الثورة في عامها الثالث تقدّم مستمر وتحديات متجدّدة
ونحن في الذكرى الثالثة لانطلاق هذه الثورة المباركة لا بد لنا من نظرة بانورامية على مسار الثورة، نستعرض فيها أين وصلنا، وإلى أين يجب أن نتجه، وما التحديات التي تواجهنا، لكي لا تضيع البوصلة وينحرف المسار. كلنا يعلم أن الثورة بدأت سلمية منادية بالحرية والكرامة وأن الشعب أرادها أن تستمر سلمية لذلك صمد الشباب بصدورهم العارية في وجه الرصاص الذي كان يفرق مظاهراتهم السلمية شهوراً طويلة، لكن إيغال النظام في القتل والتوحش، وكثرة الانشقاقات من جنودنا الأبطال الذين رفضوا أوامر النظام بقتل إخوانهم، صنع مقاومة مسلحة على الأرض بدأت بحماية المظاهرات ثم تحولت إلى حماية القرى والأحياء من هجمات الشبيحة ومجازرهم ثم اتسعت لتتحول إلى مقاومة شعبية مسلحة انتشرت في طول البلاد وعرضها وآلت على نفسها أن تضع حداً لإجرام هذا النظام بقوة السلاح إلى جانب قوة الشعب الذي احتضن المقاومة فعاقبه النظام بتدمير القرى والمدن بكل أنواع الأسلحة الفتاكة على وجه لم نجد له مثيلاً في تاريخ الطغاة الذين قمعوا ثورات شعوبهم
لقد أراد النظام منذ بداية الثورة أن يسمها بالعنف والإرهاب ليخوف العالم والسوريين منها، وأفلت شبيحته ليرتكبوا المجازر وخصوصاً في مناطق التماس الطائفي ليجر الشعب إلى حرب طائفية تضيع في أتونها مطالب الشعب بالحرية والكرامة فينسى العالم أن هناك ثورة في سورية قامت ضد الظلم والاستبداد ويتعامل معها على أنها حرب بين طرفين. لم ينجح النظام في جر البلاد إلى صراع طائفي، لكنه نجح نسبياً في تحقيق الهدف الأول وهو إخافة العالم وبعض السوريين من انتصار الثورة لأنها تحمل طابعاً إسلامياً جهادياً، ومن هنا كان لزاماً على الثورة أن تُفهم الآخرين بسلوك الثوار على الأرض وبخطابها الإعلامي أن الثوار عندما يرفعون الشعارات الإسلامية فلأننا شعب مسلم، وما كل من طالت لحيته صار إرهابياً يهدد أمن العالم، بل إن الإسلام يضبط سلوك المقاتلين في الحروب ويحرم الدماء والأعراض والأموال أكثر من أي مرجعية أخرى، على الثورة أن تبرز للعالم ولبعض السوريين الخائفين أن الحوادث التي يحاول النظام وإعلام الغرب التركيز عليها تحدث في سياق ثورات من هذا النوع لكنها ليست من الانتشار بحيث أنها ظاهرة عامة، إن أكثر حوادث القتل والخطف والاعتداء على الأملاك تحدث من قبل الشبيحة ورجال النظام ولكن يجب ألا ننكر أن بعضاً ممن ينتمون إلى الجيش الحر يقومون بهذه الأمور تحت ذرائع شتى، وهو ما يجب أن يتم التصدي له بكل حزم من قبل قيادات الجيش الحر والهيئات القضائية في المناطق المحررة لكي لا يتوسع، وعلى العلماء أن يلعبوا دوراً ريادياً في هذا الأمر، وألا يكتفوا بإطلالات خجولة في وسائل الإعلام أو بيانات متفرقة، وألا يقفوا موقفاً دفاعياً يدفعون فيه تهمة الإرهاب عن الإسلام، بل يجب أن يبرزوا للعالم حقيقة ديننا الحنيف وحرمة الدماء والأموال فيه، وأن يكون ذلك في مؤتمر جامع لكل تجمعات العلماء التي تشكلت بعد الثورة كهيئة علماء المسلمين ورابطة علماء الشام والتجمع الإسلامي من أجل سورية وغيرها، ليعلنوا على العالم في مؤتمر جامع يُدعى إليه قادة الكتائب الإسلامية والجيش الحر، ميثاق شرف للمقاتلين يلتزمون فيه بتعاليم الإسلام وقيمه، ويصبح كل خارج على هذا الميثاق مخالف للشرع يستوجب الردع والعقوبة. أما التحدي الآخر الذي يواجه الجيش الحر والكتائب المسلحة اليوم فهو تجميع الصفوف وانضمام المجموعات المقاتلة إلى بعضها البعض توحيداً للقوى وتجنباً للفوضى وهو أمر يحدث بشكل تدريجي على مستوى كل محافظة وعلى مستوى سورية ككل
من التحديات التي تواجه الثورة في عامها الثالث، قدرة المواطنين على إدارة المناطق المحررة، وقد بدأت المجالس المحلية بالقيام بهذه المهمة محققة نجاحاً واضحاً يتفاوت من منطقة إلى أخرى، وهنا لا بد من اعتماد الانتخابات في اختيار أعضاء هذه المجالس إذا كانت الظروف الأمنية تسمح بإجرائها ويجب رفدها بأصحاب الكفاءات وتزويدها بما تحتاج إليه من تدريب ووسائل لتقوم بمهمتها على أحسن وجه
على الثورة أن تستقبل عامها الثالث بزخم جديد، فنحن اليوم أكثر تصميماً من أي وقت مضى على تحقيق أهداف الثورة، كيف لا، وقد قضى في سبيل ثورتنا عشرات الألوف من الشهداء، وعُذب مثلهم من المعتقلين، وشُرّد الملايين ... إن دماء الشهداء ودموع المعذبين أمانة في أعناقنا، سنحافظ عليها بالحفاظ على الهدف الذي ثاروا من أجله؛ بناء وطن يحترم كرامة مواطنيه ويحقق العدالة بينهم
7/3/2013