cover

أيهما أزمته أعمق؟

يطلُّ علينا  المثقفون التابعون للأنظمة الشمولية في منطقتنا من خلال مقالاتهم في الصحف وأحاديثهم على شاشات الفضائيات ليتحدثوا بثقة وطلاقة عن عمق الأزمة التي تعيشها أمريكا وعن ظلم أمريكا وكذب أمريكا وكأنَّ الأنظمة الشمولية التي يتحدثون باسمها ويدعمونها بفكرهم وأقلامهم لا تعاني من أي أزمة وهي مثال في العدالة والصدق! لا شك أن أمريكا تعيش في أزمة لكن أزمة الأنظمة الشمولية في منطقتنا أشدُّ وأعمق. نعم أمريكا ظالمة لأنها أعطت لنفسها الحق في تقرير مصائر شعوب بأكملها متجاهلة إرادة هذه الشعوب، ولكن ماذا عن ظلم الأنظمة الشمولية التي تعطي لنفسها الحق في أن تسير بالبلاد وفقاً لرؤيتها الخاصة وتحرم الآخرين من ممارسة هذا الحق، تحرمهم  من تشكيل أحزابهم والمشاركة في بناء الرؤية التي تحدد مسار وطنهم وكأنهم لا ينتمون إلى هذا الوطن أو كأن بقية الشعب (غير النظام الحاكم) هم من فصيلة أخرى من البشر أقل فهماً وذكاءً أو أقل وطنية وشرفاً! فهل أمريكا هي وحدها من يمارس الظلم والتجبر والاستعلاء على الآخرين؟!  ثم نأتي إلى الكذب، نعم أمريكا كاذبة فهي تدعي الديمقراطية واحترام إرادة الآخرين في حين أنها تستخدم القوة والبطش في فرض إرادتها على الآخرين، لكن الأنظمة الشمولية تمارس الكذبة نفسها على شعوبها وبشكل أكثر وقاحةً وفجاجةً واستهتاراً بالشعوب وهزءاً بعقولها! نعم أمريكا تعيش في أزمة وحكامها الحاليون كاذبون وظالمون، ولكن أزمة الأنظمة الشمولية في منطقتنا أعمق من أزمة أمريكا وهي أكثر منها كذباً وأشد ظلماً. سياسات أمريكا الظالمة ستُهزم، ولكن هزيمة الظلم الأمريكي لن تكون حتماً على يد من هم أشد من سادة البيت الأبيض ظلماً وأكثر منهم كذباً.. سياسات أمريكا الظالمة ستُهزم في هذه المنطقة من العالم ولكن ليس قبل هزيمة من يحتقرون شعوبهم ويستعلون عليها بقوة النار والحديد.. قضايا الشعوب العادلة ستنتصر حتماً، ولكن عندما يتبناها حكام صادقون وعادلون. أما شعوب هذه المنطقة فأخشى أنها بحاجة إلى مزيد من الهزائم والإحباطات، قبل أن يبلغ بها الألمُ درجةً تدفعها إلى كسر حاجز الخوف والصمت والكفر بثقافة القطيع؛ ثقافة الذل والخنوع والهوان، وقبل أن تدرك ما قاله الأستاذ الشنقيطي في إحدى مقالاته (ولكل منا أن يتصور اليوم: ماذا ستكون النتيجة لو أن العراقيين دفعوا ثمن الحرية فنزلوا إلى الشوارع وقدموا صدورهم عارية وبذلوا الدماء للتخلص من الاستبداد. أيهما أقل ضرراً وأنبل مقصِداً: دفع ضريبة الدم في دفع الظلم والتحرر من المستبدين لتكون تلك الدماء منارات خالدة ينعم الناس بعدها بالحرية والكرامة؟ أم دفع ضريبة الدم في حروب عبثية ومغامرات مزاجية يشعلها الحاكم المستبد، فتزيد الوضع سوءاً على سوئه وتتحول إلى تراكم من الإحباط والحسرة؟ إن الهزيمة لا تأتي في يوم واحد، ولا النصر كذلك.. بل كلاهما حصيلة مسار طويل وتراكم من البناء أو الهدم، الشجاعة أو الجبن، التعاضد أو التخاذل، التضحية أو الخنوع. وإن بغداد لم تسقط يوم سقطت بيد الاحتلال الأمريكي، بل سقطت منذ ربع قرن حينما استسلمت لمزاج طاغية دموي. فهل تستوعب الشعوب العربية الدرس، وتبذل ضريبة الحرية قبل أن تبذل ضريبة الاستبداد مضاعفة؟)

2007 - الدكتور ياسر تيسير العيتي
Share