المشاركة السياسية واجب شرعي
من العبارات التي يتداولها الناس (السياسة نجاسة!) أو (السياسة مالها دين!) وهي توحي لمن يسمعها بـأن لا يفكر في السياسة وأن لا ينخرط فيها خوفاً على نفسه من أن (يتنجس) أو أن (يخرج عن الدين). و هكذا يصبح الابتعاد عن السياسة هو (الطريق الأسلم) حيث السلامة هنا تعني في الدنيا النجاة من الأذى الجسدي والنفسي وتعني في الآخرة دخول الجنة
هذه الأفكار هي بعض التصورات الخاطئة التي تشكِّل (ثقافة القطيع) والتي (على عكس ما يتصور أصحابها) لا تؤدي إلى السلامة لا في الدنيا ولا في الآخرة إذ إنها في الدنيا تجعل المجتمع غابة يعيث فيها الظالمون والمفسدون وتضعفه إلى درجة تعرضه للصراعات الداخلية والتفكك والاحتلال والغزو الخارجي.. وهي في الآخرة تعرِّض إلى عذاب الله (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) سورة هود -113- وهل العمل السياسي إلا الشكل العملي والعصري للوقوف في وجه الظالمين ؟
إن منطق (السياسة النجاسة) يناقض نفسه ويحمل في داخله الرد عليه. فإذا كان العمل السياسي هو تشكيل أحزاب تحمل برامج معينة وتتنافس فيما بينها للوصول إلى الحكم من أجل تطبيق برامجها فإن ثقافة (السياسة نجاسة) تعني أن يُعرض (الطاهرون) الذين لا يريدون أن (يتنجسوا) عن العملية السياسية وأن يفسحوا المجال (لغير الطاهرين) ليشكلوا أحزاباً ويصلوا إلى الحكم ويفرضوا برامجهم على المجتمع
إن تحقيق العدل أو القسط في الأرض مطلب إلهي (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بالقِسْط) سورة الحديد -25- والركون إلى الظلم والظالمين هو ذنب يعاقب عليه الله (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) سورة هود -113- وإذا كان تحقيق العدالة ومقارعة الظلم في عصرنا هذا لا يتحقق بقصيدة تتلى بين يدي (الحاكم) ولا بخطبة تلقى من على المنبر ولا بمتفجرات تحول الناس إلى أشلاء ، وإنما ببرامج عملية تتبناها أحزاب سياسية تملك رؤى واضحة واستراتيجيات محددة .. إذا كان الأمر كذلك فإن المشاركة السياسية تصبح و اجباً شرعياً وصمام أمان يحمي المجتمع من المستبدين والمفسدين. إن تطور مجتمعنا فكرياً وأخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً رهن بتطور وعيه السياسي. عندما يعي الناس أهمية الحياة السياسية وعندما يدركون الدمار الذي ينزل بالشعوب عندما تتخلى عن حقها في المشاركة السياسية وتسلم رقابها لحزب واحد أو زعيم واحد ، عندها لن يُنظر إلى السياسة على أنها نجاسة بل سيُنظر إليها على أنها شكل عصري متطور من أشكال الجهاد والأمر بالمعروف والنهي والمنكر لا يطهر المجتمع إلا بممارسته
2005 - الدكتور ياسر تيسير العيتي