cover

بين تسريبات ويكيليكس وانتخابات البحرين

حدثان مهمان تصدرا عناوين وسائل الإعلام في الأيام الماضية: تسريبات موقع ويكيليكس التي فضحت انتهاكات حقوق الإنسان في العراق على يد الحكومة العراقية بقيادة المالكي، وانتخابات البحرين التي فازت بها المعارضة الشيعية بحوالي نصف مقاعد البرلمان. يشكلان هذان الحدثان حافزاً جديداً للحركات الديمقراطية في العالم العربي لتتابع نضالها البطولي ضد أنظمة الاستبداد وضد ثقافة الخنوع والاستسلام التي تعمل هذه الأنظمة على ترسيخها. فتسريبات ويكيليكس تشكل دليلاً آخر على أن الديمقراطية تربية وثقافة ونضال مستمر يخلق شعوباً مقاومة ترفض التفرج على من يظلمها ويعتدي على حقوقها سواء كان مستعمراً خارجياً أو مستبداً داخلياً أما الديمقراطية التي تأتي على ظهر الدبابة الأجنبية فهي سوف تستبدل الطاغوت الكبير بطواغيت صغيرة تستمر في استباحة الناس إهانةً وتعذيباً وقتلاً وإن اختلفت الوجوه والعناوين. من هنا يجب أن تركز الحركات المطالبة بالديمقراطية في العالم العربي في طرحها واستراتيجياتها وحركتها على الأرض على بناء المجتمع المقاوم - الذي لا يرضى استبدال المستبد بمستبد آخر - أكثر من تركيزها على إسقاط الأنظمة التي تستمد قوتها من استسلام الشعوب وسلبيتها.  أما انتخابات البحرين ففيها دلالتان: أولاً، هي تسحب حجة مثقفي السلطة الذين يدعون عدم نضج الشعوب العربية لممارسة الديمقراطية، فبماذا يختلف المواطن البحريني عن مثيله في الدول العربية سوى أن حكامه احترموا إنسانيته وحقوقه فعاملوه بمثل ما يعامل به الناس في بقية أنحاء العالم!؟ وثانياً: لا يخفى على أحد وجود بعض التوتر الطائفي في البحرين وأنها دولة صغيرة في وسط محيط إقليمي مضطرب بعيد كل البعد عن وصف الاستقرار ومع ذلك لم يتخذ حكام البحرين من هذه الظروف مبرراً لتعطيل الحياة السياسية في البلاد مما يؤكد مقولة المطالبين بالديمقراطية في العالم العربي من أن التوتر الطائفي ­– إن وجد – والتحديات الخارجية – إن وجدت – ليست مبرراً للاستبداد بل هي تشكل أسباباً إضافية لتطبيق الديمقراطية، فالديمقراطية هي التي تبني دولة المساواة التي تساوي بين الجميع بغض النظر عن طوائفهم مما يخفف أسباب التوتر الطائفي ويسحب هذه الورقة من أيدي القوى الخارجية التي تريد أن تلعب بها، والديمقراطية هي التي تبني المواطنين الأحرار المستعدين للدفاع عن أوطانهم في وجه التحديات الخارجية. إن الأمة العربية اليوم تتلوى ألماً على وقع الضربات العنيفة التي تتعرض لها بين مطرقة استعمار لا تهمه إلا مصالحه وإن رفع شعارات الديمقراطية وسندان استبداد لا يهمه إلا كرسيه وإن رفع شعارات الوطنية، يعتقد البعض أن هذه الضربات ستمزق الأمة العربية إلى أشلاء، لكن العارفون بهذه الأمة وبما تحمله من مخزون حضاري يعتقدون أنها ستشكل حافزاً لها يستنفر فيها عوامل القوة والنهوض، يقول الأستاذ منصف المرزوقي في آخر مقالاته

 من أين سيأتي النور ومتى سينجلي الليل؟ من إرادة الحياة التي لا تموت أبداً لا في الأشخاص ولا في الشعوب، فما بالك في أمة كبرى مثل أمتنا... وأيضا من القانون الذي سنه توينبي أن التحدي هو الذي يصنع كبرى الحضارات. من يعي أن خطورة التحديات وكثرتها تضع اليوم كل عربي أمام عبء لا يعرفه أو لم يعد يعرفه الإنسان الغربي وأن "عضلاتنا" الروحية والفكرية موجوعة من كثرة الضغط عليها لكنها تقوى بكل أزمة؟ من يعي بأن خطورة الأزمات تفرز أشخاصاً ليس لهم نظير في مجتمعات غير معرضة للأخطار التي نعرف، وأن هؤلاء الأبطال والبطلات مبثوثون داخل الجسم الواهن وهم الذين سيكونون أكبر مفاجأة لمن يحتقرون قدرة الشعوب على النهوض وردّ الفعل على من يهددونهم في وجودهم؟ نعم، هناك قوى دمار جبارة تعركنا وهناك قوى خلق لا تقل قوة وزخماً تعتمل داخلنا

الدكتور ياسر تيسير العيتي    

25/10/2010

Share