cover

الثورة حياة والحياة مبادرة وحركة لا تتوقف

من سنن الله في الحياة أن الماء العذب النقي إذا سكن تحول إلى مستنقع آسن تتكاثر فيه الطفيليات الضارة، فلا شيء يطرد الخَبَث من الأفراد والمجتمعات ويجددها ويرتقي بها أكثر من الحركة الدائبة في سبيل هدف عظيم وغاية نبيلة. علم الطغاة بهذه السنة الإلهية، وبأن تطفلهم على المجتمعات وسرقة خيراتها لا يمكن أن يتم إلا إذا سكنت وركنت إلى الهوان وانعدمت فيها أسباب الحركة والحياة ففرضوا عليها قيوداً تمنع أي حركة حقيقية حتى في عالم الفكر والقول فكانت قصائد طل الملوحي سبباً لرميها في السجن سنين عديدة! لكن الله منّ على مجتمعاتنا بربيع عربي زاهر، فاجأنا قبل أن يفاجئ أعداءنا، وهكذا اشتعل ربيع الحرية في تونس ناثراً أزاهيره في طول البلاد العربية وعرضها ووصلت رياح التغيير إلى بلاد الشام فكانت على موعد مع شباب سورية المعروف بذكائه وإمكانياته وتوقده وعنفوانه، وتأججت ثورة الكرامة في سورية، واكتشف الشباب السوري ما أودع الله فيه من إمكانيات هائلة، وتحول شباب وشابات كان يبدون قبل الثورة أشخاصاً عاديين إلى أبطال ومبدعين في كل الميادين

ما كان لهذه الثورة، أن تبدأ وتستمر كل هذه الشهور، وأن تنتصر على أعتى الأنظمة في التاريخ، لولا شباب وشابات اتصفوا بروح المبادرة وتحمل المسؤولية، نفضوا عن كاهلهم غبار السلبية وانتظار صلاح الدين، وقرر كل واحد منهم أن يكون صلاح الدين المنتظر، وتلفّت حوله ليجد إخوة مثله يشاركونه الغاية العظيمة والهدف النبيل، والثقة بالله وبالنفس، وبأن المستقبل يفتح أبوابه للقلوب الحارة والعقول الجريئة، فتشكلت على امتداد سورية وخارجها مئات المبادرات الجماعية، التي تعمل في شتى المجالات بدءاً من تنظيم التظاهر والحراك السلمي، إلى العمل الإعلامي والفني والإغاثي والطبي

لقد حفرت عقود الاستبداد وتقييد الحريات وكم الأفواه والقهر الشديد، أخاديد عميقة من السلبية واليأس في نفوس الناس، فعندما انطلقت الثورة ظل كثير من الناس يفركون عيونهم غير مصدقين أن هذا الشعب يمكن أن يشق طريقه إلى الحرية والحياة، وبسبب الخوف من بطش لا يرحم عند البعض، وبسبب عقلية المؤامرة التي ترى أن لا شيء يتحرك في هذا الكون إلا بإمرة اليهود والماسونية وفي سبيل مصالح الغرب والصهاينة عند البعض الآخر، تردد هؤلاء في دعم الثورة عند بدء انطلاقتها، لكن تقدم الثورة وثباتها الأسطوري، ووحشية النظام البالغة في قمعها، وتهربه المستمر من الحلول السياسية واعتماده الحل الأمني، والخطاب الإعلامي المتدني الذي انتهجه النظام معتمداً الكذب والتزوير والتحريض والهزء بعقول السوريين، والتآمر الجليّ على هذه الثورة من العالم كله بشرقه وغربه، والبطولة الاستثنائية التي أبداها الثوار في وجه محاولات إخماد الثورة والقضاء عليها، كل هذه العوامل جعلت مزيداً من الشباب يقتنعون بمصداقية هذه الثورة، ويتشجعون على الانخراط في صفوفها، ومع ذلك ما تزال هناك الكثير من الطاقات المعطلة والشباب المهمّش بسبب ما ورثوه عن عقود الاستبداد من خوف وتردد، وإيثار للراحة والسلامة، وخوف من المبادرة والمغامرة، وضعف ثقة بالنفس وبالقدرة على صناعة المستقبل وتحديد المصير، إن ما يذيب هذه الأسباب أكثر من التنظير هو أن يجد الشاب نفسه أمام غاية واضحة وتجربة ناجحة ذات نتائج ملموسة يخوضها شباب مثله تجاوزوا ما ألفه من خمول وركون

ولأن الثورة حركة وحياة وتجدد، فقد كان طبيعياً أن تمر هذه الثورة بأطوار مختلفة، وأن تواجه في كل طور تحديات مختلفة، ولئن اشتدت الحاجة في بداية الثورة إلى الشجاعة والإقدام وروح البطولة والتضحية، فإن الحاجة اليوم أشد إلى القدرة على التخطيط والتنظيم والإدارة واستغلال الطاقات والعمل بروح الفريق، فقد أصبح واضحاً للجميع أن هذه الثورة لن تحقق كل أهدافها بإسقاط النظام، وأن أمام الثوار تحديات عظيمة بعد السقوط، تبدأ بإعمار البلاد والنفوس، وحماية الثورة ممن سيحاول سرقتها والانحراف بها عن أهدافها، وصولاً إلى بناء دولة العدل والقانون، التي بذل الشعب التضحيات العظيمة من أجلها

لقد أصبحت الساحة اليوم مفتوحة للجميع، للصالح والطالح، للمخلص والوصولي، للأخيار والأشرار، والحياة لا تحتمل الفراغ، فالمكان الذي لا يملؤه المصلحون سيتسلل إليه المفسدون، فإلى العمل والحشد  والتنظيم أيها الشباب الأحرار، إلى تجميع الطاقات، وإطلاق الإمكانيات، ومن أسقط نظاماً بهذا الجبروت لن يعجزه شيء بإذن الله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

1/2/2013

Share