cover

نحن وأمريكا والصهيونية

ذكر الباحث والكاتب المعروف زين العابدين الركابي في مقال نشرته جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 25/3/2006 أن دراسة حديثة جماعية علمية سياسية استراتيجية موسعة وشاملة أنجزتها مجموعة من الباحثين المتخصصين الكبار في جامعتي: هارفارد وشيكاغو أتثبت ـ بالأدلة والقرائن والوقائع ـ (عمق الكارثة القومية) التي دفعت إليها الصهيونية الولايات المتحدة من خلال حربها على العراق وسياسات أخرى مماثلة.. وهذه نقاط من تلك الدراسة

أ ـ "إن أميركيين موالين لإسرائيل ورطوا أميركا في مستنقع الحرب على العراق".. ومن قبل قال المبشر المسيحي الأميركي ديفيد بكيل: " إن اليهود يسيطرون اليوم على الولايات المتحدة بسبب ضعف الإدارة، ومن خلال ذلك يسيطرون على العالم. وحرب العراق خير نموذج لذلك، فبول وولفويتز هو الذي أقنع جورج بوش بالذهاب إلى الحرب بعد أن أغراه بأنه سيزيد الأرباح الأميركية في مدة سنة واحدة بما يتراوح بين 50 إلى 100 مليار دولار

ب ـ «إن سياسات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط تخدم إسرائيل ولا تخدم المصالح الأميركية لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد».. ومن قبل قال زبغنيو بريجنسكي المفكر الأميركي الاستراتيجي الشهير: «ربطت الصحافة الأوروبية بشكل يتفوق على الصحافة الأميركية بين سياسات الإدارة الأميركية الحالية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وبين المقترحات التي قدمها العديد من أصدقاء حزب الليكود الإسرائيلي عام 1996 لرئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ بنيامين نتنياهو، وأصدقاء الليكود هؤلاء يشغلون الآن مواقع مؤثرة في الإدارة الحالية، وهم أنفسهم السبب في الإصرار على شن حرب على العراق».. ومن قبل قال ـ أيضا ـ الدبلوماسي الأميركي البارز ريتشارد هولبروك: «بعض أعضاء الإدارة الحالية يتصرفون بقصر نظر. فهل من العقل والضمير والأمن الدولي: أن يصبح العالم كله ضحية لحفنة «!!!» من الناس لا يكترثون باستقرار العالم، ولا تهمهم مصلحة الولايات المتحدة نفسها»؟

و يقول الأستاذ الركابي أن الإدارة الأميركية نُصحت بالكف عن هذه الحرب العقيم من الناحيتين: التخطيطية والتنفيذية.. وهذه منظومة من النصائح الواضحة الجادة العقلانية التي كان باعثها الحرص على مصالح أميركا وصورتها وسلامتها

1 ـ تقدم ثلاثة عشر ألف أستاذ جامعي أميركي بمذكرة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش يدعونه فيها إلى "الامتناع عن شن حرب على العراق، وإلى التبصر في العواقب والمآسي والتداعيات الخطرة التي تترتب على شن الحرب"

2 ـ أصدرت مجموعة من صميم عصب الحزب الجمهوري هم رجال أعمال وأصحاب شركات كبرى، بياناً قويا معارضاً للحرب قالوا فيه: «أيها الرئيس. لقد أيدنا حرب الخليج، والتدخل العسكري في أفغانستان، ولكن حربك ضد العراق ليست عادلة. وحين كنت مرشحا في انتخابات عام 2000 دعمناك لأنك وعدتنا بأنك ستكون أكثر تواضعاً في التعامل مع العالم. لقد منحناك أصواتنا وتبرعات شركاتنا المالية. ولكن نشعر أنك خدعتنا، ولذلك نطالبك بأن تعيد أموالنا إلينا، وأن تعيد بلادنا المختطفة.. لماذا تقودنا إلى وضع حتمي الفشل»؟

3 ـ «إن الولايات المتحدة ستخسر حلفاءها في الحرب ضد الإرهاب إذا شنت حرباً على العراق»: برنت سكو كروفت مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب

و قد كانت نتيجة هذه الحرب البائسة صعود المديونية الأميركية إلى تسعة ترليون دولار وهبوط شعبية الرئيس الأميركي جورج بوش إلى 36% و شعبية نائبه ديك تشيني إلى18%

إلى هنا انتهى استشهادي بمقال الأستاذ الركابي و تأكيداً لصحة ما ذهبت إليه دراسة تلك المجموعة من الباحثين الأمريكيين أريد أن أعرض ما ذكره الدكتور محمد عمارة في كتابه  "الأقليات الدينية والقومية تنوع ووحدة؟ .. أم تفتيت واختراق؟؟"   ينقل الدكتور محمد عمارة في هذا الكتاب عن مقال نشرته مجلة Kivunim المجلة الفصلية للمنظمة الصهيونية العالمية في عددها الرابع عشر الصادر في شباط عام 1982 تحت عنوان "استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات": ( إن العراق، الغني بالنفط من جهة، و الذي يكثر فيه الانشقاق والأحقاد في الداخل من جهة أخرى، هو المرشح المضمون لتحقيق أهداف إسرائيل، إن تفتيت العراق هو أكثر أهمية من تفتيت سورية، وقوته تشكل في المدى القصير خطراً على إسرائيل أكثر من أي خطر آخر ) و تقول الدراسة نفسها في مكان آخر: ( وسوف تتفتت سوريا وفق التركيب الإثني و الطائفي إلى عدة دول مثل لبنان حالياً - الإشارة إلى لبنان في أثناء الحرب الطائفية - بحيث تقوم على ساحلها دولة علوية-شيعية، و في منطقة حلب دولة سنية، و في منطقة دمشق دولة سنية أخرى معادية للدولة الشمالية، و الدروز سيشكلون دولة، ربما أيضاً في الجولان عندنا و طبعاً في حوران وشمال الأردن و ستكون هذه ضمانة الأمن و السلام في المنطقة بأسرها على المدى الطويل ) و ينقل الدكتور محمد عمارة في الكتاب نفسه عن محاضرة لوزير الدفاع الإسرائيلي آريل شارون تحدث فيها عن آمال التفتيت في الثمانينات قال شارون: (إن إسرائيل تصل بمجالها  الحيوي إلى أطراف الاتحاد السوفيتي شمالاً، و الصين شرقاً، و أفريقيا الوسطى جنوباً، و المغرب العربي غرباً – أي العالم الإسلامي كله- فهذا المجال عبارة عن مجموعات قومية و إثنية و مذهبية متناحرة. ففي الباكستان شعب البلوش،وفي إيران يتنازع على السلطة كل من الشيعة والأكراد، في حين أن سورية تواجه مشكلات الصراع السني العلوي، و لبنان مقسوم على عدد من الطوائف المتناحرة، والأردن مجال خصب لصراع من نوع فلسطيني-بدوي، كذلك في الإمارات العربية وسواحل المملكة العربية السعودية الشرقية، حيث يكثر الشيعة ذوي الأصول الإيرانية، وفي مصر جو من العداء بين المسلمين والأقباط، وفي السودان حالة مستمرة من الصراع بين الشمال و الجنوب المسيحي- الوثني، أما في المغرب فالهوة بين العرب و البربر قابلة للاتساع) إلى هنا انتهى كلام شارون

وفي حين نترك للأمريكيين مهمة تخليص بلادهم من براثن الصهيونية التي تقودهم إلى الدمار فإن ما نستطيع القيام به في منطقتنا لكي نحمي أنفسنا من هذا المشروع التفتيتي الخبيث هو أن نخرج من حالة الاستبداد التي تشكل التربة المناسبة لنجاح المشروع الصهيوني بما تخلقه في المجتمع من توتر وكراهية واحتقان وأن ننتقل من الدولة الأمنية الشمولية التي تحكمها ثقافة الخوف والإقصاء إلى الدولة السياسية التعددية التي تحكمها ثقافة الحوار وقبول الآخر

2006 - الدكتور ياسر تيسير العيتي

Share