cover

الحرب الأمريكية على الإرهاب هل هي حربنا أيضاً!؟

 

منذ أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حربها الكونية على الإرهاب بعد 11 سبتمبر، غزت افغانستان والعراق تحت ذريعة هذه الحرب، كما تم توجيه عشرات الضربات بطائرات من غير طيار في اليمن وأفغانستان مما أوقع عدداً كبيراً من المدنيين إلى درجة أن أعضاء في الكونغرس الأمريكي احتجوا على شرعية هذه الضربات وضرورتها. ومنذ أن أخذت الثورة السورية منحى مسلحاً غلب الطابع الإسلامي على الكتائب التي تقاتل النظام، وكان ذلك سبباً في إحجام الدول الغربية عن تسليح المعارضة السورية خوفاً من وقوع السلاح في أيدي (المتشددين) بل إن ضغوطاً مورست على الدول العربية التي تسلح هذه الكتائب لاستثناء بعض الأسلحة التي يشكل وقوعها في أيدي المتشددين خطرا على المصالح الغربية ولا سيما اسرائيل، وصنفت الولايات المتحدة بعض الكتائب التي أعلنت ولاءها للقاعدة على قائمة الإرهاب، ولا نعرف إلى أي مدى ستطول هذه القائمة. إن الخطاب السياسي الأمريكي والغربي بشكل عام يشدد على ضرورة محاربة الإرهاب في سورية ودعم الكتائب (المعتدلة) لكي تقف في وجه الكتائب (المتشددة)، فهل من مصلحة السوريين أن يتماهى قسم منهم مع هذا الخطاب فيستخدم مفرداته ويندرج ضمن الخطة الغربية لمحاربة (الإرهاب) في سورية، وأن يصبح القسم الآخر إرهابياً متشدداً يحاربه القسم الأول وفق الأجندة الأمريكية؟

إن لأمريكا مصالح في سوريا يجب مراعاتها، ومنها مصلحتها في ألا تكون سورية حاضنة لجماعات إرهابية تهاجم المصالح الأمريكية في المنطقة والعالم، ومن مصلحة السوريين أيضاً ألا تكون في بلادهم جماعات لها فهمها الخاص للدين وتريد أن تفرض هذا الفهم على المجتمع بقوة السلاح وتكفر كل من يعارضها ويخالفها الرأي وتستحل دمه. لكن التعامل مع هذه الجماعات يجب أن يكون وفق الأجندة والمصلحة الوطنية، على المعارضة السورية أن تضع خطة وطنية واضحة للتعامل مع الكتائب المسلحة بكل أطيافها، وأن تبتعد في خطابها عن مفردات الخطاب الأمريكي في التعامل مع بعض الجماعات وألا تضع نفسها في خندق واحد مع أمريكا ضد هذه الجماعات، وأقترح بعض الخطوط العريضة للتعامل مع هذا الموضوع الحساس

1- الشعب السوري في أكثريته شعب معتدل، يحب دينه ويعتز به، لكنه ينبذ التطرف والمغالاة، وهو بذلك ينسجم مع روح الإسلام الذي يتصف بالاعتدال واليسر والوسطية

 2- هناك تقصير من قبل الدعاة والعلماء والمفكرين، في تواجدهم بين الشباب الذين يقاتلون النظام، وفي البيئات التي تحتضن هؤلاء الشباب، الفراغ الذي تركه دعاة الوسطية والاعتدال ملأه المتشددون

3- إن وحشية النظام وعنفه البالغ حرضت ردة فعل عند كثير من الشباب، نقول ذلك لتفسير ما يحدث لا لتبريره، ولتفهم الظروف الاستثنائية التي يعيشها الناس في مناطق القتال، هذا التفهم يساعد على أن يكون خطابنا لهؤلاء الشباب متفهماً وواقعيا بعيدا عن التنظير أو التقريع

4- صحيح أننا نختلف مع بعض الكتائب في الفكر والسلوك، لكننا نتخذ منهج الدعوة والنصح معهم، ونشر أسلوب المناظرات العلنية، والعلماء هم خير من يتولى القيام بذلك

5- وجود هيئات شرعية محايدة في حالات الخلاف يتوافق عليها الطرفان المختلفان وينزلان على حكمها يساعد كثيرا في وأد الخلافات. ويكون اللجوء إلى القوة للجم الطرف الذي يرفض التحكيم ويصر على فرض نفسه بقوة السلاح

6- يجب أن نوصل للأمريكيين أن مصلحتهم ومصلحتنا تقتضي ألا يكون التعامل مع هذه الجماعات بالقوة فقط، فهذا يزيد من تشددها ومن تأييد الناس لها

7- هناك انحراف في نهج بعض الجماعات المقاتلة، ولكن هناك ايضا الكثير من الدس والاخبار الكاذبة التي تنسب اليها ، وخصوصا ان من مصلحة النظام اظهار ارهاب هذه الجماعات ليخوف الشعب والعالم من التغيير القادم، فيجب التاكد وعدم تصديق كل ما ينسب اليها

8- خلافنا الفكري مع بعض هذه الجماعات لا يعني أننا لا نقدر هؤلاء الشباب الذين جاءوا من خارج سوريا ليدافعوا عن (إخوانهم في الدين)، يجب تقدير ذلك بل ومكافأة هؤلاء الإخوة ماديا ومعنويا، ما لم يبغوا علينا، ويمكن أن نستفيد من كيفية تعامل الحكومة البوسنية مع المجاهدين بعد حرب البوسنة اذ تم تجنيس الكثيرين منهم واستيعابهم في المجتمع

9- التشدد ظاهرة اجتماعية فكرية لها أسبابها المتعددة والمركبة، ولا بد من إيجاد حلول شاملة لهذه الظاهرة تراعي كل هذه الأسباب بما فيها الأسباب الاقتصادية، وهذا مجال يجب أن تشتغل عليه مراكز الدراسات التي أفرزتها الثورة بما فيها من مختصين في مختلف المجالات

10-  واخيرا ولكي نرى الصورة كاملة يجب ألا نحمل مسؤولية التشدد لهذه الجماعات فقط، بل على الدول والجهات التي تدعم هؤلاء أن تتحمل مسؤليتها أيضا، إن تجفيف منابع تمويل الجماعات المتشددة هو واجب الدول

إن خروج المجتمع السوري من حالة الحرب الطاحنة التي يعيشها اليوم إلى حالة الاستقرار الأمني والسياسي سيستغرق سنين عديدة، ولا شيء يقصر من فترة الانتقال ويخفف تكاليفها أكثر من التعامل بشكل علمي وعقلاني مع التحديات التي تفرزها هذه المرحلة، ووفق الأجندة الوطنية التي لا تطابق أجندات الآخرين في كل الأحيان

23/9/2013

Share