هكـذا تفوق اليهود ليست "مؤامرة" وإنما أخذ بأسباب القوة
-
عشرون بالمئة من أساتذة أكبر الجامعات الأمريكية من اليهود
-
خمس وعشرون بالمئة من الأمريكيين الحاصلين على جائزة نوبل في العلوم من اليهود، وثلاثون بالمئة من كل الأمريكيين الحاصلين على جائزة نوبل من اليهود
-
أربعون بالمئة من المشاركين في المؤسسات القانونية القيادية في نيويورك وواشنطن من اليهود
-
ثلث المليونيرات الأمريكيين من اليهود
-
خمس وأربعون بالمئة من أغنى 400 رجل في أمريكا (حسب مجلة فوربس) هم من اليهود
يتوهم كثير من المسلمين أن لدى اليهود قوة أسطورية تمكنهم من السيطرة على العالم وقد لعبت وثيقة (بروتوكولات حكماء صهيون) دوراً كبيراً في ترسيخ هذا الوهم، تلك الوثيقة التي يؤكد الدكتور عبد الوهاب المسيري (صاحب موسوعة اليهود واليهودية والصهيوينة) أنها زائفة ومضللة ويقول الدكتور المسيري في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة – نص المقابلة موجود على موقع الجزيرة على الانترنت- إن الصهيوينة هي التي تروج لهذه الوثيقة بهدف " بث الرعب في قلوب المسلمين والعرب عن طريق تضخيم قوة اليهود حتى يكسبوا الحرب النفسية قبل أن يدخلوا ميدان المعركة" وأن الهدف منها "تشويه الخريطة الإدراكية للعرب والمسلمين وأسوأ ما يصيب الإنسان أن يتحطم نموذجه الإدراكي" ويشير الدكتور المسيري إلى أنه في أثناء زيارته إلى جنوب لبنان أخبره قادة المقاومة أن "نقطة التحول عندهم كانت عندما أدركوا أن اليهود ليسوا قوة خارقة وأن بالإمكان هزيمتهم" وينتهي الدكتور المسيري إلى القول بأن بروتوكولات حكماء صهيون "مجرد كلام ساذج يخلو من أي آلية لتنفيذه". ويؤكد هذا الكلام ستيفن سبيلبيرغ – يهودي أمريكي - مؤلف كتاب (الظاهرة اليهودية) الذي سأعرض بعض محتوياته في هذه المقالة، يقول سبيلبيرغ:" لقد ألف هذه البرتوكولات راهب روسي كان عميلاً للشرطة الروسية السرية عام 1900، ومع أنه قد أشير إلى أن هذه الوثائق هي خديعة في مجلة نيويورك تايمز عام 1921 إلا أنها ما تزال تطبع حتى اليوم". إن هدفي من هذا البحث هو أن أبين أن اليهود تفوقوا على المسلمين يوم تفوقوا عليهم في فهم العالم الذين يعيشون فيه وفي فهم سنن النجاح والتفوق وفي تربية أبناءهم عليها وأن ذلك أدى إلى وصولهم إلى مراكز القوة والتأثير في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم. أريد أن أبين في هذه المقالة أن اليهود بشر عاديون وأن تفوقهم في بعض المجالات ناجم عن أخذهم بأسباب التفوق – التي غفل عنها المسلمون – ومن الأجدى بالمسلمين بدلاً من الانشغال بسب اليهود وشتمهم أو التحدث عن (قوتهم الأسطورية) أن ينشغلوا بدراسة الأسباب والسنن التي أدت إلى تفوق اليهود ثم الأخذ بما لا يناقض العقل والدين من هذه الأسباب والسنن
إنني أدرك أن سيطرة اليهود الحالية على العالم هي سيطرة مؤقتة لأنهم لم يأخذوا بأهم سنة إلهية من سنن النجاح والنصر والتمكين وهي تقوى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) الحج 40-41 لكن انتهاء هذه السيطرة مرهون بيقظة المسلمين ووعيهم وأخذهم بأسباب القوة والنصر وهذا الكتاب هو خطوة على طريق اليقظة بإذن الله تعالى. سأركز في هذه المقالة على ثلاثة مهارات اتصف بها اليهود وأوردها الكاتب اليهودي الأمريكي ستيفن سبيلبيرغ في كتابه (الظاهرة اليهودية
-
حرص اليهود على التعلم
-
سخاء اليهود في التبرع لقضاياهم وحرصهم على العمل الخيري المؤسساتي
-
تشكيل جماعات الضغط والمشاركة القصوى في العملية السياسية
1- حرص اليهود على التعلم
يدرك اليهود أن الثروة قوة لذلك هم يحرصون على تكوين الثروات وتنميتها، وهم يدركون أننا نعيش في عصر المعرفة وأن من يملك المعرفة هو من يستطيع امتلاك الثروة لذلك يربون أولادهم منذ نعومة أظافرهم على أهمية التعلم ويفعلون ذلك بأسلوب مبسط يناسب إدراك الأطفال وطريقة تفكيرهم ولكنه أسلوب فعال جداً. يشرح ستيفن سبيلبيرغ هذا الأسلوب بقوله " عندما كنت طفلاً أجلسني والدي وشرح لي -كما شرح له والده- (كيف يعمل العالم) وقال: إذا أردت أن تلعب يجب أن يكون لديك وقت فراغ، وذلك يحتاج إلى تعليم جيد ودرجات جيدة، عندها سوف تحصل على عمل جيد والكثير من المال وعندها ستلعب لوقت أطول وبألعاب أكثر ثمناً. الآن ستيف، إذا خرجت عن هذا النظام فإنه لن يعمل؛ يمكنك أن تلعب لفترة من الزمن ولكن سينتهي بك الأمر بالقليل من الألعاب الرخيصة التي ستخرب في النهاية وسوف تضطر للعمل أكثر بقية عمرك بدون ألعاب وبدون متعة" ويقول الكاتب إن والده كان يريه دفتر الشيكات الخاص بالعائلة وكيف أن العيش الجيد يحتاج إلى كسب جيد والكسب الجيد يحتاج إلى تعليم جيد. لقد أُجريت دراسة شاملة عام 1990 أظهرت أن اليهود متقدمون على غيرهم في مجال التعليم في أمريكا رجالاً كانوا أم نساءً إذ أن 87% من اليهود الذين هم في سن يؤهلهم لدخول مرحلة التعليم العالي كانوا منتسبين إلى كليات للتعليم العالي مقابل 40% من غير اليهود، كذلك سجل النساء اليهوديات تفوقاً تعليمياً على غير اليهوديات إذ أن 69% منهم مسجلون في مراكز التعليم العالي مقابل 34% من غير اليهوديات
إن اليهود يقدرون قيمة التعلم ويغرسون ذلك في نفوس أطفالهم من خلال احتفالات وطقوس ترافق دخولهم إلى المدرسة، يقول رابي جوزيف تيلوشكين " في أوروبة الشرقية يقوم الأبوان بشكل احتفالي بأخذ ولدهما إلى المدرسة في يومه الأول ويعطيانه الحلوى عندما يتعلم أحرف الأبجدية الأولى" ويقول إسحاق باشيفز سينغر الروائي الحاصل على جائزة نوبل والذي نشأ في بولندا أن اليوم الأول في المدرسة كان بمثابة عيد بالنسبة له وأن صفحة من التوراة كانت توضع أمام كل طفل مرصَّعة بقطع الحلوى لجعل التعلم أمراً مرافقاً للحلاوة
يشرح ستيفن سبيلبيرغ كيف أن تركيز اليهود على التعليم بدأ منذ أن وطأت أقدامهم أرض أمريكا ففي عام 1908 كان 8% من طلاب الكليات الأمريكية يهوداً على الرغم من أن اليهود كانوا يشكلون 2% من المجتمع الأمريكي فقط، وغالباً ما كان الطلاب يركزون على فروع الصيدلة والمحاماة وطب الأسنان والتعليم. ولقد أدرك اليهود أن تعلم الانكليزية بأسرع وقت ممكن هو شرط أساسي لنجاحهم، وفي بداية القرن العشرين نشأت بسرعة شبكة غير رسمية يعلم فيها اليهود المتحدثون بالانكليزية المهاجرين الجدد قواعد وطريقة لفظ اللغة الانكليزية. يقول (كارب) في كتاب (تاريخ اليهود في أمريكا): " كان المطبخ يتحول بعد عشاء سريع إلى صف دراسي يجتمع فيه رب الأسرة مع أفرادها على دراسة اللغة الانكليزية". لقد كان تطور اليهود المهني سريعاً ومذهلاً ففي عام 1890 كان القليل من اليهود يمارسون الطب أو المحاماة في مدينة نيويورك وفي عام 1900 كان هناك أربعمائة إلى ستمائة طبيب يهودي في المدينة وعدة آلاف يعملون في التدريس ومهن أخرى. وفي عام 1930 كان 55% من الأطباء و64% من أطباء الأسنان و65% من المحامين في مدينة نيويورك يهوداً. كيف حدث ذلك؟ هل حدث نتيجة لاجتماع سري عقده حكماء صهيون في قبو مظلم وقرروا فيه السيطرة على أمريكا؟! لا أبداً، لقد وصل اليهود إلى تلك السيطرة عندما أخذوا بأسباب النجاح والتفوق من خلال ثقافة يربون عليها أبناءهم يوماً بيوم ويتوارثونها جيلاً بعد جيل، يشرح ستيفن سبيلبيرغ مكوِّنات هذه الثقافة في ست نصائح تربوية يلتزم بها اليهود في تربيتهم لأبنائهم
1- ابن الشعور بتقدير الذات عند ابنك
يقول ستيفن سبيلبيرغ "عندما ينظر الأولاد إلى أنفسهم على أنهم أشخاص متميزين وموهوبين فإنهم يندفعون أكثر إلى التفوق. اجعل أولادك يشعرون أنهم (الشعب المختار). علم ابنك تاريخ عائلتك الخاص وحدثه عن أرض أجداده. إن إيجاد خلفية خاصة بالعائلة وتراث مميز لها يحمي الأولاد من التأثيرات السلبية الخارجية. أعط أولادك القدرة على رؤية العالم ككل ومعرفة مكانهم من هذا العالم واصطحبهم في زيارة إلى إسرائيل كما يحج المسلمون إلى مكة. إن أولئك الذين يعتقدون أنهم يعيشون في عالم فوضوي كبير وليس لديهم مكان معين أو مهمة معينة في هذا العالم يكونون أقل قدرة على التركيز و أكثر عرضة للتشتت
2- ابن عند ابنك القدرة على إيثار المنفعة الآجلة
بما أن التعلم عملية طويلة ومتدرجة ونتائجها غير مضمونة فعلى الآباء أن يدربوا أبناءهم على إيثار المنفعة الآجلة على المتعة العاجلة وفي هذا المجال ينصح ستيفن سبيلبيرغ الآباء أن يشجعوا أبناءهم مادياً ومعنوياً على التفوق العلمي وتحصيل أعلى الدرجات ويذكر تجربته الشخصية مع والده في هذا الشأن فيقول" لقد كنت تلميذاً كسولاً،و المواد التي كنت أبذل جهداً فيها كانت تلك المواد المهمة بالنسبة لي كالعلوم والتاريخ. عندما وصلت إلى الصف الخامس لمس والدي شيئاً عزيزاً عليَّ أكثر من المدرسة وهو جمع العملات ووعدني بأنه سيشتري لي مجموعة غالية من العملات كنت أريدها إذا حققت درجة رفيعة في المدرسة. لسوء الحظ كان هدفي يقتضي أن أحصل درجة عالية في الرياضيات
واللغة الانكليزية. كنت أكره هذه المواد ولا أبالي بتحصيلي المتدني فيها. خلال فصل (العملة الفضية) ذاك كان عليَّ أن أدرس هذه المواد جيداً. وضحيت بشيء من وقت اللعب الخاص بي وكانت النتيجة مذهلة: عندما درست حصلت على نتائج أفضل وهذه المواد التي كنت أكرهها لم تعد مزعجة عندما بذلت وقتاً لدراستها. و العذر الذي كنت أحمله (أنا لست جيداً في الرياضيات ولست جيداً في اللغة الانكليزية) لم يعد صحيحاً. كما أن الأساتذة الذين كانوا يعاملونني كشخص منبوذ بسبب تصرفاتي السيئة بدءوا يعاملونني بشكل أفضل. لكن الثمن بحد ذاته لم يكن مهماً فقد أدركت (لعبة) التفوق واكتسبت المهارات الدراسية والثقة بالنفس وقد أفادني ذلك مدى الحياة
3- اختر أفضل تعليم ممكن
في بحث الدكتور سويل الذي أسماه (أمريكا العرقية) وجد أن " أحد أسباب الدخل المرتفع عند اليهود هو أنهم ليسوا أكثر تعليماً من غيرهم فقط فهم يختارون الكليات الأفضل والفروع المربحة التي يكثر الطلب عليها" وهنا ينصح ستيفن سبيلبيرغ بمراجعة آخر إحصاء موجود في مجلة (تقرير أخبار الولايات المتحدة والعالم) هذه المجلة تضع قائمة بكل الكليات وتصنفها بحسب معايير موضوعية، وفي حين أن اختيار أفضل كلية ليس أمراً ممكناً في كل الأحيان فإن سبيلبيرغ ينصح بتجنب الكليات الموجودة في آخر درجتين من درجات التصنيف والابتعاد تماماً عن الكليات الحديثة. أما بالنسبة للتكلفة المادية فيرى سبيلبيرغ أن " التضحية بنمط الحياة من قبل الطالب وعائلته من أجل تعليم أفضل هو استثمار مفيد على المدى البعيد
4- تطوير وإظهار عادات التعلم
يقول ستيفن سبيلبيرغ " عندما يبدي الوالدان عادات التعلم فإنهما يضربان مثلاً مهماً لأولادهما لكي يقتدوا به. شجع أولادك على مشاهدة الأخبار وقراءة الصحف وأكد على أهمية النظرة العالمية. يجب أن يكون للوالدين نقاشات متكررة مع أبنائهما حول الأحداث المناسبة لسنِّهم. إن ذلك سينشط خيال أولادك وسيزيد من معرفتهم. إن الروابط بإسرائيل بالنسبة للأطفال اليهود تعطيهم نظرة عالمية وهم يتابعون الأحداث الجارية في إسرائيل والشرق الأوسط بأكثر من مجرد اهتمام عابر وسيصبحون أكثر تآلفاً مع الجغرافيا واللغة الأجنبية والأحداث العالمية. شجع أطفالك على تطوير معجم واسع من الألفاظ فهي تشكل حوالي ثلث العلامات ف القسم اللفظي من فحص السات الذي يلعب دوراً كبيراً في دخول الجامعات. ابدأ بالقراءة لأبنائك وزوِّدهم بتفسير دائم للكلمات الجديدة التي تظهر في الحياة اليومية
5- أنشئ عند طفلك طموحاً علمياً
يشرح ستيفن سبيلبيرغ كيف أن التعليم في المنزل اليهودي يعتبر تطوراً طبيعياً للتعليم المدرسي وكيف ينشئ الأهل الطموح العلمي عند أبنائهم ويخططون منذ الطفولة لتغطية نفقات التعليم الجامعي بفتح حساب ادخار من أجل الجامعة يطلع عليه الابن باستمرار وهكذا " كلما نما الحساب نمت حتمية الدخول إلى الجامعة. قد يبدوا الأمر تبسيطياً لكن فتح برنامج ادخار في عمر مبكر يجعل فاتورة الجامعة أقل إثارة للقلق. إن الكلفة المادية للجامعة كبيرة لكن التخطيط يمكن أن يساعد على تجنب القرارات المبنية على أساس مادي فقط. إن استثماراً يساوي مائتي دولار في الشهر يبدأ عند الولادة سوف يجني أكثر من مئة ألف دولار عندما يبلغ الطفل الثامنة عشرة من عمره بعائد 8% وهذا يكفي لتغطية التكلفة الوسطية في مؤسسة تعليمية حكومية
6- جدد مهاراتك باستمرار
يقول ستيفن سبيلبيرغ " إذا أردت أن تكون متفوقاً في أيِّ مهنة، يجب أن تجدد مهاراتك باستمرار سواء كنت طبيباً أو محامياً أو محاسباً أو أستاذاً أو حتى تاجراً يجب أن تجدد معلوماتك وهذا يسمى التعلم مدى الحياة. إن تعليماً جامعياً نظرياً من دون تجديد مستمر يفقد قيمته. إذا كانت المعرفة هي القوة فالبقاء جاهلاً يضعك في وضع أضعف في مكان عملك. إن متابعة التعلم ودورات بناء المهارات هي استثمار وليست نفقات. دع أولادك يرونك كيف تتابع التعلم طوال سني حياتك. إن ذلك سوف يقوي شعورهم بأهمية التعلم ويمكِّنك من مشاركتهم في خبراتك التعليمية
2- سخاء اليهود في التبرع لقضاياهم وحرصهم على العمل الخيري المؤسساتي
يبذل اليهود الكثير من وقتهم وجهدهم ومالهم في الأعمال الخيرية والاجتماعية من أجل حماية مجتمعهم وتقويته. إن قدرة اليهود على تنظيم وتوحيد قوتهم الاقتصادية لعبت دوراً أساسياً في قوة المجتمعات اليهودية الأمريكية. يقول ستيفن سبيلبيرغ" يعتقد اليهود أنه إذا اعتمدت مجموعتك على تمويل الآخرين فإنها ستصبح تابعة لهم" لذلك يعتمد اليهود على التمويل الذاتي ويمولون الآخرين ليجعلوهم تابعين لهم كما سنبين بعد قليل
يذكر ستيفن سبيلبيرغ مجموعة بسيطة من الحقائق عن سخاء اليهود الأمريكيين - وتأثيراته السياسية – تبين صورة المجتمع الغني والفعال. ينفق الأمريكي 2% من راتبه وسطياً على الأعمال الخيرية في حين ينفق اليهودي 4%. إن التبرعات السنوية التي تجمعها هيئة الإغاثة اليهودية الموحدة تصل إلى بليون دولار سنوياً تُجمع من 2% من عدد السكان، وباستثناء جيش الخلاص فإن هذه الهيئة تجمع ما يفوق أي مؤسسة خيرية أخرى في أمريكا بما فيها الصليب الأحمر الدولي والجمعيات الخيرية الكاثوليكية وجمعية السرطان الأمريكية
لقد تبرع اليهود بـِ 4,5 بليون دولار عام 1997. تضمن ذلك 1,5 بليون دولار لمؤسسات منها هيئة الإغاثة اليهودية الموحدة و2 بليون دولار للكنيس و700 مليون دولار لإسرائيل و250 مليون دولار لمؤسسات ووكالات تعليمية ودينية واجتماعية. إن أكثر المتبرعين كرماً في الولايات المتحدة الأمريكية هم من اليهود؛ ففي القائمة السنوية التي تخرجها مجلة وورث مغزاين عن أكثر 100 محسن تبرعاً يشكل اليهود 35% منهم ويأتي على رأس القائمة اليهودي جورج سوروس الذي تبرع بأكثر من بليوني دولار للأعمال الخيرية
ويشرح ستيفن سبيلبيرغ كيف أنه " على الصعيد الدولي يعتبر دعم إسرائيل أمراً شديد الأهمية عند اليهود وهي تتلقى دعماً كبيراً جداً، وعندما يتعرض اليهود إلى التهديد في أي مكان في العالم يسارع اليهود الأمريكيون إلى إرسال المال كما حدث عندما هددت المجاعة يهود أثيوبيا وعند إعادة توطين اليهود الروس بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. أحياناً تكون الحاجة إلى المساعدة مستعجلة، في حرب 1973 بدأت الحرب على إسرائيل بهجوم مفاجئ عندما كان اليهود الأمريكيين يرتدون ثيابهم صباحاً استعداداً لقداس في الكنيس. كاستجابة لهذا التهديد جمعت هيئة الإغاثة اليهودية الموحدة مئة مليون دولار خلال اسبوع
الجمعيات اليهودية التي تقدم قروضاً مجانية
هناك طريقة أخرى مهمة يساعد بها اليهود أنفسهم مالياً وهي إنشاء الجمعيات اليهودية التي تقدم قروضاً مجانية لمساعدة المهاجرين والمحتاجين بشكل مباشر. يوجد حوالي أربعين مؤسسة من هذا النوع في الولايات المتحدة وهي تقدم قروضاً بـِ 40 مليون دولار سنوياً بدون فوائد، يقوم الممِّلون المحليون بدعم هذه المؤسسات وهي مدعومة من المجتمع اليهودي بشكل حصري. إن هذه الجمعيات تقدم ديوناً للأشخاص الذين لا يوجد من يساعدهم والذين ليس لديهم أي سجل في بطاقات الدفع المسبق
دعم المجتمع اليهودي بتوفير الزبائن للمؤسسات اليهودية
لقد تجمع اليهود في غيتويات في أوروبا الشرقية وفي مدينة نيويورك ونتيجة لذلك أصبحوا زبائن بعضهم بعضاً. بدءاً من الخدمات المهنية كالطب والمحاماة إلى الحاجات اليومية كالبقال واللحام والخباز والخياط وبائع السيارات وعامل البناء فإن اليهود يفضلون استخدام بني جلدتهم لقضاء أعمالهم. وكمثال على ذلك فقد كان اليهود يتحكمون بصناعة الملابس في نيويورك، وبدءاً من عام 1880 ومع موجات اليهود المهاجرين من أوروبا الشرقية استوعبت صناعة الملابس أكثر من نصف العمال اليهود. كان العمل يتم في ظروف غير صحية وبأجور زهيدة لكن الأرباح كانت تذهب إلى الشركات اليهودية ولصالح المجتمع اليهودي وفي عام 1885 كان اليهود الألمان يملكون 234 من أصل 241 مصنع ثياب في مدينة نيويورك
الوكالات والمؤسسات اليهودية
طور اليهود الأمريكيون أسلوباً مميزاً في التبرع أثر بشدة على بنية التبرعات في أمريكا. لقد استخدموا الوكالات و المؤسسات بشكل واسع واعتمدوا على الآليات التي تدعم التبرعات بشكل سنوي وطوروا بنية تحتية تحافظ على هذه الجهود. في عام 1895 أنشئت وكالة بوسطن لمساعدة اليهود وكانت الأولى من نوعها في أمريكا، بعد قرن من الزمن كان هناك 178 وكالة تخدم المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة، تنتظم هذه المؤسسات جميعها في مجلس الوكالة اليهودية وإضافة إلى هذا المجلس يوجد اليوم أكثر من سبعة آلاف مؤسسة يهودية مستقلة يمولها أشخاص أو عائلات وتبلغ قيمتها من 10 بليون إلى 15 بليون دولار، 24% من هذه المؤسسات تعطي 25 ألف دولار سنوياً و64% منها تعطي من 50 ألف إلى250ألف دولار سنوياً ويبلغ العطاء السنوي لكل المؤسسات والوكالات اليهودية 3 بليون دولار، ولتقوية عملية جمع التبرعات اتحد مجلس الوكالة اليهودية مع هيئة الإغاثة اليهودية ليشكلا الجمعيات اليهودية الموحدة
مجموعة ميغا
إضافة إلى المنظمات والمؤسسات التقليدية قدم الأغنياء مبادرتهم الخاصة في العطاء ففي عام 1991 أسس عشرون شخصاً من أكثر اليهود غنى في الولايات المتحدة ما يسمى "مجموعة ميغا" حيث يقوم أعضاء هذه المجموعة في سلسلة لقاءات تستمر على مدى يومين وتعقد مرتين سنوياً بمناقشة القضايا المتعلقة بالتبرعات واليهود، هذا التجمع من الأغنياء يمكن أفراده من التعلم من نجاح بعضهم البعض ومن تبني مشاريع خاصة يعتقدون أن لها أهمية كبيرة مثل دعم "يوم اليهود المدرسي" أو "مشروع حق الولادة" الذي يتكفل بإرسال أي يهودي على ظهر الأرض إلى إسرائيل إن كان يرغب بذلك، وفي عام 1997 قام ميشيل ستينهاردت وهو مدير سابق في مجال استثمار التبرعات بإطلاق حملة لتعليم اليهود جمعت 19 مليون دولار، 1،5 مليون منها جاءت من ستة أشخاص مهتمين من مجموعة ميغا
3- تشكيل جماعات الضغط والمشاركة القصوى في العملية السياسية
إن الاستثمار الأفضل للوقت والجهد الذي قام به اليهود كان في تشكيل جماعات الضغط اليهودية في الحكومة الفيدرالية لصالح إسرائيل. يذكر ستيفن سبيلبيرغ أنه "عندما أُعلنت دولة إسرائيل كان وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال يعترض بقوة على اعتراف أمريكا بها لأنه كان يعتقد أن ذلك سيغضب العرب ويقلل من نفوذ الولايات المتحدة في دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط، لكن اليهودي إيدي جاكوبسون وهو صديق وشريك سابق لترومان في محل بيع الملابس في مدينة كانساس في ميزوري شجع الرئيس ترومان على مقابلة المحامي الاسرائيلي تشيم وايزرمان (الذي أصبح أول رئيس لدولة إسرائيل فيما بعد) لكي يسمع منه قضية أرض اليهود، وكان هذا اللقاء أهم الأسباب التي أدت بالرئيس الأمريكي ترومان إلى الاعتراف بإسرائيل على الرغم من الاعتراضات القوية لوزير خارجيته كما ذكرنا" وربما كانت هذه البداية هي التي لفتت نظر اليهود إلى أهمية العلاقات الشخصية في التأثير في صناعة القرار الأمريكي ومن هنا نشأت جماعات الضغط اليهودية (اللوبي) وربما يتفاجأ القارئ إذا علم أن مساعدات الولايات المتحدة لإسرائيل في السنوات الأولى من عمرها كانت لا تتجاوز 300 مليون دولار سنوياً ثم قفزت فجأة في عهد نيكسون إلى 2،5 بليون دولار سنوياً بفضل كسينجر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك وكان أول يهودي يحتل هذا المنصب، واليوم تتلقى إسرائيل 20% من المساعدات الأمريكية الخارجية مع أنها موطن لخمسة ملايين شخص فقط. لقد كان اللوبي اليهودي فعالاً جداً في الجوانب الأخرى أيضاً. فقد أوجدت الولايات المتحدة في العقدين الماضيين
تعتبر منظمة الأيباك (الجمعية الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة) من أنشط مؤسسات اللوبي اليهودي في أمريكا وقد نما عدد العاملين في هذه الجمعية من ثلاثة أشخاص ليصل إلى 150 شخص بميزانية سنوية تبلغ خمسة عشرة مليون دولار
لقد كان اللوبي اليهودي فعالاً جداً في الجوانب الأخرى أيضاً. فقد أوجدت الولايات المتحدة في العقدين الماضيين مكتباً حكومياً للقبض على مجرمي الحرب النازيين وجعلت الهجرة من الاتحاد السوفيتي السابق هدفاً أساسياً في سياساتها الخارجية وساعدت على هجرة المجتمعات اليهودية القديمة من أثيوبيا وسوريا. في عام 1998 ساعدت الولايات المتحدة على إعادة الحسابات البنكية المسروقة من ضحايا الهولوكست في سويسرا، كما أن متحف الهولوكست الذي بني بأموال التبرعات أقيم بتفويض من الكونغرس
تأثير اليهود في الانتخابات الأمريكية
على الرغم من أن اليهود أقلية صغيرة إلا أنهم يمارسون حقهم في الانتخاب وبالتالي يضاعفون من قوتهم الانتخابية. إن 80% من اليهود الذين يحق لهم الانتخاب مسجَّلون كناخبين مقارنة بـٍ 50% من كل الكبار الذين وصلوا إلى السن الذي يحق لهم فيه الانتخاب. إضافة إلى ذلك إن اليهود المسجلين كناخبين ينتخبون بمعدل يعادل ضعف غيرهم من الناخبين وعندما نجمع بين هذين العاملين نجد أن قوة اليهود الانتخابية تتضاعف ثلاث مرات
إن اليهود يتبرعون بسخاء لمن يمثل مصالحهم في مجلسي الشيوخ والكونغرس، فهم يتبرعون أو يجمعون نصف التبرعات التي تمول حملات الحزب الديمقراطي، كما أنهم يلعبون دور المتطوعين المتحمسين في الحملات الانتخابية. إضافة إلى مساهمتهم في الانتخابات فإن لليهود تمثيل في الكونغرس ومجلس الشيوخ أكثر من تركيزهم في السكان، ففي الدورة الانتخابية رقم 106 لأعضاء الكونغرس عام 1999 كان تركيز اليهود في مجلس الشيوخ يعادل خمسة أضعاف ونصف نسبتهم بين السكان وفي الكونغرس كان تمثيلهم يعادل ثلاثة أضعاف نسبتهم في الشعب الأمريكي
إذن من الأجدى بالمسلمين بدلاً من إنفاق الساعات وهم يتحدثون عن مكر اليهود وخبثهم و(عبادتهم للمال) أن يدرسوا (كيف) يربي اليهود أبناءهم على الاهتمام بالتعلم والكسب الجيدين لا ليقلدوهم بشكل أعمى وإنما ليستفيدوا من تجربتهم ولينتقلوا من التفكير الخرافي حول نفوذ اليهود إلى التفكير العلمي الذي يفسر هذا النفوذ بشكل علمي، فامتلاك اليهود لكبرى الشركات وتبوئهم لأعلى المناصب الأكاديمية ليس بسبب وجود مؤامرة رهيبة أو خطة سرية وإنما بسبب الثقافة التي ينشئون عليها أبناءهم والتي تركز على أهمية التعلم واكتساب المعرفة والسعي إلى النجاح والتفوق. من الأجدى بالمسلمين بدلاً من الاكتفاء بالترنم بأن المسلمين هم الذين "أنعم الله عليهم" واليهود هم الذين "غضب الله عليهم" أن يقوموا بدراسة علمية هادئة تبين للمسلمين كيف استطاع بضعة ملايين من الذي "غضب الله عليهم" أن يهزموا ملياراً من الذين " أنعم الله عليهم"!! إن نفوذ اليهود في أمريكا لا يعود إلى أمر دبِّر بليل وإنما يعود إلى الأخذ بأسباب القوة والنفوذ كالسخاء في التبرع لقضايا اليهود والمؤسسات الخيرية التي أوجدوها واعتمادهم على بعضهم البعض وتقليل الاعتماد على الآخرين، والتصويت والمشاركة في الانتخابات بشكل كثيف ومستمر والدعم المخلص لقضايا اليهود في داخل أمريكا وخارجها. يوم يأخذ المسلمون بأسباب القوة والنفوذ كما أخذ بها اليهود سيصبح لهم ما لليهود من قوة ونفوذ سواء في بلادهم أو في الولايات المتحدة أو في أي مكان يوجدون فيه في العالم
2006 - الدكتور ياسر تيسير العيتي