cover

الأدوار الأربعة للقائد الفعال

 ما إن فجر الشعب السوري ثورته العظيمة، حتى برزت الحاجة إلى القادة في شتى المجالات، فقد أفرزت الثورة عشرات الكتائب العسكرية التي تقارع النظام في الميادين، وعشرات المنظمات المدنية من إغاثية وإعلامية وغيرها التي توصل صوت الثورة إلى العالم وتدعم حاضنتها الشعبية لتتمكن من الصمود وصولاً إلى انتصار الثورة وتحقيق أهدافها بإذن الله تعالى. لا نبالغ حين نقول: إن نجاح الثورة حتى اليوم، رغم كل ما يواجهها من قوة غاشمة وتآمر عالمي، هو بسبب قدرة السوريين على العمل معاً ضمن المنظمات المدنية والعسكرية التي أسسوها، على الرغم مما يشوب هذا العمل الجماعي من ضعف ونقص في بعض الأحيان، ولو بقي السوريون أفراداً متفرقين ولم ينظموا أنفسهم في مجموعات لوئدت الثورة منذ زمن بعيد. ولا نبالغ أيضاً حين نقول: إن ما يؤخر انتصار الثورة اليوم، ويهدر كثيراً من طاقاتها، هو حالة التشرذم بين مكوناتها العسكرية والمدنية والسياسية، وانتشار الخلافات بين العاملين لها، وعجز الكيانات الصغيرة عن التوحد في كيانات أكبر أو التنسيق فيما بينها على أقل تقدير، وفي بعض الأحيان تشوش الرؤية وغياب الاستراتيجية عند أفراد الفريق الواحد. وإذا تأملنا في الكيانات الثورية القائمة العسكرية منها والمدنية سنجد أنها تتفاوت في مدى تماسكها وانسجام أفرادها ووضوح أهدافها وقدرتها على تحقيق هذه الأهداف، وإذا تأملنا أكثر في سبب هذا التفاوت في النجاح والأداء سنجد أنه يعود إلى التفاوت بين كفاءات قادة هذه الكيانات وقدرتهم على جمع الكلمة وتحديد الأهداف وإطلاق إمكانيات من يعملون معهم من أجل بلوغ هذه الأهداف

حيثما وجد عمل جماعي تبرز الحاجة إلى القائد، ولئن كانت بذرة القائد موهبة يضعها الله في بعض الناس، فيولدون ولديهم الاستعداد ليكونوا قادة فعالين، فإن وجود البذرة وحدها لا يكفي ولا بد من المعرفة والتدريب يتعهدانها بالنمو والتطور حتى يشتد عودها وتورق أغصانها، وسنتحدث في هذه المقالة بشكل موجز عن أربعة أدوار إذا قام القائد بأدائها فإنه ينجح بإذن الله في قيادة مجموعته إلى أهدافها، وتحفيز العاملين معه وإطلاق طاقاتهم في جوّ من الرضا والتفاهم والانسجام

إذا فكر أحدنا في الأشخاص الذين يلعبون دوراً قيادياً في حياته، الأشخاص الذين يتأثر بهم، ويطلب نصحهم، ويعمل بمشورتهم (ولو لم يكونوا في منصب قيادي رسمي)، سيجد أنه ينصاع طوعاً لأولئك الناس الذين يثق بهم، يثق في حكمتهم وفي أخلاقهم. في دراسة على عدد كبير من المؤسسات لتحديد العامل الأهم الذي يلعب دوراً في نجاح المؤسسة، تبين أن (الثقة) بين أفراد المؤسسة هي أهم عامل يحدد نجاح المؤسسة أو فشلها، ولا سيما الثقة بقائد المؤسسة. نحن لا نتبع شخصاً لا نثق به – إلا إذا كنا مرغمين – لذلك فإن أول أولويات القائد هي أن يبني ثقة الآخرين به. تأتي الثقة من اجتماع أمرين: الكفاءة والأخلاق. ويجمعهما قوله تعالى (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) القصص 26. فالقوة تعني الكفاءة وهي امتلاك المعرفة والمهارات التي يحتاجها القائد في المجال الذي يقود الناس فيه. فإذا كانت المجموعة عسكرية لا بد للقائد من امتلاك المعرفة والمهارات العسكرية، وإذا كانت إعلامية فيجب أن يكون القائد ملماً بموضوع الإعلام، وإذا كانت تربوية يجب أن يكون القائد عارفاً بالتربية وأصولها وهكذا

أما الأخلاق أو الأمانة فهي صفات وسلوكيات تكمل صفة الكفاءة، الصدق والقدوة الحسنة واحترام الآخرين وقبول النصيحة والاستعداد للاعتراف بالخطأ هذه كلها صفات أخلاقية لا بد للقائد من الالتزام بها، فمهما كان الشخص ماهراً في مجال تخصصه فإنه لن يستطيع أن يقود الناس إذا كان كاذباً أو يهين الآخرين أو متكبراً لا يعترف بالخطأ. وقد يقول قائل إنه يوجد من يرتكبون هذه الأمور وهم في مناصب قيادية فنقول له: نعم يمكن أن يرتكب هذه الأمور من هو في منصب قيادي لكن القيادة ليست منصباً، القيادة هي أن يتبعك الناس طوعاً ويقدموا تحت قيادتك أفضل ما لديهم وهذه لا تكون بالمنصب وإنما باجتماع القوة والأمانة في شخص القائد

تتشكل المجموعات والمؤسسات من أجل تحقيق غاية معينة. ومع ذلك فقد بينت الدراسات أن كثيراً من أفراد المؤسسات لا يعلمون الغاية التي تسعى المؤسسة لبلوغها، ولو سألتهم متفرقين عن غاية المؤسسة لأعطى كل واحد منهم جواباً مختلفاً. ويمكننا أن نقسم تحديد المسار إلى الأقسام التالية

الفرق بين الرؤية والرسالة هو أن الرؤية تعبر عن هدف تسعى اليه المجموعة (مثال: أن نكون المنظمة الأولى في مجال الإغاثة في المنطقة كذا) بينما الرسالة هي ما تعيشه المجموعة يوماً بيوم (مثال: أن نلبي حاجات الناس المادية والمعنوية بما يحفظ كرامتهم و

يجب صياغة الرؤية والرسالة بمشاركة أعضاء المجموعة وبشكل مكتوب بحيث إذا سألنا أياً من أعضاء المجموعة عن رؤيتها ورسالتها كان الجواب واحداً، وهذا ما يعطي المجموعة التوجه والاندفاع نحو غاية واحدة

من أجل الانتقال بالاستراتيجية إلى مرحلة التنفيذ لا بد من تحويلها إلى أهداف محددة قابلة للقياس ولها زمن محدد لإنجازها. مثلاً: إذا كانت أحد المحاور الاستراتيجية لمجموعة إغاثية هو (تأمين الحاجات الغذائية للقاطنين في منطقة معينة)، فإن التنفيذ يقتضي تحويله إلى هدف قابل للقياس له زمن محدد (تأمين 3000 سلة غذاية شهرياً للمنطقة كذا

التمكين هو أن تحدد لأعضاء فريقك الهدف الذي يجب تحقيقه وتترك لهم حرية اختيار الطريقة التي يحققون بها الهدف ضمن إرشادات معينة، وهكذا تتيح لهم المجال للإبداع والابتكار وتفعيل مواهبهم الخاصة للوصول إلى الهدف. إن القائد الذي يجمع كل الخيوط بيده ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة ولا يعطي من يعملون معه الصلاحيات، ولا يمنحهم أي مساحة للاجتهاد، ويطلب العودة إليه عند اتخاذ أي قرار، إنما يكبل طاقات العاملين معه، ويرهق نفسه بواجبات كثيرة لا يستطيع تأديتها كلها وهكذا يظل سير المجموعة وئيداً ويتأخر إنجاز الأعمال ويشعر أفرادها بأنهم مقيّدون لا يستطيعون إطلاق طاقاتهم وتفجير مواهبهم. التمكين طبعاً يحتاج إلى التدريب فيجب أن ندرب من يعملون معنا قبل إعطائهم الصلاحيات، ويحتاج الى حسن اختيار المجال الذي سيتم التمكين فيه والشخص الذي سنمكّنه، فكلما ارتفعت ثقتنا بالأشخاص من خلال التجربة زدنا من الصلاحيات المعطاة لهم. صحيح أن التمكين يتعب القائد في البداية لأنه يحتاج إلى تدريب ومتابعة، لكنه يريحه في نهاية المطاف إذ سيحمل الآخرون الأعباء عنه، بدلاً أن يحملها بنفسه وسيشعرون بالرضا والإنجاز لأنهم  يفعّلون مواهبهم للوصول إلى الأهداف

هذه باختصار الأدوار الأربعة للقائد الفعال، وأخيراً أريد أن أهمس بإذن إخواني بتعريف القيادة (القيادة هي أن تؤمن بالناس أكثر من إيمانهم بأنفسهم، وترى فيهم من الصفات والمواهب والإمكانيات ما لا يروه هم في أنفسهم، وتدفعهم من خلال إيمانك بهم إلى إخراج هذه الطاقات والمواهب، فيكبرون بك وتكبر بهم

نسأل الله أن يجعلنا أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يرزقنا العلم مع العمل، ويعجل لنا بنصر تفرح به قلوب المؤمنين

Share