الشعب السوري ما بينذل
من الحريقة .. في وسط دمشق القديمة، حيث يفوح عبق التاريخ، وحيث كل حجر يخبئ خلفه قصة ألف عالم ومجاهد وعابد، وحيث مهد حضارة أضاءت الكون حقاً وعدلاً، من هناك .. وقبل أكثر من عام انطلقت حناجر آلاف الدمشقيين تهتف بعفوية (الشعب السوري ما بينذل) منهية صمتاً دام أربعة عقود، ومعلنة انتهاء عصر الذل والهوان، وافتتاح عصر البطولة والحرية والكرامة
أربعة عقود والشعب السوري العظيم الذي يختزن في مورثاته حضارة عشرة آلاف عام، يئن تحت حكم شمولي عائلي، استهان بكرامته، وعطّل طاقاته، وبدد ثرواته، وقتل وسجن وشرد عشرات الألوف من أحراره، وبدلاً أن يتبوأ الشعب السوري المكانة التي تتناسب مع أصالته وأخلاقه وعبقريته فتصبح سورية جوهرة الشرق ودرة تاجه، جعلها هذا النظام المستبد من أسوأ دول العالم فساداً وفقراً وتخلفاً. لكن التاريخ لا يعرف العودة إلى الوراء، وما زرعه الله في نفوس الناس من توق إلى الحرية وعشق للكرامة لا يمكن لطاغية أن يقتلعه، مهما بلغت وحشيته وطال استبداده، وهكذا جاء الربيع العربي ليعبر عن تطلعات الشعب العربي في العيش الحر الكريم، وتساقط طغاة العرب واحداً تلو الآخر، ووصلت نسائم هذا الربيع إلى سورية التي كانت على موعد مع ثورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في الشجاعة والفصبر والتضحية
واشتعلت الثورة؛ من درعا الأبية .. إلى حمص العدية .. إلى حماة العصية .. إلى جبلة .. إلى البوكمال .. إلى عامودا .. إلى مئات المدن والبلدات والقرى، على امتداد مساحة الوطن، في ملحمة ثورية إنسانية عظيمة أخرجت من الشعب السوري أنبل وأجمل ما فيه من عزة وشجاعة وصبر وتكاتف. ولم تستطع آلة النظام القمعية ومدافعه ودباباته وطائراته أن تطفئ ظمأ الشعب إلى الكرامة وأن تخمد فيه شعلة الحرية
المقدسة، وتحولت الثورة إلى شجرة وارفة لا تزيدها دماء الشهداء إلا نمواً ورسوخاً يوماً بعد يوم
ونحن نعيش ذكرى الجلاء في هذه الأيام، نشعر أن روح أجدادنا التي ترفض الذل والضيم والتي طردت المستعمر عن أرضنا هي التي تسري في ضلوعنا اليوم وهي التي ستطرد المستبد الجاثم فوق صدورنا، نحن ثوار دمشق أحفاد يوسف العظمة وحسن الخراط عاهدنا الله أن نمضي في هذه الثورة حتى النهاية .. لن يرتاح المجرمون في ربوعك يا دمشق، سنطلع لهم من كل حي وحارة هاتفين لحرية قادمة رغم أنوفهم، وكما عطرت دماؤنا محراب مسجد الرفاعي في كفرسوسة وجدران مسجد الحسن في الميدان فإنا لن نبخل بالمزيد من الدماء، حتى نحررك يا دمشق من قبضة المجرمين ونعيدك كما كنت عبر التاريخ .. منارة للحضارة والإيمان، وهذا عهدنا إليك .. يا شام
22/4/2012