لماذا يرتفع عدد المطبات في شوارع دمشق؟
هناك ظاهرة ملفتة للنظر في مدينة دمشق وهي تزايد عدد المطبات في شوارعها بشكل عجيب. في السنوات التي عشتها في الغرب كنت ألاحظ وجود إشارات مرورية عند تقاطع الطرق وفي الأماكن التي يجب تخفيف السرعة فيها (بجوار المدارس مثلاً) وكنت ألاحظ التقيد الشديد من قبل المواطن الغربي بهذه الإشارات. السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يلتزم المواطن في الغرب (ذاتياً) بالقانون بينما يحتاج في بلادنا إلى (مطب) يجبره رغماً عنه على الالتزام بقانون السير وتخفيف سرعته! حدثني أحدهم أنه لا يرمي الأوساخ من شباك سيارته لأنه يحترم نفسه ويشعر أن هذا العمل لا يفعله الأشخاص المحترمون، إذن كلما ارتفع تقدير الإنسان لذاته ابتعد عن فعل الأمور التي تجرح هذا الشعور الثمين وكلما انخفض تقدير الإنسان لذاته سهل عليه القيام بهذه الأمور. لكي نعرف سبب ارتفاع عدد المطبات في شوارع دمشق علينا أن نطرح على أنفسنا الأسئلة التالية
-
هل الطريقة التي نربي بها أطفالنا ترفع عندهم الشعور بتقدير الذات أم أنها تخفض هذا الشعور؟ أي هل الطريقة التي نربي بها أطفالنا تعتمد على الحوار والقدوة الحسنة واحترام كرامة الطفل وعقله وشخصيته الفريدة أما أنها تعتمد على الأوامر والنواهي والزجر والنهر والضرب والإكراه؟
-
هل الطريقة التي يتعامل بها الأساتذة مع طلابهم في المدارس ترفع عندهم الشعور بتقدير الذات أم أنها تخفض هذا الشعور؟ أي هل يضبط الأستاذ طلابه من خلال إتقانه للمادة التي يدرسها ولمهارات التدريس ومن خلال بناء علاقات إنسانية قوية مع هؤلاء الطلاب قائمة على الحوار والاحترام المتبادل؟ أم أنه يضبط الطلاب من خلال تحويل الدرس إلى مطاردة بوليسية الهدف منها (إلقاء القبض) على المشاغبين وتذكير الطلاب من حين إلى آخر بأنهم (حيوانات) لا يفهمون إلا بالضرب
-
هل الطريقة التي يخاطب بها الشيخ المصلين في المسجد ترفع عندهم الشعور بتقدير الذات أم أنها تخفض هذا الشعور؟ أي هل يركز الشيخ في خطابه على حقيقة أن الإسلام جاء ليكرم الإنسان وليرتقي بالفرد والمجتمع إلى أعلى درجات الإنسانية من خلال بناء الإنسان الحر القادر الذي يرفض الخضوع إلا لله فلا يظلم أحداً ولا يرتضي الظلم من أحد؟ أم أنه يركز في خطابه على تقريع الفاسقين وتوبيخ العصاة ويبتعد عن القضايا الأساسية التي تمس الإنسان في جوهر وجوده وكرامته وحقوقه؟
-
هل الطريقة التي تعامل بها الدولة المواطن ترفع عنده الشعور بتقدير الذات أم أنها تخفض هذا الشعور؟! أي هل يشعر المواطن أنه متساو مع غيره أمام القانون وأن هذا القانون يحفظ له حقوقه وكرامته؟ أم يشعر أنه مُستباح بكل ما تعنيه كلمة (استباحة) من معنى؟
من خلال الإجابة على الأسئلة السابقة نستطيع أن نعرف لماذا يزداد عدد المطبات في شوارع دمشق يوماً بعد يوم
إن الإنسان الذي يشعر أنه (مسحوق) و(مستباح) لا يحمل أي شعور بتقدير الذات وبالتالي لا يمكنه أن يلتزم (ذاتياً) بالقانون. قد يقول قائل إن الحزم في تطبيق القانون في الغرب هو الذي يدفع الناس إلى الالتزام به وهذا سبب آخر لكنه ينبع من السبب الأول فاحترام الذات هو الذي يمنع من يطبِّق القانون من أن يتحول إلى مرتشٍ يُذبح القانون على يديه! إنه لولب نازل باستمرار لا يتوقف حتى يصل بالمجتمع إلى الحضيض... فانخفاض تقدير الإنسان لذاته سيدفعه إلى مزيد من عدم الالتزام بالقانون وهذا سيدفع الدولة إلى مزيد من أساليب الإجبار والإكراه ووضع المزيد من (المطبات) في حياة الناس وطرق معيشتهم وهذه الأساليب ستزيد من انخفاض شعور الناس بتقديرهم لذواتهم وهكذا
إن ارتفاع عدد المطبات في شوارعنا ما هو إلا مظهر من مظاهر الفشل الثقافي الذي نعاني منه. فشلنا في أن نجعل الإنسان وكرامة الإنسان وخدمة الإنسان وحقوق الإنسان هي محور حياتنا ومحور ممارستنا للثقافة والسياسة والدين
2007 - الدكتور ياسر تيسير العيتي