يديه وقدميه عقوداً طويلة، وعندما رُفعت عنه وجد نفسه عاجزاً عن الحركة وكلما حاول الوقوف والمشي تعثر وسقط فإن من يجيب على السؤال السابق بـ(نعم) هو كمن يؤمن بأن لهذا الرجل عضلات وأعصاب لكنها ضامرة معطلة وتحتاج إلى تدريب وتشجيع وبالتالي سيكون برنامجه في التعامل مع هذا الرجل مكوناً من التشجيع والعلاج الفيزيائي والتدريب والمحاولات المستمرة للسير تدريجياً مهما كان هناك من تعثر وبطء في التحسن، أما من يجيب عليه بـ(لا) فهو كمن يؤمن بأن هذا الرجل لا يملك عضلات ولا أعصاب وسيبقى مقعداً أبد الدهر وبالتالي ستكون خطته في التعامل مع هذا الرجل: ما نوع الكرسي المتحرك الذي سيجلس عليه؟ ومن الذي سيدفع بهذا الكرسي؟ ومن الذي سيقيم هذا الرجل ويقعده ويقضي له حاجاته! وهذا هو حال بعض (النخب) الذين يريدوننا أن نستبدل العبودية لبشار الأسد بالعبودية للجهات الثلاث الأخرى التي تسيطر على الجغرافيا السورية بحجة الواقعية السياسية وغيرها من الحجج


برأيي هناك أربعة أمور يجب أن يتكيف معها من يعمل في الشأن العام وخصوصاً في الحالة السورية حتى يحافظ على ثباته النفسي:

1- المجهول: الذي تحتاج أن تعلمه ولكنك ما زلت تجهله لأسباب خارجة عن نطاق سيطرتك، مثلاً، هدف لا تعرف كيف الوصول إليه، أو مشكلة لا تعرف ما حلها، التكيف هنا لا تعني عدم السعي إلى جعل المجهول معلوماً، وإنما التكيف مع الوضع الذي يظل فيه المجهول مجهولاً لأسباب خارج نطاق سيطرتك

2- المتغير: الخطط التي تضعها وتجد نفسك مضطراً لتغييرها عند التطبيق، إما لمعطيات جديدة لم تكن موجودة عند وضع الخطة، أو لخلل في عملية التخطيط، وقد يحدث التغيير في أثناء التنفيذ استجابة لحدسك الذي يكون أقوى من أي خطة

3- غير المؤكد: تلك الوقائع والقرارات التي لا تكون متأكداً من صحتها 100% ومع ذلك تتصرف وكأنها صحيحة لأنه لا يوجد خيار آخر

4-الناقص: تلك الأمور التي لا تسير كما تريد سواءً كانت أمور متعلقة بك وبأدائك، أو متعلقة بالبيئة من حولك عندما تكون على غير ما تشتهيه، التكيف هنا لا يعني عدم بذل المستطاع لتدارك النقص، لكن التكيف مع حقيقة أن المستطاع لا يوصلك دائماً إلى درجة الرضا

المجهول والمتغير وغير المؤكد والناقص هي أمور أربعة برأيي التكيف معها شرط للتماسك النفسي في خضم الأمواج التي يقتضيها العمل العام


وحشة الطريق تعني أنك أول من يشقه

وبفضل قدمك الواثقة الجريئة ستعبر ملايين الأقدام من بعدك


خطورة القبول بالواقع السيء بحجة عدم القدرة على تغييره

قد لا نملك اليوم أدوات الرفض الكافية لتغيير الواقع، وقد لا تسمح ظروف قاهرة لنا بتغيير الواقع، هذا لا يعني أن نتخلى عن رفضنا لهذا الواقع لأن الرفض هو الذي يمكننا من صنع الأدوات ومراكمتها، والرفض هو الذي يمكننا من استثمار الظروف في تغيير الواقع عندما تتغير لصالحنا

قبل أن ندعي (الحكمة) كمبرر للقبول بواقع سيء علينا أن نبحث في أنفسنا بعمق وصدق لنتأكد أن ادعاء الحكمة هذا ليس تغطية على ضعفنا الأخلاقي وكسلنا العقلي لأن الرفض وما يقتضيه من اجتراح أدوات التغيير والصبر على مراكمتها يحتاج إلى قوة أخلاقية وذهن متوقد


في الرأي العام وكيفية التعامل معه

  1. لا يسمى الرأي عاماً من خلال انطباعات شخصية يأخذها الإنسان ممن حوله، هناك وسائل علمية واستطلاعات رأي تحدد الرأي العام حيال قضية ما.
  2. من طبيعة الرأي العام أنه لا يحتكم دائماً إلى المنطق وتحركه العواطف، بخلاف الرأي المتخصص المبني على المعلومات الصحيحة وعلى أخذ جميع العوامل بعين الاعتبار.
  3. من مهمة السياسي أن يحدد إن كان الرأي العام يصب في صالح الناس أم لا، إن كان الجواب: لا ، فعليه أن يبين للناس ما هو في صالحهم بالحجة والمنطق، الناس يضعون ثقتهم في السياسي ليحقق مصالحهم لا ليعكس الأفكار الشائعة بينهم بغض النظر عن صحتها. فلسفة التحشيد (أو المناصرة) تقوم على تغيير قناعات الناس.
  4. قد لا ينجح السياسي في تغيير الرأي العام، هذا لا يعني أن يغير قناعاته ما دام يعتقد أن فيها المصلحة، قد يخسر بسبب ذلك شيئاً من شعبيته بشكل مؤقت، لكن ما إن يمر الوقت وتثبت الوقائع صحة رأيه حتى تعود الثقة به أقوى مما كانت.
  5. عندما يكون السياسي في موقع القرار هو ملزم بأن يشرح قراراته للرأي العام قدر الإمكان، لكنه ليس ملزماً أن يأخذ موافقة الرأي العام على كل قرار يتخذه، في النهاية الرأي العام هو الذي يحدد ثقته في السياسي عندما يحين موعد الانتخابات القادمة فإما أن يجدد هذه الثقة أو يسحبها ويعطيها لجهة ثانية.

من الطرق الخبيثة التي يلجأ إليها عقلنا الباطن لإخفاء غرورنا وإيثارنا الراحة هو أن نريح ضميرنا بالشفقة على الضعيف

الضعيف لا يحتاج إلى شفقة ترضي غرورنا وشعورنا بالتفوق عليه وتعفينا من مهمة تقويته وتمكينه

الضعيف يحتاج إلى أن نؤمن به وأن نعلمه كيف يصبح قوياً


قرأت هذا الصباح"ليست مهمة المثقف أو السياسي أن يعبر عن رأي الأكثريةـ لأن شيوع رأي ما لا يعني أنه الصواب، ولو التزم الأنبياء برأي الأكثرية لما حدث تغيير، ولو التزم العلماء مثل أنشتاين ونيوتن برأي الأكثرية لما حدث تقدم علمي، على المثقف والسياسي أن يلتزم بمصلحة الأكثرية لا برأيها، وإلا لاستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون"

قبل أن أعلق على هذا الكلام أريد أن أقول: إن كثيراً من المثقفين والسياسيين في المعارضة السورية يحملون هذه الفكرة وهي برأيي أحد الأسباب الرئيسية لانفصالهم على الواقع وعن الناس ولعجزهم عن لعب الدور المطلوب منهم في التأثير والقيادة.

أولاً، تتطابق هذه الفكرة تماماً مع الكلام الذي كنا نسمعه من رجال الأمن عندما كانوا يستدعوننا قبل الثورة بجريمة المطالبة بالحرية والديمقراطية، كانوا يقولون لنا بالحرف: السوريون متخلفون لا يعرفون مصلحتهم وبالتالي الديمقراطية لا تصلح في بلادنا.

ولكن أليس صحيحاً أن شيوع رأي ما لا يعني أنه الصواب؟ نعم هذا صحيح، وهنا تأتي مهمة المثقف والسياسي بتوعية الناس وتثقيفهم والتفاعل معهم حتى يبين لهم ما هو الصواب. صحيح أن الأنبياء جاءوا بأفكار جديدة في البداية لا يوافق عليها أكثرية الناس، لكنهم اشتغلوا بنشر هذه الأفكار وإقناع الناس بها حتى أصبحت هي أفكار الأكثرية، وهكذا بدأ محمد صلى عليه والسلام ببضعة رجال يجتمعون سراً في السقيفة وانتهى به الأمر خلال عقدين من الزمن بأن دخل الناس في جزيرة العرب في دين الله أفواجاً.

نعم ليست مهمة المثقف أو السياسي أن يتبنى رأي الأكثرية عندما لا تكون صواباً، لكن لا يجوز أن يكتفي بالقول: هذه ليست مهمتي ويشبه نفسه بالنبي الذي يجب على الناس أن يطيعوه دون نقاش، أو بأنشتاين الذي يجب على الناس أن يصفقوا لنظرياته العبقرية دون أن يفهموها! عندما يشيع رأي خاطئ بين الناس هنا تبدأ مهمة المثقف والسياسي في توعية الناس ونشر الآراء الصحيحة وإلا لماذا خرجنا بثورة ورفعنا شعارات الحرية والكرامة إذا كنا نرى الأكثرية قطيعاً يجب أن يُقاد من قبل نخبة قليلة خصها الله وحدها بالفهم؟!

في كل الدول التي يحترم فيها السياسيون شعوبهم يحرص هؤلاء السياسيون على إجراء استطلاعات للرأي العام ليعرفوا آراء الناس ويبنوا سياساتهم على أساسها، لا لكي يجاروا الرأي العام في الخطأ إن أخطأ ولكن ليعرفوا كيف يتعاملون معه ويؤثرون فيه، وأول خطوة نحو التأثير، أن ينزل السياسي والمثقف من برجه العاجي ولا يشبه نفسه بالنبي الذي لا يخطيء!

ولنفترض أن على الشعب الجاهل أن يتبع رأي المثقف والسياسي الفهمان من دون نقاش، ماذا لو اختلف المثقفون والسياسيون فيما بينهم في الرأي كما هو حال المعارضة السورية؟ أي رأي من آرائهم سيتبع الشعب الجاهل؟! كيف يريد هؤلاء المثقفون والسياسيون أن يقنعوا الشعب بقدرتهم على التعبير عن مصلحته والدفاع عنها، وهم غير قادرين على إقناع بعضهم البعض برأي وبقيادة يجتمعون حولها برغم كل ما حباهم الله به من فهم وإلهام؟!


العبيد يلتفون حول الشخص فإذا تخلى عن الفكرة ظلوا يبجلونه ويبحثون له عن مبررات

الأحرار يلتفون حول الفكرة فإذا تخلى الشخص عنها سقط من أعينهم

هذا ليس (إسقاطاً للرموز) .. هذا ما يفرق الأحرار عن العبيد!


التفاؤل المبني على التوصيف المشوّه للواقع والتفكير الرغبوي وتبسيط المشكلات المعقدة وتهوين العقبات الهائلة ضار

لا يقل عنه ضرراً الاكتفاء بتوصيف الواقع السيء دون التفكير بهوامش الحركة المتاحة لتحسين هذا الواقع، وكيف نستثمر هذه الهوامش ونوسعها مهما كانت ضيقة وصعبة


صاحب الفكرة الصحيحة لا يملك القوة، وصاحب القوة لا يملك الفكرة الصحيحة. هذه هي معضلة الثورة اليوم

حل هذه المعضلة برأيي في أن يستمد صاحب الفكرة الصحيحة قوته من الشعب، أي أن يحول فكرته إلى مبادرة ينظم حولها عشرات الألوف من الشباب، بحيث يصبحون قادرين على مناصرتها، ليس بمنشورات فردية، ولا بمظاهرات ارتجالية، وإنما بحملة منظمة مستمرة تضم عشرات الألوف

عشرات الألوف الذين لا يكتفون برفض الواقع وإنما يناصرون مبادرة تقدم بديلاً عن هذا الواقع ويلتفون حول رجال تبنوا هذه المبادرة ووضعوا أرواحهم على أكفهم في سبيل تحقيقها

القوة الشعبية المنظمة كانت شوكة الثورة في أيامها الأولى وهي الشوكة التي نحتاج إلى إعادتها اليوم إذا أردنا أن نجبر صاحب القوة العسكرية داخلياً كان أم خارجياً على الرضوخ لمطالبنا

ما سوى ذلك هو عودة إلى المربع الأول الذي قمنا بثورة من أجل الخروج منه،

المربع الذي لا قيمة فيه لرأي الأكثرية الساحقة من الناس وإنما القيمة لفوهة بندقية تحملها القلة القليلة منهم!


ليس المطلوب ألا ننفعل، فنحن بشر لنا مشاعر

المطلوب ألا نسمح لانفعالاتنا أن تؤثر سلباً على محاكماتنا العقلية أولاً، وعلى طريقة تعبيرنا عن أفكارنا ثانياً، وهذا المنشور حول النقطة الثانية بالتحديد

نفس الفكرة يمكن أن نقولها بانفعالٍ فنستخدم ألفاظاً أو لغة جسد تُشعر الآخر بالهجوم عليه أو الحط من شأنه فيرفضها دفاعاً عن نفسه وليس لأسباب منطقية

ويمكن أن نقولها بهدوء بعد أن نسيطر على انفعالنا فنظهر للآخر أننا نحترمه لكن لنا رأي مختلف عن رأيه بسبب كذا وكذا ... فينصت لنا ويناقش فكرتنا

لا أبالغ إن قلت أن 90% من أسباب تحول خلافاتنا الطبيعية إلى صراعات شخصية هو عدم العمل بهذه القاعدة


علموه أن الحكمة تقتضي أن ينحني للعاصفة

فأمضى حياته كلها منحنياً!