(الحل السياسي)
(الحل السياسي) الذي تدفع باتجاهه دول العالم، علينا أن نتذكر أن هذه الدول، سواء الداعمة للنظام أو من يسمون أنفسهم (أصدقاء الشعب السوري)، اختارت موقف المتفرج الصامت شهوراً عديدة عندما اندلعت المظاهرات في سورية، ففي حين طالبت الولايات المتحدة مبارك بالرحيل بعد أيام من القمع الذي تعرض له المحتجون المصريون في ساحة التحرير وبعد سقوط عشرات القتلى فقط، فإن الدول الغربية لم تتحدث عن فقد بشار لشرعيته حتى شهر آب عام 2011 أي بعد خمسة شهور من اندلاع الاحتجاجات في سورية وبعد أن أصبح عدد الشهداء والجرحى بالألوف وعدد المعتقلين بعشرات الألوف، في الشهر ذاته صدر أول بيان من الجامعة العربية حول الأحداث في سورية! كانت هذه الدول تتوقع من النظام – بل تطلب منه - أن يتمكن خلال هذه الفترة من إخماد الثورة، لكن الثورة العظيمة أثبتت أنها عصية على الإخماد، فوجد العالم نفسه أمام جرائم النظام وانتهاكاته مضطراً للإدانة والتنديد، ثم اتسعت الثورة وتحولت بسبب قمع النظام إلى مقاومة شعبية مسلحة، ومع فظاعة الجرائم التي يرتكبها النظام، لم ينجح مجلس الأمن في إصدار بيان إدانة واحد، وتُرك الشعب السوري لمصيره تحت آلة القتل الهمجية، فلا حظر جوي يحمي المدنيين من طائرات النظام وصواريخه، ولا سلاح نوعي سُمح له بالوصول إلى الثوار يكفل ترجيح كفتهم والانتصار على النظام وإنهاء معاناة السوريين. ما أردت قوله من خلال هذه المقدمة، أن (حقن دماء السوريين) لم يكن في يوم من الأيام أولوية عند الدول التي تنادي بالحل السياسي اليوم، كانت الأولوية عندهم وما تزال الحفاظ على النظام كرمى لعيني اسرائيل، وكلما اقترب الثوار من تحقيق النصر ترتفع نبرة الحديث عن الحل السياسي، الحل السياسي الذي ينقذ النظام ويبقي جزءاً من بنيته الأمنية والعسكرية والطائفية في أي صيغة لسورية القادمة، ويمنع الثورة من تحقيق انتصار ناجز يجعل سورية الجديدة حرة من أي تبعية للخارج مما يشكل تهديداً لاسرائيل
علينا ألا نتوهم استجابة النظام لأي حل سياسي مهما تظاهر بذلك. منذ بداية الثورة، لم يستجب النظام للمبادرات السياسية إلا لفظياً بينما كان على الأرض يوغل في القتل والإجرام؛ تظاهر بقبول بعثة (الدابي) لكنه لم يوفر لها الحماية بل أحاطها بجو من الترهيب فانسحب المراقبون واستقال الرجل، ثم تظاهر بقبول مهمة (عنان) واتفاق جنيف ذي النقاط الستة التي تدعو إلى وقف الحل العسكري وإطلاق السجناء والسماح للمنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام بالدخول وحرية الحركة والسماح بالتظاهر السلمي ثم الجلوس على طاولة المفاوضات لكنه لم يحقق شيئاً من هذه الشروط بل أوغل في القتل والمذابح واستقال عنان أيضاً، وفي ظل مهمة (الإبراهيمي) كان النظام يستقبله ويتظاهر بتسهيل مهمته وقبوله البحث عن حلول سياسية في حين كان يصعّد قصفه المدن بالطائرات والصواريخ وارتكاب المذابح المروّعة وها هو الرجل يفكر بالاستقالة أيضاً، حتى عندما بادر الشيخ معاذ الخطيب إلى الحوار مع النظام مقابل إطلاق المعتقلين، واجه النظام مبادرته بالتجاهل التام، ولم يطلق معتقلاً واحداً ولا حتى امرأة واحدة من مئات النساء الموجودات لديه. هذا النظام لا يريد حلّاً سياسياً، هو يريد إنهاء الثورة بالقوة العسكرية والخديعة السياسية وإعادة الشعب إلى حظيرة الطاعة كما كانت عليه الأمور قبل آذار 2011، الخطاب السياسي والإعلامي للنظام لم يتغير شعرة واحدة منذ بداية الثورة حتى هذه اللحظة فهو لا يعترف بوجود ثورة وإنما إرهابيون يجب القضاء عليهم ومعارضة خائنة لا يمكن التفاوض معها، لقاءات بشار الإعلامية كلها تؤكد أنه لا يعترف بوجود شعب منتفض وأنه يعتبرها حرباً لا بد أن يخرج منها منتصراً
إذا عدنا إلى التاريخ سنجد نوعان من الأنظمة الاستبدادية في العالم، هناك أنظمة تسمح لها طبيعتها بأن تجري تسويات مع شعوبها تفكك بنيتها الاستبدادية تدريجياً وتحولها إلى أنظمة ديمقراطية، حدث ذلك في دول أوربة الشرقية الشيوعية سابقاً، وشاهدنا هذا التحول في اليمن أيضاً، بالمقابل هناك أنظمة بلغت درجة من التوحش والإجرام لا تسمح لها بأن تمضي في هذا الطريق، فهي أما أن تبقى كما هي أو أن تنهار كليّاً دفعة واحدة، ولا يمكن أن تمر بأي عملية تحوّل، كالنظام النازي في ألمانيا أو الفاشيستي في إيطاليا أو نظام القذافي، والنظام السوري واحد من هذه الأنظمة
هل يعني ما سبق أن على المعارضة أن تعلن رفضها للحلول السياسية، طبعاً لا، ولكن يجب ألا تستجيب – كما استجاب البعض للأسف – للدعاية التي يبثها النظام وحلفاؤه في أنه لا حل ممكن في سورية إلا الحل السياسي وعلى المعارضين أن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات اليوم قبل الغد. هذه جزء من الحرب النفسية التي تهدف إلى دفع الثوار إلى التوقف في منتصف المعركة بحجة (حقن الدماء) واستحالة الحل العسكري. لكي يسمى الحل (حلّاً) يجب أن توافق عليه الأطراف المعنية بالصراع، ولا يمكن سياسياً ولا أخلاقياً أن يقبل الثوار بأي حلٍّ لا يبدأ برحيل رأس النظام مع المجرمين الذين سفكوا دماء السوريين دون أي ضمانات بعدم ملاحقتهم القضائية، لا يمكن القبول بحلٍّ لا يبدأ بتفكيك الأجهزة الأمنية القمعية ومحاكمة كل المتورطين بالحرب على الشعب السوري. يقول قائل: وهل يعقل أن يرضى النظام بذلك؟! هل يعقل أن يرضى رجال النظام برحيل بشار الذي يعتبرونه إلهاً ستنهار معنوياتهم برحيله؟! وهل سيسمح المجرمون لقسم منهم بالهرب خارج سورية في حين يتعرض القسم الآخر للمحاكمة والقصاص؟! في الحقيقة هذه ليست مشكلة الثورة وإنما هي مشكلة النظام! ومن قال أن الموافقة على (حل سياسي) هدفه حل مشكلة النظام، وليس إثارة التناقضات في صفوفه وتسريع تفكيكه وانهياره؟ لن يرحل هذا النظام إلا مرغماً بالقوة العسكرية، والحديث عن الحل السياسي يجب أن يكون هدفه محاصرة النظام سياسياً وخلق التناقضات في صفوفه وبينه وبين حلفائه لتسهيل تفكيكه وتفكيك تحالفاته، بهذا المعنى يتضافر العمل السياسي مع العمل العسكري في التسريع في إسقاط النظام. هذه معركة فُرضت علينا ولا يمكن أن نستسلم ونتوقف في منتصفها، الجهود كلها يجب أن تنصب على تسليح المقاتلين ورفع سوية التنسيق بينهم، ودعم الحاضنة الشعبية للثورة، وإدارة المناطق المحررة بما يمكّنها من الصمود، أما المعارضة فيجب أن تطالب بالحل السياسي بشروط الثورة لا بشروط النظام وحلفائه، ويجب أن يركّز أداؤها السياسي على المكاملة بين الضغط العسكري والضغط السياسي من أجل إسقاط النظام بالقوة العسكرية
10/5/2013