cover

الدولة الإسلامية: شعار نرفعه أم واقع نصنعه؟

إسلامنا، لا نخفي انتماءنا إليه، واعتزازنا به، ولا نخفي قناعتنا بأنه منهج حياة شامل وليس علاقة بين المرء وربه فحسب، ولا نخفي أننا نعتقد أن الحياة لا تصلح إلا به، وأن في مرجعيتنا الحضارية الإسلامية إجابات على كثير من الأسئلة التي أرهقت حضارة الغرب المادية، ولا نخفي أننا نعتقد أن سعادة البشرية تكمن في ظلال هذه المرجعية التي بسطت أخلاقها الرفيعة وقيمها الإنسانية السامية في طول الأرض وعرضها ذات يوم فكانت حضارة من أروع الحضارات التي عرفتها البشرية، حضارة نمت وازدهرت في أحضانها المعارف والعلوم التي كانت أساساً لعصر النهضة في أوروبة بشهادة المنصفين من علماء ومؤرخي الغرب أنفسهم. هذه حقائق ومبادئ نعلنها على الملأ بالفم الملآن دون تورية أو خجل، ومن غير مجاملة أو محاباة، فكما أن للآخرين الحق في أن يعلنوا عن مرجعياتهم ويعلنوا أنهم يعملون لتحقيقها واقعاً على الأرض ويعلنوا أنهم يرسمون خططهم وبرامجهم السياسية على أساسها، لنا الحق ذاته في أن نفعل كما يفعلون، رضي من رضي وسخط من سخط
ولكن عندما يتعلق الأمر بإعلان (الدولة الإسلامية) يجب أن نتوقف ملياً عند هذا الشعار وعند المصلحة من رفعه الآن قبل أن تقوم للدولة السورية قائمة، وقبل أن يعرف الناس ما تعنيه (دولة إسلامية)، بل قبل أن يعرفوا ما يعنيه مفهوم (الدولة) في العصر الحديث. أولاً لا بد من التذكير بأن مصطلح (إسلامي) لا وجود له في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية، وإنما هو مصطلح حديث استخدم للدلالة على من يتخذ الإسلام مرجعية له في إطار ما كالسياسة أو الاقتصاد أو الإعلام أو التربية وغير ذلك، وإن الإصرار على تسمية (إسلامي) يعكس حالة الغربة التي تعيشها الأمة بعيداً عن دينها، وعجزها عن تحقيق هويتها الإسلامية على أرض الواقع، فتسلك الطريق الأسهل والأسرع الذي يشبع حاجتها النفسية إلى الشعور بالهوية والانتماء بالتركيز على (الاسم) بدلاً من الطريق الأصعب والأطول وهو التركيز على تحقيق (الُمسمّى) واقعاً على الأرض يتجلى بالتزام أفراد المجتمع بأخلاق الإسلام ومقاصده، أرأيت إلى الرجل المتحقق بصفات الرجولة، هل يحتاج أن يقول للآخرين دائماً (أنا رجل)! إن المجتمع المسلم هو الذي ينتج دولته وليس العكس، وعندما نعمل على بناء هذا المجتمع الذي يتخلق أفراده بأخلاق الإسلام ويعملون على تحقيق مقاصده لا يعود مهماً اسم الدولة التي تدير شؤون هذا المجتمع. لقد التصقت عبارة (الدولة الإسلامية) بالكثير من الصور والمفاهيم الخاطئة، إما نتيجة لجهل البعض بحقيقة الإسلام، أو نتيجة لخبثه وتعمده تشويه هذه الحقيقة! عندما تقول (دولة إسلامية) سيرتسم في أذهان الكثيرين في داخل سورية وخارجها أعناقاً تُدقّ وأشخاصاً يُرجمون وظهوراً تُجلد وأيدٍ تُقطع!! وسيبنون موقفهم من هذه الدولة بناء على هذا التصور، مع أن آيات الحدود تعد على أصابع اليد من بين مئات الآيات القرآنية التي تعمل على بناء الإنسان القويم والمجتمع الناهض، ووفق منهج لا يطبق الحدود إلا بعد أن يحقق في المجتمع كل ما يحصنه من دواعي الجريمة والانـــحراف وضمن شروط غاية في الدقة والحذر (ادرؤوا الحدود بالشبهات)، فهل من مصلحتنا ومصلحة ديننا أن نرفع شعاراً يقدح في أذهان الناس صورة خاطئة عن الدين قبل أن نبسط مبادئ هذا الدين وحقائقه في المجتمع ونزيل ما علق بالإسلام من صور نمطية خاطئة؟! وهل من المصلحة أن ننادي بالدولة الإسلامية ونحن لم نبن دولتنا بعد، ولم نتفق على ما تعنيه (الدولة الإسلامية) حتى بين الداعين إلى هذه الدولة أنفسهم؟ إن الانتصارات التي يحققها ثوارنا على الأرض ببطولات تشبه الأساطير يجب عدم تضييعها بصراعات مبكرة حول طبيعة الدولة وتسميتها، يجب أن نترك تحديد ذلك إلى ما بعد التخلص من هذا النظام الغاشم، وعندها أمامنا خياران لا ثالث لهما: إما الاحتكام إلى السلاح أو إلى صناديق الاقتراع
ألم ينتصر المجاهدون الأفغان على أعظم جيش بري في العالم ثم تقاتلوا بعد ذلك فيما بينهم لأنهم لجأوا إلى الخيار الأول فلا دولةً أقاموا ولا إسلاماً نصروا؟! يجب أن نحرص بعد إسقاط النظام على وحدة سورية وسلامة أراضيها وعدم حدوث أي اقتتال داخلي بين أبناء الوطن الواحد وإعادة السلام والأمن إلى مجتمعنا، أما اسم الدولة ومرجعيتها فيجب أن يُترك لصناديق الاقتراع، وعجبي من الذين يقولون لا يجوز الاستفتاء على شرع الله، فالاستفتاء هنا ليس على الشرع وإنما على كيفية وتوقيت التطبيق، وسيكون ذلك على شكل مواد في الدستور القادم تضعه هيئة تأسيسية منتخَبة ويُعرض على الاستفتاء الشعبي، هذه الهيئة سيكون فيها علماء وفقهاء ورجال قانون لا يقلون حرصاً على تطبيق الإسلام وتحقيق مقاصده عن عامة الناس
قولوا لي بربكم، إذا لم يُفسح المجال للأمة كي تعبر عن رأيها في هذا الموضوع الأهم – اسم الدولة ومرجعيتها - وعبر صناديق الاقتراع، فكيف نقول إن ثورتنا قامت لتحرير الأمة من الوصاية عليها وإفــــساح المجال لها لتعبر عن إرادتها بحرية؟
11/12/2012

Share